صناعة
الفن هى صناعة وتقويم وتهذيب فكر ووجدان الجمهور وذلك لما للكلمة والمشهد الدرامى
أو السينمائى من تأثير على متلقيه، والفن والإبداع دائماً عنوان تحضّر الدول
وعنوانها الثقافى والقوة الناعمة التى تؤثر فى محيطها الخارجى.
ومنذ
وقت بعيد انحرف المسار الفنى دراما وسينما ومسرح وغناء إلى المنزلق التجارى بعيداً
عن الفكر والعمق والموروث الثقافى والتاريخ لمصر، وأصبح يقدم مادة «هشة» وسطحية
هدفها التجارة والربح فقط، وأصبح يحكمها الإعلان والمكسب وأسهم فى ذلك غياب الدولة
عن صناعة الفكر والفن واختفت الشخصية المصرية الأصيلة فى أفلام السينما ومسلسلات
الدراما ومتعة المسرح، وفقد المشاهد «وعيه» وأصبح رهن دراما الأكشن والعنف والقتل
والخروج على المألوف فى المجتمع المصرى ولم تعد هى الصناعة التى كانت تقدم القيمة
والقدوة والانتماء والعطاء وأصبحت تصيب المشاهد بإحباط من مشاهد الثراء والرخاء
وكأنها تخاطب عالماً آخر ولم تستجب هذه الصناعة لدعوة الرئيس «السيسى» نفسه بضرورة
تقديم دراما تستعيد الوعى المصرى وتقف بجوار الدولة.
الدراما
الموجودة حالياً دراما من نوعية واحدة، اختفت منها الدراما الدينية رغم أزمة تجديد
الخطاب الدينى، دراما السيرة الشخصية مثل «قاسم أمين»، «أم كلثوم» ومثل سيرة
«الإمام محمد عبده»، ليس لدينا أهداف تتعلق ببناء الإنسان التى دعا لها الرئيس
السيسى، للأسف لا يوجد عندنا قنوات وأعمال دراما النشء ودراما الأطفال.. كيف نبنى
الإنسان ودور الدراما غائب عنه، بل وتهدمه وتغيب الشخصية المصرية وما تقدمه دراما
الكبار المحددة بالسن وللأسف النشء يشاهدها لأنه لا يوجد دراما تختص به وتقدم إليه
القدوة والقيمة وحب الوطن وتقوّم داخله التفكير العلمى والمساهمة فى بناء عقلية
علمية وبناء المجتمعات الحديثة.
منذ
2011، رفعت الدولة يدها عن الإنتاج لأن كل جهات الإنتاج لا تنتج وتحول من فيها
لموظفين يتقاضون المرتبات فقط المعلن هو من يتحكم فى سوق الدراما والمنتج معذور
لذلك لا بد أن يعود الأمر لوضعه الصحيح يكون الورق ثم المخرج وعدل الهرم المقلوب.
لابد
أن يضيف القطاع الخاص أعمالاً تساند الدولة لكن هذا لن يحدث لتغير سوق الإنتاج
وأصبح المعلم والنجم هو المتحكم ويخرج العمل «مسلوق» ولا يحمل وجهة نظر إلا القليل
من هذه الأعمال وقال: غياب النص القوى أهم عوامل انحدار سوق الدراما لأننى لو لم
يكن عندى نص قوى لن أعمل لأننى أمثل تاريخاً مشرفاً ولا بد أن تعود الدراما
بنجومها الكبار فى التأليف والإخراج بعيداً عن نظام الورش العقيم.
الأزمة
المالية هى سبب غياب إنتاج الدولة كان عندنا مثلاً عدة خطط 2011، ثم توقفت لعدم
توافر سيولة مالية عملنا محاولات لكن للأسف، لكن نتمنى أن يعود المنتجون لصوابهم
وعمل مسلسلات تخاطب الوعى لكن أخشى أن تتحول الدراما لما حدث فى السينما
والمقاولات، وهذا يؤدى لسحب البساط من الدراما المصرية.
استعادة
الوعى المصرى من خلال الدراما والسينما والفن بشكل عام، أمر يمكن تحقيقه بالتأكيد
من خلال الأعمال الجيدة التى تقدم نماذج درامية مؤثرة وإيجابية تعيد الشخصية
المصرية الأصيلة والنماذح الناجحة لأن أى منتج وأى مشاهد يبحث عن العمل الجيد
بالتأكيد لأنه الضمان الوحيد للنجاح والتسويق وذلك يحتاج فقط لرقابة ولجان قراءة
جيدة وواعية بمتطلبات الواقع وعرف القيمة الحقيقية لتأثير الدراما والسينما كقوة
ناعمة فى توجهات أى مجتمع خاصة الشباب الذى يأخذ منها الإيجابى والسلبى أيضاً.
معنى
وجود رقابة ولجان قراءة متميزة ليس مجرد مراقبة المحظورات الرقابية من ألفاظ
ومشاهد فقط لكن تقيّم النص الدرامى والسينمائى بشكل عام وتحديد قيمة وهدفه بما
يخدم الظروف الحالية للمجتمع دون وصاية ويكمل التأثير الحقيقى للدراما ليس بالكم
ولكن بالكيف والمضمون والهدف خاصة أن تراجع الإنتاج الدرامى هذا العام يعود لضعف
التسويق والمديونيات الكبيرة التى للمنتجين لدى القنوات وبالتالى لم يتوافر معهم
سيولة للإنتاج إنما أنا مقتنع وبسابق خبرتى فى صناعة الدراما أن العمل الجيد الذى
يحمل قيمة ومضموناً محترماً يفرض نفسه ويمكن من خلاله أنجح فى توصيل رسالة إيجابية
للجمهور لأننا فى مرحلة بناء الدولة ولدينا نماذج مشرفة يمكن توصيل نجاحها عبر
الدراما والسينما بشكل فن مؤثر تخدم توجه الدولة وتستعيد الوعى المفقود بفعل
التغيرات السياسية والاجتماعية وبالتالى الفنية والإبداعية ولكن ما يجب أن يحدث هو أن ينقيه ويهذب الفن
وجدان الشارع.
إن
نجاح مسلسل «رأفت الهجان» حتى الآن بما يحمله من بطولة وقدوة وتضحية فى قالب درامى
مشوق ومثير يؤكد أن الفن الجيد يظل باقياً باستمرار الحياة، ولكن لا يوجد أى منتج
خاص يغامر بهذه النوعية مع نوعية الدراما التاريخية والدينية فى ظل ظروف سيطرة
المعلم والنجم واحتكار قنوات العرض وقصرها على نوعية معينة من الدراما.. والوضع
المجتمعى الراهن يحتاج الآن لبطل «هيرو» إيجابى.. الذى تبرز فيه صنعة الأخلاق
والشهامة والتضحية والحب لبلده وناسه خاصة أن مصر بها عظماء فى كل المجالات وكل
المواقف بداية من انتصارات أكتوبر وما يمر بنا الآن من كل هذه المواقف يمكن خلق
دراما عظيمة ورائعة منها تستعيد الوعى وتستعيد الشخصية المصرية الغائبة وتساند
بشكل غير مباشر توجهات الدولة نحو البناء والارتقاء والاستقرار من خلال الشخصية
الإيجابية وليس البلطجى الذى يمسك «سنجة ومسدس»، ويصبح من الأثرياء فى لحظة من
السرقة والنهب، هذه الشخصيات السلبية التى نراها فى الدراما الحالية تصيب المشاهد
بصدمة نفسية وتجعله ناقماً على المجتمع ونجد شباباً كثيرين يقلدون هذه النماذج السلبية لأنها المسيطر
الأكبر على الدراما.
أعجبنى
مسلسل «كلبش» الذى أظهر دور الشرطة وضابطها بشكل محايد وإيجابى بينما كانت هناك
أعمال لا تظهر سوى طرق الثراء السريع من خلال القتل والسرقة والبلطجة لأن هذه
الأعمال يروج لها النجم الأوحد والمنتج الذى لا يعلم خطورة ما يقدمه وغياب الدولة
غير المبرر عن صناعة الدراما والسينما التى لا تقل أهمية عن صناعة السلاح والدواء
لأن صناعة الفكر وبناء الوجدان وتهيبهً من خلال القوة الناعمة أكثر تأثيراً وأهمية.
كما
لابد من الاشاره الي النجاح الهائل الذي حققه مسلسل "الاختيار" والذي
لاقى إعجاب كل الجماهير صغار و كبار.