رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


إبراهيم مضواح يقف على "جبل حالية"

3-11-2020 | 21:20


إبراهيم مضواح كاتب سعودي شاب يعتمد مشروعه للكتابة على جناحين أساسيين – أولهما كتابة المقالات والدراسات حول الشعر غالبا وصدر له :

-         من طيبات أبي الطيب (مختارات من روائع المتنبي ) 1997- روائع الطنطاوي (روائع من أدبه وفوائد من كتبه ) 2000- الفوائد الطنطاوية (فوائد لغوية ) 2001- الطنطاوي بعيون مختلفة (دراسة ) 2004- عندما كان الكبار تلامذة 2005-المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر عبد الله الزمزمي (جمع وتعليق ) 2009- أشتات مقالات في الأدب والفكر والحياة 2011 – واسأل القرية ، مقالات عن الطفولة والأسرة والقرية 2011.

-         ثانيهما مشروعه السردي القائم على خمس مجموعات قصصية وروايتين :

-         قطب الأشواك (مجموعة قصصية ) 2001.

-         على رصيف الحياة (مجموعة قصصية ) 2003.

-         التابوت (قصص قصيرة ) 2008.

-         أوشال حزينة (قصص قصيرة ) 2008.

-         حديث الرخام (قصص قصيرة ) 2008.

-         جبل حالية (رواية ) 2009 جائزة الشارقة للإبداع العربي 2009.

-         عتق (رواية ) 2012، جائزة نادي حائل الأدبي للرواية 2013.

******

ماذا يحدث عندما يجد الإنسان نفسه في قبره يتذكر حياته في الدنيا ويراجعها مستعيدا كل التفاصيل الدالة على أصحابها وعلى العالم في لحظة تاريخية محددة المعالم ؟

في روايته الأولى يرصد الروائي  إبراهيم مضواح الألمعي الحياة في قرية سورجة بوصفها نموذجه لرؤية العالم ، تلك القرية الصغيرة النائمة في حضن الجبل مرتحلا عكس تجربة الإنسان في حياته، فالراوي لا يبدأ من نقطة الميلاد إلى الموت وإنما تبدأ الرواية بعد دفن عمر السورجي (البطل المنتمي إلى قريته سورجة).

هكذا تبدأ رحلة عمر  من عالمه الآخر محللا حياته وهو ينعم بهدوء افتقده كثيرا على الأرض ولم يجده إلا في باطنها ، لذا تأتي البداية كاشفة عن وضعه الأخير :

"تمر به لحظات سكون لم يتذوقها من قبل، برودة التراب تلامس خده. يفتح عينيه، يحدق في الفضاء الذي يفصل وجهه عن الجدار الترابي أمامه، يتمنى لو يستطيع أن يمد يده فيلمسه، لم يحاول فهي لا تستجيب لرغباته، عيناه فقط تستجيبان، غير أنهما لا تجديان شيئا في هذا الظلام الدامس " (جبل حالية ص 5).

ينسج الراوي روايته في تسع وأربعين مشهدا يتحرك فيها بين مكانين أساسيين : قرية السورجة بوصفها بؤرة الأحداث ومنطلقها ، و بوصفها الظهير السردي للقرية ، وبوصفها العالم الآخر المقابل للمدينة التي ينتقل إليها عمر شأنه شأن أبناء القرية للتعليم وبين المكانين تدور الأحداث كاشفة عن واقع عربي شديد الوضوح طارحة عالما يعتمد – سرديا – على عدد من الأشخاص : عمر السورجي – المطوع - نافع بن المطوع – جمال وشقيقه سعيد  - آسية بنت المطوع – مشعان الساحر – سالم المهدي – غرامة الخلف – الجدة فضة .

عند حد الاكتشاف يضعنا السارد بحيث يكون لكل اكتشاف ينجزه مردوده على المتلقي المتابع هذه الاكتشافات والمشارك فيها فعمر يخرج منن قبره ليكتشف عالما عاشه ولم تكن لديه الفرصة لفهمه ، وفي حياته يكتشف نفسه والآخرين ويخرج من قريته إلى المدينة لاكتشاف الوجه الآخر للحياة :

" اكتشف عمر السورجي قبل مغادرته بوقت وجيز أنه كان يقف في طابور دائري ، يقف أوله عند منتهاه ، وبقي يدور فيه سنواته الخمسين ، لن يقف في طابور مجددا ، سيبقى مسترخيا هكذا ، ولكنه يخشى أن يستولي عليه الملل ، يتمنى لو أن وسادته الرمادية تحت رأسه ، كم يحن إليها ، بل يحتاجها أكثر من أي وقت مضى " (جبل حالية ص 12)

وتعد الوسادة الرمادية عنصرا سرديا متكررا (قرابة عشر مرات ) يمثل شخصية افتراضية توازي الشخصيات الحقيقية التي تعامل معها عمر السورجي في حياته ، والوسادة تتضمن خصائص محددة منها :

-         اللون الرمادي ، وهو لون ليس حاسما يطرح فكرة الغموض التي تعيشها الشخصيات في أجواء الرواية ، وكيف أن الفكرة نفسها تنطبع على حياة العالم العربي بكامله

-         شعور الراحة الملازم لها ، وهو ما يمنحها نوعا من التبرير للعلاقة والتكرار كما أنها تشير إلى كونها جزيرته أو ملاذه في حياة عاشها وحيدا (استنادا إلى الفكرة المطروحة عبر التعبير الدارج : الوسادة الخالية ، ذلك التعبير الذي انتقل من السينما إلى الواقع الإنساني إشارة إلى وحدة الإنسان ومعاناته ) .

-         العلاقة القائمة بين عمر والوسادة ، وهي علاقة تقوم على أساس من الصمت وافتقاد القدرة على البوح ، وهو ما يوظف الوسادة في صورة تتجاوز فيها عن تراثها القائم على أن الوسادة تمثل شكلا من أشكال انكسار الإنسان (المرأة خاصة ) وكيف أنها مجال للبوح (دموعا فقط ) غير أنها في الرواية تتجاوز الدموع باختلاف النوع فعمر رجل يعيش حياة عربية شرقية وفق تقاليد مجتمع يجعل من دموع الرجل عارا عليه .

الخلفيات التاريخية

يلجأ السارد إلى إنتاج زمنين سرديين :

-         زمن عربي محدد بأحداث زمنية ضابطة يكون من شأنها وضع المتلقي في زمن محدد الملامح يكون بمثابة الخلفية المعرفية لأحداث الرواية ، حيث الإشارات الزمنية تأخذنا إلى أحداث عربية محددة تكشف عن طبيعة اللحظة العربية عبر عدد من العلامات (العدوان الثلاثي على مصر – تأميم قناة السويس – حرب أكتوبر وتحطيم خط بارليف - حرب الخليج )

-         زمن الأشخاص في حركتهم عبر المكان ممثلا في خطوط متوازية فلكل شخصية لها زمنها الخاص والأزمنة تتجمع في النهاية لإنتاج الزمن الإنساني الذي ترصده الرواية خاصا بالشخصية ومنتجا تاريخها الخاص المحدد والمتطابق مع الزمن العربي المشار إليه في الخلفية .

النقد الاجتماعي

في قراءته لمجتمع السورجة بوصفها نموذجا مصغرا للمجتمع العربي الأوسع ، يعمد وعي السارد إلى نقد اللحظة التاريخية طارحا عددا من المشاهد ذات الأهمية في الكشف عن وعي عمر في مقابل وعي الماضي ممثلا في نافع بن المطوع الذي يتولى عمل والده من بعده غير أنه يحرص على تقديم خطاب الماضي كما هو دون محاولة نقده أو إعادة النظر فيه بما يلائم وعي الإنسان في لحظة حضارية مغايرة ، ومن هنا يكون الصراع الخفي بين وعيين يتجلي في  أكثر من مشهد ومن أكثرها وضوحا الخلاف حول خطاب نافع عن الموت وكيف أن الإنسان عندما يموت ينهش جسده الدود الذي يخرج من عينيه ومن سائر جسده بعد أن ينفجر رابطا ذلك بالعصيان في الدنيا وهو ما يحفز وعي عمر لطرح منظور مختلف له منطقيته :"استطاع عمر أن يتفهم كلام نافع عن عقوبة العاصين ، وثواب الطائعين ، ولكنه لم يستطع أن يفهم الحكمة من كلامه عن الدود واللحود وانفجار بطن الميت ، فهذه أعراض طبيعية ومصيرية ، لا علاقة لها بما قدم الإنسان في حياته  من عمل ، يستوي في ذلك المؤمن والكافر ، والحيوان في الفلاة ، سأل نافع بعد الصلاة ، ما الطائل وراء إرعاب المصلين ، بما لا يملكون له ردا ؟

-         ماذا تقصد ؟

-         أقصد أن اللحود والدود وظلمة القبر مثل الموت ليست عقوبة ، بل هي شئ حتمي ، يستوي فيه المذنب والمطيع فلماذا تجلد الناس بهذه السياط ؟ وتؤذي مشاعرهم بهذه الصورة من على منبر الجمعة ؟

-         الذكرى تنفع المؤمنين ياعمر ، وأرجو أن تكون منهم .

-         خشي عمر أنه إذا استمر في حواره هذا ، سيصدر حكم  نافع بأنه ليس من المؤمنين ، فاكتفى بما سمع " (جبل حالية ص 117)

القراءة الثقافية

أقام الروائي نصه على نظام يصلح لقراءات نقدية متعددة من أبرزها القراءة الثقافية تلك التي تتأسس على عدد من العناصر التي تشغل فضاء النص وفضاء العالم المسرود الذي يجمع بدوره بين عالمين : القرية والمدينة يتقاربان أحيانا إلى حد التكامل ويتضادان إلى حد المخالفة التي تنذر بالصراع ، ويمكن للقارئ أن يتوقف عند عدد كبير من المساحات الدالة لهذه القراءة والمؤيدة لها ، ومنها ذلك المشهد الكاشف عن تأثر عمر بموت آسية مما يجبره على اللجوء للمدينة التي تصبح ملاذه هروبا من قسوة القرية وعالمها ومنذ الحركة الأولى / الفعل الأول تتكشف المخالفة حيث ينفرد عمر بفعل مغاير لفعل الآخرين :

" يتجه الناس إلى المسجد بينما يودع عمر السورجة عائدا بمفرده إلى المدينة، فلن يستطيع أن يعيش ليلة فيها ، فماذا ستقول جدته فضة وأبوه لو قضى الليل ينتحب لموت آسية ؟ ما أقسى السورجة على المحبين ، تحرمهم حتى من البكاء على من يحبون ، تحرم البكاء على الرجال . في المدينة يغلق عليه بابه ، ويسح الدمع على حبيبته ، فلا شئ يخفف الأحزان كالدموع المحرمة في شرع السورجة "(جبل حالية ص 88).

يصلح المشهد لتقديم قراءتين تتكاملان للتدليل على فعل الحكي ، وعمل الروائي :

-         قراءة ثقافية : تقوم على مجموعة العناصر المؤسسة على مكاشفة النسق الاجتماعي الذي ينضوي تحته عمر ومن هم على شاكلته .

-         قراءة شعرية : وداع الدالة على التفرق (حروف الكلمة لا تلتصق وإنما تأتي تعبيرا عن معناها )

" فلا شئ يخفف الأحزان كالدموع المحرمة في شرع السورجة"

-         الجملة نتيجة أو خلاصة تجربة السارد لمعاناة الحياة بشكل عام ونظام حياة السورجة بشكل خاص ، والنتيجة ليست وقفا على السارد وإنما يعيش المتلقي التجربة نفسها مع السارد مما يجعله يتوصل إلى النتيجة ذاتها ليكون العمل مشاركة بين الاثنين .

-         النفي المطلق يضع الذات في حالة الوحدة لافتقادها لما يخفف عنها ، والنكرة الموصوفة بعده توسع من دائرة يحدها التشبيه المستحيل حيث الدموع موصوفة بما يجعلها مقيدة (المحرمة ) وهو ما يعمل على زيادة الإحساس بالوحدة ، فالدموع بوصفها قانونا اجتماعيا غير مفعل في المكان يصبح قانونا مقيدا يفتقد من يحتاجه لقيمته ، وهنا يحدث الصدع بين قانون السورجة ، والقانون الإنساني الذي يفعل نفسه بأن يدفع الإنسان للتخلص من أحزانه بالدموع في تعبيرها عن حالات الأزمة الإنسانية التي يمر بها الإنسان .

إنها رحلة مركبة يقوم بها السارد من الموت على الحياة ومن القرية إلى المدينة ، ومن الفرد إلى الجماعة قارئا ثقافة اللحظة ومؤكدا أن الرحلة المعاكسة ليست رحلته هو بوصفه فردا ولكنها رحلة مجتمع يسافر عكس زمنه ويصر على العيش في الماضي مخالفا المكتسبات الحضارية للبشرية ، تلك التي تضعه في لحظة زمنية أكثر تقدما .

نقلا عن مجلة المصور