رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حرية التعبير لا تعنى التطاول على الأديان

4-11-2020 | 14:43


يوسف القعيد

قبل أكثر من قرن من الزمان قرأنا لمن قال إن الشرق شرق. وإن الغرب غرب ولن يلتقيا أبدًا. وتناقلت الأجيال التالية العبارة إلى أن تناسيناها بفعل مرور الأيام والليالى.

لا أثبت هذه العبارة لكى أناقشها. فقد ثبت أنها ابنة زمانها. قيلت فى زمن الاستعمار الغربى لنا. ولمن كانوا مثلنا. وما وقع من الاستعمار من الحكايات والوقائع دونتها كتب التاريخ وأسفاره. ثم توقفت أمام ما تلاها من نهب لثروات العالم الثالث لصالح العالم الأول. فقد كان النهب هو الجملة التالية للاحتلال، بل كان الهدف منها.

موضوع الرسوم الكاريكاتورية ليس بالجديد، فمنذ أكثر من خمسة عشر عامًا يتجدد الجدل حول هذه الرسوم التىأساءت للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وفى كل مرة يقع ضحايا وتندلع احتجاجات ومظاهرات ويتكرر الجدل حول حدود حرية التعبير والمعتقد والرأى والعلمانية. وسبق أن شهدت فرنسا العديد من الهجمات الإرهابية التىراح ضحيتها العشرات من الأبرياء ورجال الأمن. وكان أشهرها فىعام٢٠١٥ عندما نفذ ثمانية أشخاص مسلحين وانتحاريين هجمات على مطاعم ومسرح وملعب رياضىفىباريس وأسفرت العملية عن مقتل ١٣٧ شخصًا وإصابة المئات. وفى نوفمبر ٢٠١٦ تعرضت مكاتب مجلة «شارلى إيبدو» لعملية تخريب وأضرمت النيران فيها ردًا على وضع المجلة على غلافها صورًا مسيئة للنبى محمد صلى الله عليه وسلم، مما أثار حفيظة العديد من الدول الإسلامية وانبرى تنظيم القاعدة فهدد باستهداف هيئة تحريرها، وتبع ذلك وقوع عمليات أخرى. وفى الثانى من سبتمبر الماضى أعادت المجلة المذكورة نشر الرسوم المسيئة، مما أثار غضب المسلمين. لقد بات الجدل عالميًاحول الرسوم وزاد الأمر سوءًا بعد أن نشرت صحيفة مسيحية نرويجية ومجلة شارلىإيبدو الساخرة فىباريس نفس الرسوم ليصبح الجدل ممتدًا.

غير أن ماكرون أخطأ عندما دافع عن علمانية فرنسا قائلًا: (بأنها أمر حيوى بالنسبة إلى الهوية الوطنية، وأن تقييد حرية التعبير من أجل حماية مشاعر طائفة بعينها من شأنه أن يقوض الوحدة فىالدولة ويزعزعها ).وبالتالىتزايد الغضب فىالعالم الاسلامى ضد ماكرون إلى حد جرى وصفه فىإحدى الصحف الإيرانية بأنه (شيطان باريس)، كما وصف فىشوارع دكا بأنه (زعيم لعبدة الشيطان). وفى العراق وأمام السفارة الفرنسية فى بغداد حرق متظاهرون صورته مع العلم الفرنسي. قبل ذلك جاء خطاب ماكرون الذى أعلن فيه عن نيته فىمحاربة ما أسماه بالنزعةالانفصالية الإسلامية ووصف الدين بأنه يعانى من أزمة فىجميع أنحاء العالم، مما أثار اعتراضات العديد من القادة والمعلقين المسلمين. وما لبث ماكرون حتى أجج الموقف أكثر وأكثر خلال وقفة احتجاجية فىباريس عندما أكد بأن بلادهلن تتخلى عن الرسوم الكاريكاتورية، واتبع فىذلك تقليدًا قديمًا للأوربيين يعود إلى قرون سابقة يرون من خلاله أنهم أكثر علمًا وحضارة فىمحاولة لجعل المسلمين يقتدون بهم ويتبنون نفس أساليبهم. وجاءت تصريحات ماكرون لتزيد الطين بلة لكونها تمثل إهانة للمسلمين وإيذاء لمشاعرهم وزرعًا لنبتة التفرقة العنصرية فىالمجتمع الفرنسىوالعالمى.

ولا شك أن تصريحات ماكرون اعتبرت مسيئة لما فيها من التعرض للنبى محمد عليه الصلاة والسلام، مما أدى إلى موجة احتجاجات شعبية فىالبلدان الإسلامية كان من جرائها المطالبة بمقاطعة المنتجات الفرنسية. كان ماكرون صادمًا بتصريحاته التىعكست موقفه ضد الإسلام والمسلمين وإجراءاته التعسفية غير المنطقية والمرفوضة مبدئيًا من دولة كفرنسا يُفترض أنها عصرية ومتحضرة وصديقة. لقد أخطأ ماكرون وعليه اليوم أن يتحمل مسؤولية إشعاله لفتيل هذه الفتنة عندما دافع بشراسة عن الرسوم التىأساءت إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لاسيما وهو يعرف مسبقًا ما قد تشكله من أضرار على السلم الاجتماعى، ولما يمكن أن تؤدى إليه من ردود فعل دموية منفلتة لرعاة الإرهاب وتصاعد أعمال التحريضوتأجيج الفتنة بين المسلمين والمسيحيين.

إن ما فعله ماكرون يعد سقطة غير مبررة، ولذا يجب عليه التراجع عنها والاعتذار لاسيما وأن ملايين الفرنسيين هم من المسلمين، ولأن فرنسا تربطها علاقات الاحترام المتبادل مع العديد من الدول العربية والإسلامية. ولهذا بات يتعين على ماكرون اليومتبنى الوسطية والعقلانية فىالتعامل مع موضوع حساس وشائك يتعلق بالعقيدة الدينية للشعوب. كما يجب تجريم معاداة الإسلام والمسلمين؛ منعًا للفتن وتحاشيًا لردود فعل غير محمودة، فلا يمكن استخدام ذريعة الحريات للتطاول على المسلمين وعلى رسولهم الكريم.وكم كان غريبًا أن يعزف ماكرون عن منطق التهدئة ويستمر فىعناده وغطرسته ويخرج بتصريحات نارية أججت الأزمة أكثر وأكثر. ولهذا بات يتحمل مسؤولية إشعال الفتنة لاسيما عندما دافع بشراسة عن الرسوم الساخرة المهينة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. رغم أنه يعلم مسبقًا ما قد تشكله من أخطار على السلم الاجتماعى، ولما يمكن أن تؤدى إليه من ردود فعل دموية منفلتة من قبل رعاة الإرهاب ولما قد تحدثه من تصعيد أعمال العنف والتحريض وتأجيج الفتنة بين المسلمين والمسيحيين.

ما أحوج العالم اليوم إلى تقوية أواصر التعايش المشترك فى إطار القانون والحريات الحقيقية والاحترام المتبادل. وإذا كان يتعين على المسلمين تصحيح الخطاب الاسلامى وتطهيره من الغلو والتطرف والتحريض والتركيز فىالمقابل على قيم التسامح واحترام الآخر وعدم توظيف الدين لتحقيق أهداف سياسية فإن على فرنسا السير على النهج ذاته واتباع نفس المسار..