طوال
التاريخ كانت الدعاية جزءا من الحرب، و " قصف العقول" يسبق قصف المدن والبشر.
وظلت فكرة بناء الوعي، أو تزييفه جزءا من حرب نفسية تستهدف العقول والقلوب. ومع
ظهور عصر الاتصالات وأدوات الاتصال والتواصل، أصبح أغلب سكان العالم يحملون
الموبايل الذكي التاتش، وهو ما جعل المهمة أسهل، والمواطن عرضة لتيار مستمر من
البث، يحمل خليطا من المعلومات و الأخبار والشائعات والأخطر هي الأخبار والتقارير المغسولة والملونة.
وأعادت وسائل التواصل الاجتماعي مسألة تزييف الوعي بقوة، وبشكل عكسي، فالتدفق
السهل للمعلومات يحمل خليطا ويصنع تشويشا يجعل من الصعب أحيانا التمييز بين
الحقيقي والزائف، أو بين الخبر والشائعة، وحسب وصف الكاتب المغربي محمد طيفورى فإن
“كثرة المعلومة تقتل المعلومة" ويتحول طوفان المعلومات السائل إلى مدخل للتلاعب
بالوعي، حسب وصف الكاتب الروسي سيرجي مورزا.
لكن الأمر في السنوات الأخيرة تجاوز فكرة التلاعب بالوعي
إلى محاولة توجيهه وإعادة بناء الأخبار والمعلومات بصورة تخدم أجندة المنتج بشكل
مباشر أو غير مباشر. وعلى سبيل المثال فإن 25 يناير بدأت في مصر ضمن أدوات التغيير
السياسي والاجتماعي، وتحولت تحت فوضى الفضائيات وأدوات التواصل إلى مولد سياسي،
وبدا الأمر أحيانا موجها إلى إسقاط الدولة وليس تغيير الوضع سياسيا واجتماعيا.
ظهرت قنوات فضائية على عجل، ومواقع إليكترونية وحسابات
على فيس بوك وتويتر، وتحولت برامج المساء والسهرة إلى عراك وصراع ، أنتجت حالة
تشويش، أفقدت المجتمع يقينه وأدخلته فى مراحل من الشك والصدام، و كثفت قناة
الجزيرة القطرية برامجها حول مصر بل وتم إصدار قناة مباشر مصر، التي ركزت على
توسيع هوة الخلافات بين التيارات السياسية، والدعاية لصالح تنظيم الإخوان،
واستهدفت قناة الجزيرة وبعض المنصات
المحلية والدولية النواة الصلبة للدولة، وفى قلبها القوات المسلحة، بالتشكيك
واختراع التقارير والشائعات، ونجحت أحيانا في إثارة البلبلة والشك. ويكفى مراجعة
تقارير مترجمة من مراكز أبحاث أمريكية ودولية عن اقتصاد الجيش وأهمية تحجيم دوره
وكف يده وتجاهل تام لاقتصاديات واستثمارات الجيوش عبر العالم.
الهدف كان إزاحة
الجيش من خلال تضخيم حوادث واختراع صدامات غالبا كانت لصالح البلبلة تمهيدا لزحف
الإخوان إلى السلطة. واتفق الإخوان مع قطاعات من النشطاء، في التهجم على القوات
المسلحة، مع التشكيك فى باقي القوى السياسية التي تاهت وانساقت بعضها خلف حالة
الشك والضجيج، مع ظهور حوادث وصدامات طائفية أو مذهبية مثلما جرى فى الهجوم على
كنيسة العياط وتنظيم مظاهرات من السلفيين
بمزاعم الدفاع عن مسيحيات اعتنقن الإسلام وهى قضايا تم اختراعها كجزء من
فوضى تم تغذيتها من مواقع التواصل وبعض الفضائيات المتطرفة التي ولدت بمال مجهول في
أعقاب إسقاط مبارك. مع دعاوى مجهولة باسم الثورية أشعلت معارك محمد محمود أو مجلس
الوزراء وحرق المجمع العلمي. واللافت للنظر أن هذه الفوضى كانت تعتبر أحداثا ثورية
وتحظى بدعم من نشطاء فيس بوك وتويتر وبعض الفضائيات التى عملت على الضغط للإفراج
عن إرهابيين أدانتهم المحاكم بأحكام نهائية، وتم إطلاقهم بناء على تقارير من
منظمات حقوقية ممولة من قطر، بل إن بعض المحسوبين على الثوار من نشطاء دعموا
واعتبروا إطلاق الإرهابيين القتلة دعما للثورة، وتداخلت أنشطة الحقوقيين
بالسياسيين. بل أن الإعلاميين الكبار والمشهورين تم استقطابهم إلى قنوات تم إطلاقها
بأموال مجهولة، ليقدموا برامج يضاعفون فيها حالة الحيرة والشك والارتباك، ويمكن مراجعة
برامج هذه القنوات خلال فترة ما بعد مبارك وأثناء انتخابات البرلمان والرئاسة والتي
كانت تمهد الأرض للإخوان بشكل تام من خلال تزييف الوعي وصناعة نجوم من التنظيم
والتقليل من شأن أى منافس للجماعة والنشطاء التابعين للتنظيم.
في مصر استغلت قناة الجزيرة حالة الارتباك السياسي
والاجتماعي بعد 25 يناير، لتلعب دورا في نشر التقارير والأخبار المغسولة والبرامج
الموجهة التي ربما لم ينتبه إليها كثيرون وقتها، والأخبار المغسولة تبدأ في صورة
شائعات على مواقع التواصل، ثم تنتقل إلى مواقع إخبارية مجهولة، تلتقطها الجزيرة
لتعيد بثها.
لكن 30 يونيو 2013 كان الزلزال الذي أطاح بأحلام تنظيم الإخوان، محليا
ودوليا، ومن يومها واجهت مصر واحدة من أكثر حروب التشكيك شراسة، ومن خلال قنوات
الجزيرة وتوابعها في قطر وتركيا، وآلاف من اللجان الإليكترونية تسكن المناطق
المظلمة لمواقع وأدوات التواصل الاجتماعي.
في البداية تم
الرهان على هجمات إرهابية وتفجيرات في شمال سيناء، وصلت بعضها للقاهرة، لكنها تحطمت
على صخرة القوات المسلحة وأجهزة الأمن والمعلومات ووعى الشعب المصري بخطر الإرهاب.
وكانت الجزيرة وقنوات تركيا تحرض علنا على الإرهاب، من جهة وتشكك في قدرات الدولة
على مواجهة الإرهاب.
وخلال سبع سنوات بعد 30 يونيو واجهت مصر حروبا على عدة
مستويات، اقتصادية وأمنية وإقليمية وواجهت حرب تضليل وتزييف باستعمال كل أدوات
وعلوم الدعاية المضادة. واشترت قطر، بعض المنظمات الحقوقية والبحثية
وافتتحت أفرع لمراكز الأبحاث الأمريكية ومنها كارنيجى فى الدوحة لتوظيف هذه
المنظمات والمراكز في إصدار تقارير انتقامية، ذات صبغة بحثية أو حقوقية. وهذا يفسر
ظهور الكثير من التقارير المسيسة من منظمات حقوقية أو بحثية، أفقدت هذه المنظمات
صورتها وسمعتها.بل إن بعض المواقع الإخبارية الدولية تعرضت لاختراقات من قطر
بالشراء ،و البرامج المشتركة ساهمت فى التلاعب فى الأسماء والمصطلحات وكانت تطلق
اسم «ولاية سيناء أو متمردين»، على الإرهابيين
بل إن هيئة الإذاعة البريطانية نشرت بمناسبة
سقوط 16 شهيدا من الشرطة، إحصائية لعدد الهجمات الإرهابية بدأتها بمقدمة عن كراهية
المصريين للشرطة وأنها من أسباب 25 يناير.
ونجحت حروب تزييف
الوعى في هدم دول، ونشر فوضى و صعود سريع لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق
قبل أن يواجه الهزيمة. ولعبت قناة الجزيرة الدور
الأكبر فى التمهيد للحرب بالوكالة فى سوريا بالنفخ فى الجيش السوري الحر بينما كان
الهدف دعم تنظيم داعش والقاعدة ، و كثفت بث أخبار وصور وفيديوهات متكررة قالت إنها لمئات
الآلاف من المتظاهرين بسوريا اختفوا وظهر
تنظيم داعش و اعترف المرصد السوري لحقوق الإنسان المصدر الرئيسي لكل المعلومات أن
الفيديوهات تم تجهيزها فى لندن . كانت
الشائعات وراء قصف الولايات المتحدة لسوريا بناء على صور وفيديوهات عن ضحايا
السلاح الكيماوى واتهام النظام و كشفت
منظمة أطباء بلا حدود السويدية أن منظمة الخوذات البيضاء صنعت صورا لضحايا وهميين
وبعضها مشاهد تمثلية بقصد اتهام النظام السورى.
كانت مصر مرشحة بقوة لمثل هذا المصير، لكن ثورة 30 يونيو
أطاحت بالفكرة، واستعادت مصر من أيدى تنظيم الإخوان.
وفى
حالة غير مسبوقة شن تنظيم الإخوان متحالفا مع قطر، حربا لم تتوقف طوال 7 سنوات ، من خلال أكثر من 15 قناة فضائية من
قطر وتركيا ولندن، وعشرات المواقع الإخبارية التى تغير أسماءها ومنها مواقع أسسها
وضاح خنفر وهو مدير سابق بقناة الجزيرة، ومدير لعشرات المواقع و اللجان الإلكترونية،
الممولة قطريا، بدأ بترخيص نسخة عربية من مدونة «هافنجتون بوست»، واستعملها في نشر التقارير المضروبة، مما اضطر الموقع الأصلي لإلغاء
التعاقد بعد أن أساء خنفر لسمعته. لكن المذكور واصل لعبة إنتاج وتسويق الأكاذيب. اخترع
عدة مواقع، اختار لها اسماء «عربى بوست، عربى 21، ساسة حرية نون «بوست». ومواقع توحي
بأنها أجنبية، مثل ميدل إيست، ووتش سيرش»، تخصصت فى نشر الخبر الكاذب، لتلتقطه مواقع
ولجان الجزيرة وتبدأ فى تحليله، وتزدحم تقارير مواقع خنفر بمصادر مجهلة ومتعامدة ومتقاطعة، ضمن«توثيق
الكذب». وهى مجرد غرف غسيل لقناة الجزيرة،
أو قطر التى تنفق بسخاء على هذا الهراء الفارغ..
كل
هذه القنوات واللجان والمواقع متفرغة 24 ساعة للتشكيك والكذب والفبركة ضد مصر،
التى اختارت الطريق الأصعب للإصلاح الاقتصادي صناعة وطرق وزراعة وحماية اجتماعية
وتعليم وصحة، وفرق المصريون دائما بين الاختلاف والتعدد في الآراء، و اتفقوا على
رفض الإخوان والسخرية من أكاذيب الجزيرة التى تحولت هى وتوابعها في الدوحة وإسطنبول ولندن إلى منصات لنشر
تقارير وأخبار مفبركة وصور قديمة.
راهنت
قطر على الإرهاب وخسرت الرهان، وزعمت الجزيرة أن مصر تركت الجنوب إلى الغرب وكسبت
مصر في الغرب والجنوب معا.
اعتادت
نشر وتكرار الأكاذيب وفبركة تقارير ومعلومات وأرقام التشكيك في السياسات
الاقتصادية والاجتماعية المصرية على عكس ما تذكره تقارير مؤسسات اقتصادية كبرى رصدت
حجم التطور والتحول الإيجابي في الاقتصاد. وبالرغم من سقوط كل التقارير والتوقعات
والتحليلات التي سبق ونشرتها الجزيرة مستعينة بمحللين خصوصيين، تصر على السير في
نفس الاتجاه.
الشعب
المصري تحمل ولو رفض ما كانت قوة في الأرض تمنعه من الخروج، لكن الجزيرة تتعمد
الاستعانة بمحللين يقولون إن الإصلاح سيفشل ـ العكس هو ما تحقق، بناء محطات توليد
الكهرباء، تحقيق الاكتفاء الذاتي وصولا إلى التصدير. تم فتح كل الملفات الصعبة وأولها
ملف العشوائيات وخلال 6 سنوات تم نقل سكان المناطق العشوائية إلى مجتمعات متكاملة فى
الأسمرات وغيط العنب والسيدة وغيرها، وظلت الجزيرة وتوابعها يمارسون الكذب
ويفبركون فيديوهات واعتبروا نقل العشوائيات قضى على خصوصية السكان، شككوا فى شبكة
الطرق العملاقة ومترو الانفاق وتطوير القطارات، و صناعات الغزل والنسيج والقضاء
نهائيا على فيروس الكبد الوبائي سى، والذي قتل ملايين خلال عقدين. وخلال 3 أعوام
فقط تحولت مصر من أكثر الدولة المصابة بفيروس سى، إلى نموذج في القضاء على المرض.
في
الزراعة حققت مصر قفزات خلال أعوام قليلة، ومع التوسع في زراعة الأراضي والصوبات
حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الخضر والفاكهة فضلا عن الصمود في الأسعار من منتجات
اللحوم والأسماك والمنتجات الغذائية خلال أزمة فيروس كورنا، بل إن مواجهة فيروس
كورنا كانت نموذجا لعمل جماعة من الحكومة بالشفافية والتعامل العلمي والصحي الأمر
الذى جعل مصر من بين الدول ذات نسبة الإصابات المتوسطة، قناة الجزيرة وتوابعها في
تركيا ادعوا أن مصر تخفى أرقاما ضخمة من الإصابات وهو ما ثبت كذبه.
كل
هذه الخطوات تتحقق في مصر، وما تزال قطر تصدر التعليمات لقناة الجزيرة وتوابعها
وذيولها، بالتشكيك ونشر الكراهية، والتحريض وتمارس كل محاولات تزييف الوعي، ونشر الإحباط،
ومع علمهم بالفشل، هم يراهنون على نشر الشك والإحباط. خاصة بين فاقدي القدرة على
التمييز بين الحقيقى والزائف فى عالم زحام الحرب على الوعى.