رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ننشر الفصل الثاني من رواية آخر رجال الحسين لـ"أحمد صوان"

3-11-2020 | 13:38


تنشر "الهلال اليوم".. الفصل الثاني من رواية.. "آخر رجال الحسين" للكاتب الصحفي أحمد صوان.


"أيام طويلة قضاها عبد الرحمن بالقرب من مشهد المعركة دون أن يُحدث شيئًا، ظلّ على صدمته وهو يقضي وقته جيئة وذهابًا يبحث عن أحد من رفاقه أو واحدًا من رجال يزيد بن معاوية فيقتله شفاءً لبعض الغِل الذي يملأ قلبه، حتى ذاع صيته في المواضع المجاورة ووصل إلى الخليفة الذي استقر على عرشه بدم حفيد الرسول. في النهاية استقر على أن يشد رحاله إلى المدينة ثم إلى مكة ليرى ماذا حلّ بأهلهما بعدما انقضت بيعتهم للإمام الحُسين بمقتله. 

عرج على قرية كان قد مرّ عليها في صحبة سيده، وانتقى أشّد الخيول التي أخذها ممن صرعهم وكان خيلًا أدهم، ثم باع الآخرين، وانتقى واحدة من الإبل حرِصَ على أن تكون من المجاهيم، واشترى ثيابًا سوداء بدورها، ارتداها ولفّ شال سيده المخضب بالدماء حول عمامته ثم انطلق مُغادرًا السوق في طريقه الطويل، لم يكن مُعتادًا أن يسترق السمع إلى أحد، لكنه لمح امرأتين تتحدثان وإحداهما تُشير إليه، فأبطأ في سيره خشية أن تكونا بايعتا خصومه وتستعدان لإلحاق الأذى.

"قيل أنه من القلائل الناجين من كربلاء. لم يسمع أحدهم بعدها صوته إلا قارئًا للقرآن. من قابله سمعه يُقسم أن يأتي برؤوس بني أمية إلى نفس الموضع الذي مزّق رجال يزيد فيه الحسين".

كان يمقت تلك الذكرى، تمنى لو كان أحدهم قد اقتلع عينيه قبل أن يرى جسد الحسين مُمزقًا تتهافت حوله كلاب من وصفوا أنفسهم بأولياء دم ذي النورين. اعتادت عيناه أن تذرف الدموع بلا انقطاع كلما تذّكر صوته الوقور وهو يُناديه باسمه ليستيقظ قبيل الفجر، بينما يرفع واحدًا من إخوته الأذان بصوت رخيم كان يدفعه دومًا للتساؤل حول صوت بلال الذي كان يسحر القلوب حتى توفي رسول الله فامتنع بعدها. المرة الوحيدة التي سمع صوته مؤذنًا كانت عندما صاحب أبيه طفلًا مع أمير المؤمنين عمر إلى بيت المقدس؛ وقتها تمنى لو أنه يملك نصف طلاوة صوت هذا الرجل.

"فقد عقله"، تناهى الصوت إلى مسامعه مرة أخرى فتنبه إلى امرأة أخرى تحمل طفلها وتمر بجواره، أيقن أن الحديث بشأنه عندما أضافت "لكن لا قِبل لأحد به. سمعت زوجي يقول إن ابن زياد اكترى خمسة رجال لقتله حتى لا يعود إلى المدينة، لكنه أجهز على أربعة وأرسل رؤوسهم إليه مع الخامس دون كلمة بعدما قطع لسانه".

"أفعلها وحده؟"، نبهه التساؤل إلى امرأة أخرى تتقصى شأنه بجوارها بينما تُجيب في حماس "بل وقطع لسان الأخير حتى تصل الرسالة كاملة".

لم يأبه للمرأتين وأحال سمعه عنهما وهو يمس الشال الذي لا يتركه بعدما تخضب بدماء سيد شباب أهل الجنة. عاد صوته الرخيم يدور في ذهنه وهو يُلقي وصيته الأخيرة "لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدُي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين".

"يا لصبرك سيدي"، لم تتجاوز همسته حلقه، وهو يتذكر يوم خرج خلف الحسين من مكة بعدما جاءته رسالة أهل الكوفة المُكرهين على خلافة يزيد "إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق"؛ كانت عينا الرجل الذي كان قد جاوز السبعين شتاء لا تزال تلمعان حماسة لتصحيح طريق المسلمين الذين بدا أكثرهم مغلوبًا على أمره. "أأنت معي؟"، سأله الحسين يومها فدمعت عيناه وانحنى يُقبّل كفّيه "أي سيدي وابن سيدي وحفيد أعظم خلق الله. ألا أني تحت رايتك حتى الطريق القويم أو أهلك دون هذا".

"لك الخيار يا عبد الرحمن، إن شئت فاعتزل، وإن شئت كذلك فالحق بجيش يزيد".

"والله لئن هلكت لأكون في استقبالك في الجنة، ولئن نجوت سأظل رجلك الأمين يا عترة رسول الله". لم يكد يتم قوله حتى قبّل الحسين جبينه ورفع يديه إلى السماء داعيًا "اللهم إن عبدك عبد الرحمن يُحبك ويحب رسولك ويشد من عضد حفيده. اللهم اجعل رسولك محمد شفيعًا له يوم نأتي إليك أجمعين"، وعاد ينظر إليه بابتسامة راضية "لئن ساد الحق أعاهدك وخلق الله ألا آتي إلا ما أمر به سبحانه، ولو شاء الله غير ذلك أدعو الله أن نكون رفيقين في الملأ الأعلى". تذكر الموقف فذرفت عيناه الدموع مرة أخرى وهو يتمتم "اللهم كما نصرت عبدك محمد خير الخلق فاستجب دعوة حفيده سيد الشهداء".

كانت دعوة الحسين له حافزًا أشد ما يكون، فكان يطوف على الناس في التجمعات والأسواق يدعوهم لنصرته في مواجهة من استولى على الحكم بالقوة لا بالشورى، فكان يقضي نهاره في النداء وليله في القيام حتى ألح عليه رفاقه أن يُسلّم جسده للنوم قليلًا حتى لا يضعف حينما تأتي المواجهة، لكنه كان متحمسًا وثائرًا، ما كاد يجد الخنوع في الناس حتى يصرخ "بالأمس خذلتم رجلًا قال ربي الله وقاتلتموه حتى نصره ربه فعدتم إليه. الآن تخذلون حفيده الكريم ويسوقكم ولد معاوية كالنعاج. ألا أنكم أشد نفاقًا من قوم موسى الذين ملّوا من الانتظار فتركوه يُحادث ربه بينما عبدوا هم العجل".

"قُدّر لي أن أحيا هذه المأساة منذ ولِدت"، قالها لنفسه وهو يمتطي الأدهم ويجر وراءه المجاهيم ليشق القَفْر من العراق مُستهلًا طريقه الطويل. بدأ في تلاوة القرآن بصوتٍ عالٍ مؤنسًا وحدته، لكن عقله ارتحل إلى الماضي مُستعيدًا نصف قرن من الدماء شهدها منذ كان رضيعًا ضاعت صرخاته وسط نحيب الناس لوفاة الرسول. 

حكى له أبيه عن ذلك اليوم؛ كان ذلك في شهر ربيع الأول وقد أتم عبد الرحمن عامًا إلا بضعة أشهر، وهو الشهر الذي شهد أحداث ثلاثة فارقة في تاريخ المسلمين، وهي مولد النبي وهجرته إلى المدينة ووفاته، وكان النبي نفسه هو من توقع لهم ما سوف يحدث بعد وفاته عندما قال "أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون". كان عبد الرحمن صغيرًا عندما لاحظ أن والده -الذي قبع في خدمة الإمام علي حتى وفاته- يُردد هذا القول كلما حكى لأمه عن الفتن والدماء المسفوكة بالخارج والتي لم يدر أنها ستمتد إليه يومًا؛ كان وقتها فقط يتنقل بين الديار يسمع حكاية اليوم الأخير في حياة أفضل الخلق الذي شُغِف بسيرته.

حفظ حكاية السيدة عائشة عن أول معالم مرضه الأخير بعد رجوعه من دفن أحد أصحابه بالبقيع، يومها قيل أنه متوعك كوعكة رجلين، لكنه تجاهل آلامه وأصر أن يذهب لرحلة حجه الأخيرة "ليتهم فهموا كلمات الوداع"، همس بها عبد الرحمن لنفسه وهو يُسرِع من حركة ركبه الصغير ليعثر على موضع يصلح لقضاء ليلته بعد أن قاربت الشمس على المغيب. كان قد حفظ عن أبيه الوصايا الأخيرة التي حضرها مائة وأربعة وأربعون ألفًا من الناس في مشهد عظيم، وكان قبلها بثلاثٍ وعشرين سنة فردًا وحيدًا يعرض الإسلام على الناس فيردونه، ويدعوهم فيكذبونه "فلا ترجعن بعدى كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"، قالها لكنهم نسوا قوله، لكن عمر -رضي الله عنه- بدا وكأنه يعرف ما سيحدث عندما نزلت آخر آيات الوحي "ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً"، وقتها قال: "ليس بعد الكمال إلا النقصان".

وتحققت ظنون عمر، فما أن أمر رسول الله بتجهيز جيشًا لمواجهة الروم ووضع على رأسه أسامة بن زيد حتى اشتد عليه الوجع واستأذن من نسائه أن يمرض في منزل عائشه وكان ملاصقًا للمسجد، بعدها لم يره الناس إلا مرة  شعر فيها بتحسن، فخرج إلى المسجد فجلس مع الناس وحذرهم من النار ومن ثم رجع إلى بيته واضطجع في حجر عائشة، وطلب ركوة من الماء وأخذ يسمح وجهه وأخذ سواكًا فأستاك به. روى له أبيه عن أم المؤمنين أنها شعرت به قد ثقل، فنظرت إلى عينيه فإذا بصره قد شخص وهو يقول "بل الرفيق الأعلى في الجنة"، ثم فاضت روحه الطاهرة.

كان عمر من شدة حبه قد هاج رافضًا الخبر، خرج شاهرًا سيفه صارخًا "والله ما مات، ولكنّه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران"؛ لكن أبو بكر، رفيق الرحلة وأكثرهم تعقلًا، وقف يُذّكر الرافضين "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا"؛ هكذا دخلت الدولة الوليدة أول منعطفاتها الخطرة.

"رحمة الله عليك يا سيدي رسول الله"، تمتم بها وقرأ له الفاتحة وهو يُنزل أغراضه مع غياب الشمس استعدادًا للمبيت، سقى ركائبه وأمّن لها راحتها، ثم أخرج لقيمات تناولها على عجل وعاد يتمدد بجوار ناقته، نظر إلى النجوم اللامعة التي أضاءت السماء شديدة السواد، بدا له بينها وجوههم جميعًا، رسول الله وصحابته، شعر وكأنهم ينظرون إليه لائمين كونه بقى حيًا بعد مقتل سيده، ترقرقت عيناه بالدموع ثم احتضن شال سيده ثانية وانفجر بالبكاء "ما كان لي أن ابتعد عنه، كان يجب أن أهلك أولًا".

كان في واقع الأمر يميل إلى رأي الكثير من الصحابة الذين حذروا الحسين من الذهاب إلى العراق، منهم ابن عباس الذي قال له "فإن كنت ولا بد سائرًا فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه"، وأما ابن عمر الذي لحقهم على مسيرة بضع ليالِ من المدينة فأصر بدوره على ألا يذهب، قال له "إنك بَضعة من رسول الله، والله لا يليها أحد منكم وما صرفها الله عنكم -أي الدنيا- إلا للذي هو خير لكم"؛ لكن الحسين كان مُصممًا بدرجة لم يعهدها أحدهم وأبى أن يرجع، فاعتنقه ابن عمر وبكى "استودعك الله من قتيل"؛ وما أن غادرهم حتى لمحه الحسين قريبًا وعلى وجهه القلق "ادنو مني يا عبد الرحمن"، اقترب منه بخطوات بطيئة فمسح على رأسه "ماذا هناك؟".

"سامحني على ما بدر مني وما سأقول".

"أعلم أنك قلق مثلهم وقد خيّرتك من قبل".

"والله لا أتركك أبدًا يا سيدي".

"إذن ماذا غير ذلك؟".

"تسري الهمهمات في العراق بأن الأمر لا يعدو صراعًا على خلافة جدك صلى الله عليه وسلم، أو ثأرًا لسيدي الإمام أمير المؤمنين كرّم الله وجهه"؛ ابتسم الحسين وجلس وأشار إليه بالجلوس "أتراني طامعًا؟". رفع يديه نافيًا "حاشا لله، أعلم أنك غير ذي بالِ للدنيا".

"وهنا بيت القصيد، جل ما أريده هو أن تظل الكلمة لكم لا عليكم، أن تسود الشوري لا الفُرقة. اليوم يأخذ ابن مُعاوية المُلك بالسيف، إذا ما بقى الأمر هكذا ستصير سنة لكل من يحكم المسلمين، بينما الأمر الإلهي أن يكون الحُكم بالشورى".

"وماذا لو لم يأتي أحد؟".

"من الكرامة أن نهلك دفاعًا عما نراه الحق على أن نحيا في كنف الباطل. رفض جدي صلى الله عليه وسلم أن يكون سيد قريش وأغنى رجالها باطلًا. قذفته الطائف بالحجارة لكنه أبى أن يدُّكهم ملك الجبال عسى أن يخرج منهم نفرًا صالحًا، فمن أنا حتى أحيد عن طريق سيد الخلق بينما أنتظر لقاؤه وخالقي كل صباح".

هكذا لم يُثنه أحد عن عزمه إنهاء ما يحدث، لم يرتعب عندما عرف ماذا فعل عبيد الله بن زياد وعرف تَخَلّي أهل العراق عنه. ولم يجد أحدًا منهم. عاد ذهنه يسترجع لحظاته المؤلمة، عندما أطبق عليهم ابن زياد في كربلاء بكتيبة فيها أربعة آلاف يتقدمهم عمرو بن سعد، يومها أحصى عدد الرجال فوجدهم لا يتجاوزون الثمانين. هاله أن هؤلاء فقط هم من يدافعون عن حق المسلمين في اختيار حاكمهم، في مواجهة أربعة آلاف رجل لا يدركون أن ما سيفعلونه بالحسين ورجاله ستدفع الخلافة إلى طريق يفترشه الدم لمئات السنين.

تعالى صهيل فرسه فأحكم لجامه والتفت إلى وجه الحسين الهادئ" ماذا ترى يا أبا عبدالله؟"، التفت إليه وابتسم "قلت لك.. لعلي أدرك رسول الله وآله قريبًا".

"وماذا لو حدثت المعجزة؟"، سأله فابتسم "ليس فينا رسول الله. أنظر حولك يا عبد الرحمن، بغير هؤلاء اعتاد المسلمون الباطل حتى صار الحق هامشيًا، نسوا الله فأنساهم أنفسهم. ما أسرع النسيان مرضًا يتلف القلوب في خلق مصيره أن يكون نسيًا منسيًا".

"ابن سعد يقترب"، صاح بها واحدًا من المرابطين معهم يُقال له السامري، كان قد أسلم وأبويه في عهد الصديق وصار مُلازمًا لكبار الصحابة وواحدًا من أدلة جيوش عمر في العراق واشتهر بدقة تصويبه، كاد يُشهر سيفه مع رؤيته لقائد كتيبة ابن زياد وقد صار قريبًا مع ثلة من رجاله، إلا أن الحسين منعه "ولكن ابق يقظًا"، أومأ برأسه وتحرك إلى جواره، أشار إلى السامري أن يقترب بفرسه فجاء وهمس "ألا أقطع رؤسهم أو أنزع صدورهم بقوسي قبل أن يقتربوا"، هزّ رأسه نافيًا "أمرني الإمام باليقظة لا أن نبدأ الحرب، فابق مستعدًا".

مع اقترابه من الحسين أحنى ابن سعد رأسه "السلام عليك يا حفيد رسول الله"؛ ابتسم الأخير كعادته ورد بهدوء "كيف هذا يا ابن سعد وقد جئت تنشد دمي كما فعلتم بأبي وأخي؟".

"ما جئت الآن إلا لأرى فعلًا غير هذا".

"وكيف؟".

"لا أمل لك ولا طاقة لي برؤيتك تُقتل على أيدي رجالي، لِمَ لا تُبايع يزيد كما بايع أخيك مُعاوية".

"فعلها أخي مع قاتل أبينا حقنًا لدماء المسلمين بعدما نذر حقه للآخرة، لكنكم نقضتم العهد كما فعل يهود المدينة في عهد الرسول. لم نتفق على توريث الخلافة من معاوية لابنه؛ إنما هلك من فعلوها قبلنا، وإنما أمرنا الله ورسوله بأن تكون بيعتنا بالشورى لا بحد السيف".

"أنظر حولك يا حسين. إنك وأصحابك لهالكون لا محالة إن لم نتفق".

"لا بيعة ليزيد، إما أن تدعنا نعود من حيث جئنا حقنًا للدماء، أو نذهب لثغر من الثغور فنُقاتل فيه حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا، وإما أن تتركوني أذهب إلى يزيد فينظر كلانا في شأن الآخر".

"هو ليس أمري، لكنى سأرسل إلى ابن زياد فينظر في طلبك".

"ونحن هاهنا مُرابطون".

عاد ابن سعد إلى جيشه وسنابك خيله تُثير الغبار بينما التفت الحسين إلى عبد الرحمن "فليعد الرجال إلى خيامهم ولتتولى المراقبة مع السامري"، أحنى رأسه في طاعة وأشار إلى السامري بينما بدأ الرجال في التحرك خلف الحسين، اقترب منه السامري ثانية "أتظنهم يفلحون؟".

"ربما"، قالها وتنهد "وربما لا، كيفما تكونوا يولَّى عليكم، يبدو أننا نستحق بني أمية". اتسعت نظرة الدهشة في وجه السامري لكنه تجاهلها وتابع "لا يغرنك الصالحين من حولك، بلاد المسلمين الآن يغمرها من طابت له الدنيا، وهم في موضع القوة".

"أترانا نؤخذ بذنبهم ونحن لا حول ولا قوة لنا؟".

"هلكت القرية الفاسدة حينما صمت الصالح الوحيد فيها، فبدأت به ملائكة العذاب لصمته. لذا نحن هنا، نشهر سيوفنا مع الحق حتى لا نهلك في الدنيا والآخرة بلا طائل.. بلا مقاومة".