رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


بذكرى ميلاده.. ألبير قُصيري «فيلسوف الكسل»

3-11-2020 | 10:32


ألبير قُصيري الكاتب المصري الذي يكتب بالفرنسية كما كان يحب أن يصف نفسه دائمًا، ولد في مثل هذا اليوم في 3 نوفمبر 1913،  بحي الفجالة لأبويين مصريين أصولهما من سوريا، تلقى تعليمه في البداية بالمدارس الدينية المسيحية، ثم انتقل إلى مدرسة الجيزويت الفرنسية، ليستكمل تعليمه ويتشرب اللغة الفرنسية حتى أصبحت هى اللغة الأساسية عنده.

زار قُصيري فرنسا لأول مرة عندما كان عمره 17 سنة، واستقر بها وهو شاب في الـ32 من عمره، ليستكمل حياته كلها داخل شوارع فرنسا، وعاش هناك ما يُقارب الـ62 عامًا، إلا أنه لم يطلب الحصول على الجنسية الفرنسية قط، حتى توفي عن عمر يناهز 94 عام في عام 2008 ليودع العالم ويخرج جثمانه من نفس ذات الغرفة التي استقبلته شابًا عندما ذهب إلى فرنسا، حيث توفي في الغرفة رقم 58 في فندق لالويزيان بشارع السين، ولم يتركتها طوال الـ62 عامًا التي عاشها هناك.

وبالرغم من أنه ترك مصر إلا أن مصر لم تترك وجدانه أبدًا، فكانت كل كتباته وإن كانت باللغة الفرنسية إلا أن أحداثها لا تدور سوى في مكان واحد وهو مصر، وشخصيات الرواية هم المصريين البسطاء البؤساء؛ ولذلك لقبه النقاد والقراء بـ"فليسوف الصعاليك" و"فولتير النيل"، فكانت كتاباته تدور حول البسطاء الذين يعانون في حياتهم وكان يسخر من المسؤولين عن تلك الحالة، كما أُطلق عليه العديد من الألقاب مثل "أوسكار واليد الفرنسي" و "باستر كيتون العربي".

وبالرغم من أنه كاتب مصري وأعماله كلها تُحاك حول مصر وأهلها، إلا أن القارئ المصري لم ينتبه إلى أهمية قُصيري إلا بعد ترجمة روايته "شحاذون ومتغطرسون" إلى العربية في عام 1987، وتأكدت مكانته أكثر بعد ترجمة روايتيه "منزل الموت الأكيد" و"العنف والسخرية".

"فيلسوف الكسل" هو لقب آخر أطلق على ألبير قُصيري حيث كانت فلسفته الأساسية بالحياة هي الكسل، ومن أشهر أقواله "كم من المؤسف أن تستقيظ كل يوم صباحًا لترى أشكال تسد النفس" ومن الطريف حول هذا الكسل، هو أن قُصيري قد رفض تسلم إحدى الجوائز الأدبية لأن موعد الحفل كان الساعة العاشرة صباحًا.

العمل الوحيد الذي شغله لفترة كان التجارة  البحرية بين عامي 1939 و1943 ما أتاح له زيارة العديد من الأماكن منها أمريكا وإنجلترا، ومن بعد ذلك العمل لم يشغل أية مناصب أخرى واكتفى بعمله في الكتابه وعاش على العائدات التي تأتي له من مؤلفاته في الأدب والسيناريو، كان يقول دائمًا "أنني لم أرى أحدً من عائلتي يعمل في حياته؛ فهم يعيشون على عائدات الأراضي والأملاك"، فقد كان قُصيري من عائلة ميسورة الحالة فوالده من أصحاب الأملاك.

تعلق ألبير قُصيري بعالم الكتابة منذ نعومة أظافره، فبدأ الكتابة منذ عامه العاشر، وبالرغم من ذلك لم تزخر حياة قُصيري بالعديد من الأعمال الأدبية، فهو قد خلف وراءه ديوان شعر واحد وهو" لسعات" ومجموعة قصصية واحدة فقط وهي "بشر نسيهم الله" التي كتبها في عام 1941 وصدرت في القاهرة، كما أنها قد لاقت إعجاب الكاتب الأمريكي هنري ملير، الذي أخذها ونشرها في الولايات المتحدة وكتب بها مقدمة، كما قدم ثماني روايات كُلها تتحدث عن مصر إلا روايته "طموح الصحراء" التي كتبها في عام 1984 وكانت الرواية الوحيدة عن الخليج العربي.

ومن أشهر رواياته "العنف والسخرية" التي تحولت لفيلم أخرجته المخرجة المصرية أسماء البكري وكان من بطولة الممثل هشام سليم وسلوى خطاب ومحمود الجندي وعائشة الكيلاني، وكان هذا الفيلم هو الفيلم الثاني التي قامت أسماء البكري بإخراجه للكاتب ألبير قُصيري بعد نجاح فيلم "شحاذون ومتغطرسون" الذي كان أيضًا من تأليفه، وكان بطولة الممثل صلاح السعدني.

ومن أعماله رواية "بيت الموت المحتوم"، "تنابل الوادي الخصب"، "مؤامرة مهرجيين"، "موت المنزل الأكيد" وروايته الأخيرة هي رواية "ألوان النذالة" أو "ألوان العار" كما ترجمها البعض.

حصل ألبير قُصيري على العديد من الجوائز الأدبية مثل جائزة جمعية الأدباء عام 1965، وجائزة الأكاديمية الفرنسية للفرنكوفونية عام 1990 عن رواياته الست التي كتبها عن عامة الشعب بمدينة القاهرة، وقال ألبير قُصيري عن تلك الجائزة في حوار صحفي مع أحد الصحفيين الفرنسيين إن جائزة الأكاديمية الفرنسية للفرنكوفونية هي جائزة فخرية سياسية منحوها لي لأني مصري وليست جائزة أدبية، كما حصل على جائزة أوديبرتى عام 1995، وجائزة البحر المتوسط عام 2000، وجائزة بوسيتون لجمعية الأدباء عام 2005.

وتميزت أعماله بالكلاسيكية حيث ابتعد بأسلوبه في الكتابة عن الموضة واعتمد اسلوبًا بعيدًا عن المجتمع الاستهلاكي المعاصر، وعندما سُئل عن جائزة نوبل قال أنه لن يذهب للبحث عنها ولن يسخر نفسه لها.

وفي سنواته العشر الأخيرة فقد حاسة النطق بسبب إصابته بسرطان في الحنجرة قام على إثرها بإجراء عملية لأستئصال أحباله الصوتية وكان يُجيب على أسئلة الصحفيين بالكتابة، حتى غاب عن عالمنا في 22 يونيو عام 2008 عن عمر يناهز 94 عاما.