فنلندا.. بلد الساونا والألف بحيرة
فنلندا.. ليست من البلدان
التي نعرف عنها الكثير، ربما لأنها من الدول الأوربية التي تقع في أقصي الشمال، فتجاورها
روسيا من الشرق، والسويد من الغرب، لذلك فهي من البلدان ذات الطبيعة الخاصة في كل شيء.. وعلي الرغم
من أن زيارتي لها كانت في عز أيام الصيف، إلا أن اليوم في فنلندا كان يمثلّ الفصول
الأربعة، فتبدو الشمس مشرقة دافئة، ثم ينهمر المطر فجأة وبعدها تشتد البرودة ثم تشرق
الشمس ثانيةً وهكذا..
لكن الفنلنديين
تعودوا علي هذا الجو المتقلب، وتأقلموا عليه.. وهم محظوظون في الصيف لأنهم محاطون بطبيعة رائعة،
وخضرة يانعة، وبحيرات عذبة، وغابات خضراء تكسو الوديان والمرتفعات.
أما في الشتاء،
فالجو قارس، وقد تصل درجة الحرارة إلي 30 درجة تحت الصفر، فتتجمد البحيرات وتغطي الثلوج
كل هذا الاخضرار..
أهم طقس وعادة
يمارسها الفنلنديون علي مختلف مستوياتهم الاجتماعية هو "الساونا".. ففي كل بيت لابد من وجود حجرة للساونا، وإن لم
يكن، فهناك أماكن عامة للساونا مثل الحمامات العامة عندنا.
وللساونا
أهمية قصوي عند الشعب الفنلندي، وهم يمارسون هذا الطقس مقاومةً للبرودة الشديدة، والساونا
عادة قديمة - كما شرح لي الفنلنديون أنفسهم - عادة لها
علاقة بالميلاد والموت.
ففي كثير
من الأحيانا، تلد السيدات في حجرة الساونا، وعندما الوفاة، يغسَّل الجسم في الساونا
أيضاً.. فالساونا عند الفنلنديين هي أول الحياة وآخرها
- ولكنها أيضاً
طقس مهم، نظراً لأنها تنشط الجسم، وتدفئه، وذلك بالتعرض للحرارة في حجرة الساونا لمدة
معينة، ثم الاستحمام في البحيرة الباردة، فيؤدي ذلك إلي تنشيط الدورة الدموية - لمن يتحمل
ذلك بالطبع - والفنلنديون يركبون الدراجات، وعلي الجانب الأيمن
من جميع الطرق الممهدة للسيارات، لابد من وجود طريق مخصص للدراجات سواء داخل المدن
أو علي الطرق السريعة.. والجميل، أن ركوب الدراجة لا يقتصر علي الأطفال
أو الشباب فحسب، ولكن أيضاً كبار السن ينتقلون بالدراجة، ويجيدون قيادتها، فللدراجات
عند الفنلنديين أهمية قصوي، فهي تحل أزمة الاستخدام المفرط للسيارات للحفاظ علي البيئة،
وأيضاً تمارس كنوع من أنواع الرياضة المنشطة للجسم، وخاصة في الجو شديد البرودة.
وهي أهم الظواهر
التي تميز فنلندا، هو الاهتمام غير العادي وغير التقليدي بالمعاقين.. والحقيقة،
أنهم لا يُعتبرون كذلك لأنهم يعامَلون كأشخاص عاديين لهم كل الحق في الحياة وفي المشاركة
الإيجابية، وهذا ما لمسته من خلال مشاركتي في فعاليات مهرجان مدينة تمبرا التي تقع
علي بعد حوالي 200 كم من هلسنكي
العاصمة.. وقد كان الهدف من إقامة هذا المهرجان كما حرصت
السيدة "كيرسي موستالاتي" رئيسة المهرجان،
ورئيسة الهيئة الدولية للثقافة والفنون الدمجية، هو دمج متحدي الإعاقة مع الأشخاص العاديين
في الأعمال الفنية المختلفة، والتعرض للثقافات المختلفة للبلاد المشاركة.
وقد شاركت
عدة دول في هذا المهرجان بعروض فنية متميزة.. فقدمت كوريا الجنوبية عرضاً مبهراً للباليه، كان
نصف أبطاله من متحدي الإعاقة، والنصف الآخر من الأسوياء وكلهم من الراقصين المحترفين.. فكان عرضاً
مبهراً، وجذاباً، وعلي درجة عالية من الاحتراف.
كما قدمت
فنلندا أكثر من عرض فني، منها عرض راقص شارك فيه راقصون من مختلف الأعمار، ومعظمهم
يعانون من إعاقات مختلفة، لكنهم أدوا رقصة جميلة وبسيطة، حازت إعجاب الجمهور من الصغار
والكبار..
أما مصر فقد
شاركت بعرض درامي للتنورة المصرية، أحدث ضجة من الإعجاب والتصفيق بين جمهور المهرجان.. العرض كان
بعنوان "ألوان السماء"، أداء حسين
ومحرز، ومن إخراج الفنان محمد كريم رئيس مركز مصر للهيئة الدولية للثقافة والفنون الدمجية.
كما شاركت
الملحنة المصرية "أمل سعد " بفاصل
من العزف الشرقي البديع علي آلة العود،
وقد كان لمصر
حضور قوي في خيمة من خيم المهرجان، حيث تم عرض لوحات فنية من الفولكلور الشعبي المصري
للفنان "إبراهيم البريدي"، كما تم
عرض لوحات فنية لأطفال ورشة سمير لضعاف السمع، وبعض من أعداد سمير التي نشرنا فيه ملحق
تواصل الذي كان يُعني بالأطفال من ضعاف السمع.
وقد نالت
اللوحات والأعداد استحسان كل من زار الخيمة المصرية من رواد المهرجان، باعتبارها تجربة
فريدة في صحافة الأطفال المصرية..
كما أشاد
بتجربة مجلة "سمير" السفير مدحت
المليجي مساعد وزير الخارجية ورئيس الوفد المصري، والمستشارة داليا غبريال بسفارتنا
بهلسنكي، وقضت وقتاً طويلاً معنا في الجناح المصري مشيدة بالأعمال الفنية المقدمة فيه.
أما أول انطباع
عن العاصمة هلسنكي، فقد شبهتها فوراً بمدينة الإسكندرية الجميلة منذ خمسين عاماً، وخاصة
أن الجو كان مشمساً يوم زيارتي لها.
وفي منطقة
وسط المدينة، توجد محطة القطار العريقة والمتاحف ذات المهارات المميزة، والمتاجر الصغيرة
التي تشبه متاجر الإسكندرية القديمة التي يسير أمامها الترام.. وسوق السمك الذي يقع علي خليج فنلندا، يشبه تماماً
سوق "أبو قير" حيث يتم صيد السمك
وقليه وشيّه علي البحر مباشرة في حوانيت صغيرة وبسيطة مفتوحة للفنلنديين والسياح علي
حد سواء..
أجمل ما في
أهل فنلندا أنهم يحافظون علي تراثهم، وعاداتهم، وحضارتهم ويتمسكون بها، وفي نفس الوقت
لا ينفصلون عن التطور الذي يحدث في العالم بدليل وجود عدد من المولات التجارية، لكنها
لا تطغي أبداً علي الطابع الأصيل المميز لفنلندا الساحرة.
نقلا عن مجلة المصور