توقعات بهجمات جديدة.. ماكرون فى مواجهة الإرهاب
جاء هجوم مدينة نيس جنوب
فرنسا الذى راح ضحيته ثلاثة أشخاص على يد مهاجر شاب من أصل تونسى أمام كنيسة نوتردام
الفرنسية، ليشعل الرأى العام فى فرنسا بل والعالم أجمع خاصة بعد توصيف ماكرون حادث
نيس بـ«هجوم إرهابى إسلامى».
جاء الحادث البشع
بعد أيام من مقتل المدرس الفرنسى صامويل باتى على يد صبى شيشانى الأصل سعى للانتقام
من المدرس الذى عرض رسوم كاريكاتير تسىء للرسول محمد عليه الصلاة والسلام أثناء أحد
الدروس، الأمر الذى أثار المخاوف من تصاعد الأعمال الانتقامية فى فرنسا.
بينما لم تصدر
بعد نتائج تحقيقات هجوم نيس إلا أن الحادث يعيد إلى الأذهان هجمات داعش الإرهابية التى
كانت تتبع نفس الأسلوب الدموى فى تنفيذ جرائم الإرهاب، ولم يستطع المحللون حتى الآن
الإجابة على سؤال إذا ما كان هناك رابط ما بين الحوادث الأخيرة فى فرنسا وبين تنظيم
داعش الإرهابى. لكن التحقيقات الفرنسية أشارت إلى احتمال انتماء منفذ هجوم نيس إلى
مجموعة تولت تأمين وصوله إلى فرنسا عبر إيطاليا بالقطار. وهو المشتبه به الذى يخضع
للعلاج والتحقيق وتشير معلومات متداولة فى بعض وسائل الإعلام الفرنسية إلى أن منفذ
الهجوم غير ملابسه قبل توجهه إلى الكنيسة، مشيرة إلى تزامن خروجه من تونس مع خطاب الرئيس
الفرنسى إيمانويل ماكرون قبل أسابيع حول مسلمى فرنسا.
أثارت خطابات ماكرون
الأخيرة مشاعر الغضب بين مسلمى أوربا خاصة بعد تصريحه إن أقلية من مسلمى فرنسا، الذين
يقدر عددهم بنحو ستة ملايين نسمة، يواجهون خطر تشكيل «مجتمع مضاد» وأن تقييد حرية التعبير
لحماية مشاعر طائفة بعينها يقوض الوحدة الفرنسية. واقترح ماكرون فى خطابه تعزيز وتعديل
قانون عام ١٩٠٥ حول فصل الكنيسة عن الدولة والذى يمثل عماد العلمانية الفرنسية، وذلك
عن طريق فرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات الإسلامية، خاصة تلك التى تحتضن أطفالا
وتؤسس مدارس للتعليم الإسلامى والسيطرة على التمويل الأجنبى للمساجد. وصرح بعد حادث
نيس «بأن فرنسا تعرضت لهجوم إرهابى إسلامى»، وأضاف «إذا تعرضنا لهجوم فهذا بسبب قيمنا
الخاصة بالحرية ورغبتنا فى عدم الرضوخ للإرهاب». وأشار فى خطاب مقتضب إلى نشر قوات
وتعزيز حماية أماكن العبادة بما فيها الكنائس وكذلك تعزيز أمن المدارس.
قوبلت هذه التصريحات
بالترحيب من التيار اليمينى فى فرنسا الذى يتضمن الأصوات الفرنسية التى لا تقبل اندماج
العرب والأفارقة فى المجتمع، أو أن تكون لهذه المجتمعات نفس حقوق الفرنسيين. حيث قامت
مارلى لو بان، زعيمة حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف والمرشحة الرئاسية للانتخابات
الفرنسية عام ٢٠٢٢ بكتابة تغريدة فور حادث الطعن تقول فيها «إن تسارع أعمال الحرب العدائية
من طرف المتشددين الإسلاميين ضد المواطنين الفرنسيين يستوجب ردًا رسميًا شاملًا لاستئصال
الإسلاميين من فرنسا». وقام العديد من الفرنسيين بإعادة نشر التغريدة. كما دعت إلى
حل اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا، الذى أصبح يحمل اسم «مسلمو فرنسا» والمحسوب
على تنظيم «الإخوان المسلمين» وإلى مصادرة ممتلكاته وأصوله، مشيرة إلى أن التدابير
التى اتخذها ماكرون حتى الآن أدنى مما يتعين على الحكومة فعله. وطالبت بمعاقبة كل من
يروجون للإسلام السياسى ومن يقومون بالدعوة لاعتناق الإسلام فى فرنسا، وبطردهم إذا
كانوا غير فرنسيين.
ورغم ما يبدو من
تراجع بعض الشىء لدى ماكرون عن تصريحاته وتأكيده أنه يتفهم مشاعر المسلمين وأن الحكومة
لا تتبنى الرسوم المسيـئة إلا أنه فى المقابل أشار نشطاء إسلاميون فى فرنسا إلى أن
ماكرون بعد تراجع شعبيته بشكل كبير يحاول وضع أجندة مصطنعة قبل الانتخابات بعام ونصف
العام وكان المسلمون هم كبش الفداء، لأن مشكلة انعزالية المسلمين فى فرنسا ما هى إلا
مشكلة مصطنعة وغير موجودة على أرض الواقع. فبدلا من إيجاد حل حقيقى للأزمة، هو يبحث
عن حلول تعزز موقفه فى الانتخابات المقبلة.
وتشير الاستطلاعات
إلى أن الرأى العام فى فرنسا ازداد تشددا بعد وقوع الهجمات، معظم الفرنسيين الآن يؤيدون
قرار مجلة شارلى إيبدو بإعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة، بينما كانوا فى السابق
يرون أن نشر هذه الرسومات استفزاز غير ضرورى. فى نفس الوقت كان حوالى ٧٠ فى المائة
من المسلمين الذين تم استطلاع آرائهم يرون أن نشر الصور أمر غير صحيح. بينما أدانت
كلتا المجموعتين بشدة هذه الهجمات.
على الجانب الدولى,
كان هناك تعاطف عالمى مع ضحايا حادث نيس, حيث أدانت وزارة الخارجية المصرية الحادث،
وأشارت إلى أن مصر تستهجن بشدة وترفض مثل هذه الحوادث الإرهابية وتشدد على أنها تتنافى
مع الفطرة الإنسانية وتعاليم كافة الديانات السماوية. كما تضامنت الدول الأوربية, التى
تشهد حاليًا تواجد أجيال متعاقبة من المسلمين، وصلت الآن إلى الجيل الثالث، وهم أحفاد
المهاجرين الأوائل الذين ولدوا هم وآباؤهم فى أوربا, مع فرنسا وأعلنوا استعدادهم لمساعدة
الدولة الفرنسية فى التصدى للإرهاب. وأعرب قادة الاتحاد الأوربى عن تضامنهم مع فرنسا
وتعهّدوا بمواجهة «أولئك الساعين للتحريض على الكراهية ونشرها». وقال رئيس الوزراء
البريطانى بوريس جونسون إن بلاده تقف بثبات مع فرنسا. وصرح وزير الداخلية الألمانى,
هورست زيهوفر, «نقف متضامنين إلى جانب فرنسا، كما أننا ندافع عن قيمنا المشتركة بالتعاضد
الوثيق مع شركائنا الأوربيين والدوليين». فيما أدانت منظمة التعاون الإسلامى هجوم نيس
الإرهابى.
تزامنا مع الأزمة
فى فرنسا وتصريحات ماكرون انطلقت حملات مضادة عبر وسائل التواصل الاجتماعى من ضمنها
حملات دعت لمقاطعة المنتجات الفرنسية وتطور الأمر فى بعض الدول مثل بنغلاديش التى انطلقت
بها مسيرة انضم إليها حوالى ٤٠ ألف شخص لمناهضة فرنسا فى العاصمة دكا، وقاموا بإحراق
دمية لماكرون ودعوا إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية. كما كانت هناك دعوات لحكومة بنجلاديش
لإصدار أمر للسفير الفرنسى بالعودة إلى باريس وتهديدات بهدم مبنى السفارة الفرنسية.
وفى السعودية قام شاب سعودى بمحاولة طعن حارس السفارة الفرنسية فى جدة ما أسفر عن إصابته
بجروح ونقله إلى المستشفى. الرئيس عبد الفتاح السيسى كان واضحاً فى كلمته وحاسماً فى
موقف مصر ، فى كلمته خلال احتفالية وزارة الأوقاف بالمولد النبوى حيث قال: «لا يمكن
أن يُحَمَّل المسلمون بمفاسد وشرور فئة قليلة انحرفت.. نحن أيضًا لنا حقوق فى ألا تجرح
شعورنا ولا تؤذى قيمنا».
جماعة الإخوان
الإرهابية وتنظيمها الدولى حاولوا استغلال الأزمة لتحويل رفه المقاطعة من مقاطعة المنتجات
التركية لعقاب نظام اردوغان الممول للإرهاب إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية .
على الجانب الأخر
مارست تركيا انتهازيتها السياسية لقضية الرسوم المسيئة وقامت بإدانة الرئيس الفرنسى
والقول إنه مريض بالإسلاموفوبيا. وشكك أردوغان، -الذى لديه خلافات طويلة مع فرنسا وماكرون
- بشأن احتياطيات الغاز قبالة قبرص وأزمة كاراباخ وحول الحروب فى ليبيا وسوريا - على
صحة ماكرون العقلية بعد الخطاب. ما دفع مجلة شارلى إيبدو إلى نشر كاريكاتير ساخر لأردوغان
يظهر فيه أنه صاحب وجوه مختلفة وجه ظاهر يبدى فيه أنه حامى الإسلام ووجه أخر خفى يسيئ
للإسلام.
الجدير بالذكر
أنه فى أعقاب مقتل المدرس الفرنسى وقعت العديد من الهجمات ضد المسلمين فى فرنسا, آخرها
محاولة قتل سيدتين محجبتين, حيث نُشر فيديو عبر الإنترنت يشير إلى الهجوم بسكين على
أسرة مسلمة مكونة من ٩ أفراد وقام المهاجمون بإطلاق إهانات عنصرية للعرب والمسلمين،
كما قاموا بتمزيق حجاب سيدتين وطعنهما بمناطق متفرقة، مما ينذر باشتعال العنف والعنف
المضاد.