رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


د. عمرو عزت سلامة.. يدق ناقوس الخطر: زواج الأقارب الأكاديمى يُهدد مسيرة التعليم والبحث العلمى

26-4-2017 | 13:24


حوار: إيمان رسلان

الحديث مع د. عمرو عزت سلامة مختلف، لأننا لم نتحدث عن الشأن الهندسى فقط، بل تحدثنا فى الشأن التعليمى والبحثى والأكاديمى وواقعه ومستقبله فى مصر، لأنه يحمل صفات أو خبرات كثيرة منها أنه أستاذ للهندسة المدنية، وخريج هندسة القاهرة دفعة ١٩٧٣ وكان عضو اتحاد طلاب الكلية فى عنفوان المد الطلابى والحركة الطلابية فى السبعينيات، إلى جانب توليه مسئولة رئاسة جامعة حلوان، ثم اختياره لتولى وزارة التعليم العالى مرتين إحداهما بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وكذلك لأنه ممثل مصر فى الجامعة الأمريكية. د.عمرو إلى جانب كل هذا يمتلك رؤية اجتماعية وعلمية للإصلاح كان عنوانه أن غلق الأبواب فى التخصصات العلمية وفى الجامعات على نفسها مثله مثل زواج الأقارب سوف ينتج أمراضا وراثية قد يصعب الشفاء منها مستقبلا.. فإلى نص الحوار:

قبل سنوات كان اسم الجمعية الهندسية المصرية له شأن كبير ثم اختفى دورها.. لماذا؟

د. عمرو عزت سلامة: بالفعل هذا التشخيص صحيح فالجمعية الهندسية المصرية التى تأسست قبل١٠٠ عام بالضبط، كانت لزيادة التأهيل العلمى للمهندسين المصريين، باعتبار أن علم الهندسة هو المرادف الدائم للحضارة المصرية منذ أيام الفراعنة، ومرورًا بكل العصور التاريخية وحتى الإحياء الأخير لها فى عصر محمد علي، وليست مصادفة أن يتزامن إحياء علم الهندسة على أحدث الأسس والنظريات العلمية أيام محمد على مع تأسيس الجمعية الهندسية المصرية، التى كانت تمثل الذراع الأكاديمية والعلمية للمشروعات الكبرى وقت تأسيسها، بمعنى أن المشروعات الكبرى كانت فى الماضى ترسل للجمعية لدراستها علميا وأكاديميا فمثلا مشروعات خزان أسوان وغيرها الجمعية ساهمت فيها والخرائط والتصميمات موجودة بها حتى الآن.

أى أن الجمعية هى الذراع العلمية للهندسة فى مصر تمامًا مثلما تكون نقابة المهندسين هى الذراع فى الاهتمام بشئون المهندسين أنفسهم، وذراع الدولة فى الاهتمام بالمشروعات الهندسية، ومن هنا كان التشكيل الجديد للجمعية، الذى صدر بقرار جمهورى من أجل إعادة الدور العلمى لها.

لكن الجامعة أو كليات الهندسة لها شأن آخر ووظيفة أخرى.. حدثنا عن هذا الدور؟

- د. عمرو عزت سلامة: دور كلية الهندسة مثلما هو فى العالم كله تعليمي، أى يهتم بتعليم وتأهيل الطلاب، والدور الثانى للجامعة هو الدور البحثى أى الذى يهتم ويبحث فى المشكلات الهندسية ويوجد الحلول العلمية لها، فمثلا كيف نستفيد من الشمس خاصة فى ذلك الشأن منذ سنوات طويلة وأتاح ذلك من خلال شبكة المجلس الأعلى للجامعات لمساعدة الباحثين المصريين.

أنت الآن ممثل مصر فى الجامعة الأمريكية وهى تجربة مختلفة بالتأكيد عن الجامعات الحكومية.. فما الفارق؟

د. عمرو عزت سلامة: هذا هو التطور الثانى الذى سوف أتحدث عنه لتطوير منظومة التعليم الجامعى فى مصر، فالآن لم يصبح الأمر قاصر كما كان فى الماضى على الجامعات الحكومية فقط، وإنما فى الطريق الآن وجود دور ليس للجامعات الخاصة فقط، وإنما للجامعات الدولية أيضا أى أن مصر ستفتح الباب للجامعات الكبرى الدولية، لكن لدينا عائق بالفعل وعلينا الاعتراف به هو القدرة المالية للطلاب المصريين للالتحاق بهذه الجامعات الدولية إذا فتحت فروع لها فى مصر.

هل تقصد هنا تجربة السوربون فى الإمارات؟

د.عمرو عزت سلامة: نعم وغيرها من الأسماء، فنحن لكى نجذب الجامعات العالمية مثل هارفارد وكمبرديج والسوربون، لا بد أن نوفر لهم كبيئة عمل داخل مصر، وتلك أعتقد أنها قضية يجب أن نناقشها بجدية إذا كنا ننوى جذب هذه الأسماء العالمية، فالسؤال هل ستوفر لهم البيئة التى تساعد على عملها سواء من حيث التكلفة المادية أو قيود القوانين وغيرها.

يضاف إلى ذلك أنه هناك معيار عالمى يطبق الآن فى الجامعات فى الخارج، إلا وهو مبدأ الشفافية ويقصد به أن إدارة الجامعات فى الخارج، وكذلك أعضاء هيئات التدريس لا تعمل منغلقة داخل «المدرج أو الفصل الدراسي» ولا أحد يعرف شيئا عما يدور فيه أو ما يطلق عليه الطاقة الشمسية فى توليد الكهرباء، هذه القضية العلمية تبحثها كلية الهندسة وكذلك مشكلات الطاقة والمياه وإنشاء المدن الجديدة، كل هذه قضايا بحثية تساهم فيها الجامعات.

حصلت على الدكتوراه من الخارج والآن تعمل فى منصب فى جامعة أجنبية كيف ترى الفارق أو هل يمكن أن تكون هناك مقارنة بين الأمرين؟

د. عمرو عزت سلامة: أولا.. لابد وأن نستوعب أن أيام دراستنا فى الخارج منتصف السبعينيات وحتى العودة إلى مصر فى الثمانينيات تختلف تماما عن الأوضاع العلمية والبحثية الآن، لأنه فى ذلك الوقت كانت المعرفة من خلال الأستاذ والنشر العلمى والسفر للخارج للاطلاع عليها وغيره، لكن العالم تغير الآن أو فى العقود الأخيرة تغير سريع جد، وتحديدا التغيير الذى يكاد يكون يوميا فى مجال التكنولوجيا ونظم المعلومات، فهذا التطور أحدث نقلة كبيرة فى الاطلاع وتطوير التعليم والبحث العلمي، ويمكن أن تقول أن أحدث تغيرات شديدة التأثير فى مجال التعليم تحديدا، فمصادر المعرفة أصبحت متاحة عالميا للجميع وعلى أيامنا كانت فقط تتم من خلال الكتب والمراجع المتوفرة ومحاضرات الأستاذ، أما الآن الطالب يستطيع الحصول على هذا وأكثر منه من كل دول العالم، وبالتالى فتوفر المعرفة للطلاب أصبح أسهل وأيسر، وهنا تقولون نموذج بنك المعرفة المصرى إذا أحسن استثماره يمكن أن يمثل مساهمة جادة فى زيادة تأهيل الطلاب، بل وعضو هيئة التدريس أيضًا.

لكن كانت هناك مشروعات مماثلة لبنك المعرفة من المجلس الأعلى للجامعات أى أنه ليس اختراعًا أو فكرة جديدة.. تعقيبك؟

د. عمرو عزت سلامة: نعم المجلس الأعلى للجامعات كان صاحب مبادرة، الآن الأمر عالميا تغيير تمام وهناك محاسبة للإدارة ولأعضاء هيئات التدريس حتى من جانب الطلاب، يضاف إلى ذلك أن العولمة أصبحت واقعا والطالب الآن حتى فى ظل وجود مكتب التنسيق يعرف مستوى الكلية التى تم قبوله بها من حيث تصنيفها العالمى وهل هى معتمدة دوليا أم لا؟.. وهل هذا البرنامج جيد أو متوسط؟.. فالطالب الآن أصبح قبل أن يلتحق بالجامعة يعرف كل المعلومات عن التخصص، الذى سيلتحق به، وأعتقد أن هذا أصبح تحدى حقيقى أمام الجامعات المصرية وهل تستطيع أن تنافس عالميا، أم لا، لأن طالب اليوم تغير تمامًا عن طالب الأمس، فالطالب اليوم لا يعتمد على السمع والطاعة فقط فى المحاضرة وإنما لديه أيضا مصادر معرفة متاحة له، وبالتالى يستطيع أن يسأل ويدخل فى نقاش مع أستاذه وهذا يمثل تحديا علميا جديدا.

من وجهة نظرك.. هل جامعاتنا تستطيع مواكبة العلم فى الخارج.. ولنأخذ كلية الهندسة مثالا؟

د. عمرو عزت سلامة: بوضوح أقول إننا للأسف منذ فترة طويلة توقفنا عن تداول المدارس العلمية، بمعنى أن كل جامعة تضع بنفسها ولنفسها قواعدها للعمل والبحث العلمى وغيره، ولم نفتح الباب حتى داخل جامعات مصر أمام الأساتذة من نفس التخصص للتقديم بالكليات وأغلقنا الباب على نفسنا.

فى هذه النقطة.. هل نستطيع القول أن زواج الأقارب الأكاديمى يهدد مسيرة الجامعات المصرية؟

د. عمرو عزت سلامة: هذا تعبير دقيق للغاية لأنه بالفعل ما يحدث الآن فى الجامعات وحتى نقربه للقارئ هو مثل “زواج الأقارب” بمعنى أن القسم العلمى ينتج من القسم العلمى نفسه من داخله، وأن التعيينات لأعضاء هيئات التدريس تتم داخليًا وغير مفتوح، وهذا بالتأكيد مثل زواج الأقارب تنتج عنه أمراض جسيمة، مثل عدم وجود الجديد فى المدارس العلمية والبحث العلمى وأننا نجتر العلم نفسه.

وكيف يمكن إيجاد حل لهذه الأزمة؟

د.عمر عزت سلامة: لا حل لتطوير تخصصاتنا العلمية وفى الجامعة، إلا بفتح باب الإعلان عن الوظيفة فى القسم العلمى والكلية، وهذا المبدأ أصبح مبدأ عالميًا الآن فى كل الجامعات، فمثلا جامعة مانشستر فى إنجلترا حينما قررت أن تندمج مع جامعة أخرى أعلنت عن وظيفة رئيس للجامعة، والجامعة الأمريكية هنا فى مصر تعلن عن احتياجاتها لوظيفة رئيس جامعة وتضع الشروط والمواصفات وهكذا فى أغلب الجامعات فى العالم.

كما أن التطوير يعنى التزاوج مع المدارس العلمية فى مختلف الجامعات، وإنما أن نقصر الأمر علينا فقط مثل زواج الأقارب فهذا آثاره على التعليم خطيرة للغاية، ولكن الأخطر منه تأثيره على مستقبل البحث العلمى نفسه، لأنه لن ينتج جديدًا، بمعنى أنه يمكن على المدى الطويل أن استنتاج النموذج “هو هو” يؤدى إلى تدمير البحث العلمى نفسه، وهذا الرأى أعرف أنه سيغضب الكثيرين فى الجامعات المصرية، ولكن من واقع خبرتى وتجربتى أقوله لأدق ناقوس الخطر حول مستقبل التعليم والبحث العلمى فى مصر.

وهذا ليس معناه أننى أقلل من قدر أو علم أساتذة الجامعة الآن، فلهم كل التقدير، ولكن لأن واقع العالم الآن من حيث التطور العلمى الكبير والمنافسة يحتم علينا أن ننظر بعين ناقدة إلى أحوالنا، وننتبه إلى الأخطار الكبيرة، التى يمكن أن تنتج عن هذا المسار.

بما أننا نتحدث عن الأخطار كيف ترى تأثير هذا الانقسام أو ما يقال حول الأقسام بمصروفات حول مستقبل التعليم الجامعي؟

د. عمرو عزت سلامة: أولًا..نحن مكثنا سنوات طويلة بدون فتح أى جامعات جديدة فى مصر، ما أدى إلى التكدس الشديد فى أعداد الطلاب فى الجامعات الحكومية، لكن مع بداية الألفية الحالية حدثت انفراجة إلى حد ما، وتم افتتاح جامعات جديدة، مع أنه عالميا المفترض أن تكون هناك جامعة لكل مليون نسمة، لكن مع ضعف إمكانيات الدولة لم يتم افتتاح جامعات جديدة وحتى الجامعات الخاصة لا تستوعب إلا أعدادا محدودة جدا.

واقترحت عام ٢٠٠٤ حينما توليت فى المرة الأولى مسئولية وزارة التعليم العالي، أن نفتتح تخصصات جديدة وجامعات مستقلة لذلك وأن يكون مثلا هناك جامعة أهلية، لكن الفكرة كما وضعتها لم تطبق فى إطارها الصحيح وتحول الأمر إلى برامج متميزة داخل نفس التخصص، ولكن بمصروفات، وتلك قضية ثانية مختلفة عما اقترحته فى السابق، وهذا بالتأكيد سوف يؤثر على مسار التعليم فى مصر لأننا خلقنا داخل المؤسسة الواحدة كيانا بمصروفات وكيانا آخر بغير بمصروفات مع أن الجميع أتوا من منبع واحد.

تقصد أن الجميع جاء من خلال مكتب التنسيق.. ولكن هذا بأمواله يلتحق بتجارة إنجليزى وآخر تجارة عربي؟

د. عمرو عزت سلامة: لا ليس تجارة فقط، فهذه البرامج كانت موجودة قبل الألفية الحالية، لكن ما أتحدث عنه يسمى البرامج المتميزة، وهى بالفعل جيدة ومتطورة ولكن هى للبعض دون الآخر.

هل ما زال التعليم الهندسى فى مصر بمستواه القديم؟

د. عمرو عزت سلامة: أعتقد أنه تحديدا التعليم الهندسى فى مصر، وفى كلية الهندسة جامعة القاهرة، التى تخرجت فيها عام ١٩٧٣ على مستوى جيد للغاية بل ومتميز، لأن هذه الكلية العريقة تحافظ على قوامها وتقاليدها العلمية والبحثية فساعدت أن يكون الخريج وبالذات خريج هندسة القاهرة لا يزال متميزًا فى الداخل والخارج، وهذا ليس كلاما مرسلا وإنما من واقع الأرقام أيضا

تخرجت عام ١٩٧٣ وكانت الجامعة تعج بالنشاط الطلابى بل والسياسى كذلك.. كيف ترى مشاركة الطلاب؟

د. عمرو عزت سلامة: بالفعل تخرجت عام ١٩٧٣ وكنت أشارك فى الأنشطة بالجامعة وأخوض انتخابات الطلاب، وكنت أمين اللجنة الثقافية بالاتحاد فى عنفوان المد أو الحركة الطلابية فى السبعينيات، فنحن لنا رأى وكان يجب أن نعبر عنه، كما أننا لم ننفصل كطلاب عن أحداث الوطن، وهذه التجربة فى حياتى ساعدنى كثيرًا بعد ذلك حينما توليت مسئولية رئاسة جامعة حلوان ثم وزارة للتعليم العالي، فالنشاط والحوار مع الطلاب قضية هامة جدًا وللحقيقة أسهمت أيضا تربيتى داخل أسرة تنتمى بشكل ما إلى العمل العام إلى الاهتمام بالعمل العام.

تقصد والدك د. عزت سلامة الذى كان وزيرًا أيضا؟

د. عمرو عزت سلامة: بالفعل.. كان تأثير الوالد والأسرة كبيرًا فى التكوين رغم أن والدى مات مبكرًا جدًا وعمره ٥١ عامًا إلا أننى كنت أسمع منه مثلا، وكان أستاذًا بالهندسة، كيف كان تعليمهم فى ذلك الوقت فى الأربعينيات، وأهمية الاحتكاك بالمدارس العلمية ووجود الأساتذة الأجانب بكلية الهندسة، وكيف كان الاحتكاك بهم ومستوى تأهيل الطالب المصرى عندما سافر بعد الحرب العالمية الثانية إلى الخارج للحصول على الدكتوراه، كما كانت المعايير العالمية تنطبق على طلابنا، لأن الاحتكاك كان موجودًا مع الخارج، وهو ما أتمنى أن يعود إلى جامعتنا.