طريق الحياة مثل
كل الطرق أحيانًا ممهد وأحيانًا وعر.. نختار بعضه ويفرض علينا الآخر.. وما يبقى
منها سوى أحاسيس مؤلمة ومفرحة لكن المؤكد أن عمر المؤلم أطول من نظيره المفرح،
لأنه يحفر دروبًا للتغيير في نفوسنا مهمًا أعقبها من أفراح وما بين هذا أو ذاك
نتغير.
البعض يرى
أن إمكانية التغيير والتحول من طبيعة إنسانية لأخرى صعبة بل تصل لدرجة المستحيل في
بعض الأحيان، لكنى أرى أن العاقل وحده هو من يملك إرادة التغيير وتوقيت التغيير
الذي يعتبر أهم من قرار التغيير نفسه فمن الممكن أن يحيا الإنسان مخدوعًا ويستأنس
هذه الحالة التي تعذبه إلا أنه يخشى التغيير إما لضعفه الإنسانى على مواجهة أوضاع
جديدة قد يخسر فيها بعض المكاسب أو أنه لا يملك كلفة التغيير التي تحتاج لجهد
وقدرة على التعود مرة أخرى نصاب بالتغيير في حياتنا من كثرة ما نلاقى من ضربات في
أشخاص كنا نظنهم أفضل من ذلك، وكلما كانت درجة التضحية التي نقدمها كان درسًا
موجعًا ولكنه درس!! العاقل وحده من يملك القدرة على التعلم منه.
ولكنى أشهد
أننا نرى عيوب بعضنا البعض حتى عيوبنا نراها ربما بشكل أوضح من أي شىء لكننا
كثيرًا ما نتغاضى عن هذه العيوب، لدرجة أننا أدمنا التعاطى معها ونسير في طريق
تدمير أنفسنا دون أن نشعر فالبعض منا يشكو ويستعذب الشكوى التي تخفف بعضا من آلامه
والبعض الآخر يجد متعته في هذا التعذيب إما لنقيصة نفسية تحتاج لعلاج نفسى في أغلب
الأحيان وإما لطبيعته البشرية ولا عجب في ذلك!!
ويخرج
الإنسان من تجربته وهو مصمم على الانتقام والتوحش، وكما هو الحال البعض يقدر
والآخر لا يقدر، والبعض يفيق من هذه الحالة وقد مر قطار العمر ولم يعد الأمر يساوى
التراجع والبعض يملك من الشجاعة أن يصحح مساره وآخر لا يقدر!! في علاقاتنا
الإنسانية التي تتم بين طرفين لا يتمتع أحدهما بالتساوى في عمليات الأخذ والعطاء
فتجد أحيانًا طرفًا يعطى وآخر يأخذ فقط ومهما بلغت درجات التضحية والإيثار تجد أن
هذه العلاقات مختلة ومشوهة.. فالمضحى يمل من جحود الطرف الآخر الذي تعود على الأخذ
وأصبحت هذه الحالة أمرًا واقعًا قد يصاحبه في كثير من الأحيان عدم التقدير الذي
تزكيه عوامل الأنانية في نفس صاحبها.. وتفشل هذه العلاقات لأننا بشر نحتاج للتواصل
والصدى في علاقتنا الإنسانية.. فلسنا ملائكة نعطى طوال الوقت ولسنا أمهات وآباء،
التي تحركنا غرائز العطاء لأولادنا فقط بلا حدود.
ربما
يصيبنا التغيير ونحن لا نشعر به فيحركنا في تصرفات تغلق شلالات العطاء أو حتى
صنابير العطاء.
ويخرج
الإنسان للمجتمع في بداية حياته متأثرًا بشدة بتكوينه التربوى الذي خرج به من بيته
وتعاليم أسرته في القيم والمبادئ ويصطدم بأخرى غير مماثلة حتى الأطفال في بداية
علاقاتهم يصطدمون من آخرين في مثل عمرهم وتستمر حياة الإنسان في دروس ودروس يكون
أحيانًا تلميذًا نابهًا لا يسمح بخداعه أكثر من مرة وأخرى بليدا يُضرب ويُضرب
ويرسب في الامتحان حتى يأتى امتحان يقضى عليه نهائيًا، ولا أنكر أن هناك ثوابت لا
يستطيع الإنسان أن يغيرها أو يحيد عنها فمهما قابل الشخص الأصيل من طعنات وصدمات
لا يتحول إلى شخص مماثل لخصمه وكذلك غير الأصيل من النادر أن يتحول عن طبعه الخسيس
على الرغم من سنة الحياة في التغيير.
العاقل
وحده هو الذي يراجع نفسه ولا يسمح لأحد باستغلاله حتى تفرض الظروف على البعض منا
أن يتحمل ويتحمل حتى يسير المركب، ولكن في بعض الأحيان يقفز من المركب ويتركه يغرق
لينجو بحياته التي يراها عندئذ أغلى شىء فالشخص الممزق لا يستطيع العطاء أبدًا،
والفارق في حياة الإنسان في هذه الحالة أنه يبدأ في حب نفسه.. وما العيب في حب
نفسه.. فهي هدية المولى عز وجل التي أوصانا بالحفاظ عليها وألا نلقى أنفسنا في
التهلكة وكلما كان الإنسان حريصًا على نفسه تمتع بعزة النفس والكبرياء الذي لا يجد
أي مقابل لإهدارها فلا يعرضها لمهانة أو إذلال.
وعندما
يصاب الإنسان بهزات نفسية في علاقاته الحياتية تجده أمام طريقين في بداية الصدمة
التي تحركها رغبات الانتقام، إما أن يكون شريرًا أو يكون وحيدًا يقطع علاقاته
بالآخرين ولكنها ردة فعل وقتية بعدها يهدأ ويفكر في طريق يخرجه من هذه الصدمة، لكن
المؤكد هو إصابته بحالة من الصمت النفسى تصل للعزلة في بعض الأحيان برغبته في عدم
التواصل مع الآخرين، فيعيش في جو من الوحدة في الغالب لا يستطيع أن يستمر في هذه
الحالة، فلا أحد يستطيع العيش بمفرده ولكنه يقوم بشطب أشخاص من حياته ويعيد شكل
علاقاته بآخرين وبالتأكيد هذا هو التصرف المثالى، وآخر يحاول أن يكون شريرًا ممكن
أن ينجح وممكن أن يفشل طريقتك في التعاطى مع الآخرين في مجتمع مختلف الطبائع
الإنسانية التي أراد الله لها الاختلاف ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة تفرض عليك
أن تتنوع وتتغير ولا تقف مكانك تشكو في رد فعل من إصابة أو طعنة، ممكن تفرض لنفسك
سياجًا حديديًا بألا يقترب منك أحد حتى لو قمت بكهربة هذا السياج ولكن لا تنسى أن
هناك مغامرين لابد وأن يقتربوا أو إنك تمتلك من الأنياب والأظافر ما يجعلك شرسًا
تكسب معركة وراء أخرى لتفوز بهذه الحياة أو تختار لنفسك طريق من خاف سلم.
تعيش حياتك
خائفًا مترقبا لأى صدمة وألم دون أن تدافع عن نفسك، المؤكد أننا كلنا نتغير وإن
اختلفت الدرجة.. فلا الحب يستمر.. ولا الكره يستمر ولا العطاء يستمر.. ولا الأخذ
يستمر.. الشىء الوحيد القادر على الاستمرار هو العلاقات المتكافئة أخذ وعطاء فلا
أحد ينسى الألم حتى لو تسامح مع من آلمه!! فالذكرى دائمًا أقوى من الفكرة فلحظات
السماح زائفة!!