رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


خبراء تونسيون: "الهجرة غير الشرعية" تخدم تنظيمات إرهابية وتكفيرية بدعم من دول خارجية.

5-11-2020 | 11:39


يشهد المجتمع التونسي تناميًا كبيرًا في عمليات الهجرة غير الشرعية؛ إذ أظهر تقرير أعده المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن العام 2020 شهد أرقامًا مرتفعة لعدد الأشخاص الذين استطاعوا الوصول إلى السواحل الأوروبية عبر تونس، مقارنة بعامي 2018 و2019، حيث تمكن، خلال الفترة الممتدة من 1 يناير إلى 30 سبتمبر، 9 آلاف و884 مهاجرًا من الوصول إلى أوروبا مقابل 4526 خلال سنة 2018، و2211 في سنة 2019.

وبحسب الإحصائيات فإن قوات خفر السواحل التونسية تمكنت، في العام الجاري، خلال الفترة المتراوحة بين 1 يناير إلى 30 سبتمبر، من إيقاف 10 آلاف و 551 شخصًا، وألفين و838 في عام 2019، و3 آلاف و890 شخصًا في 2018 في الفترة ذاتها.

وحول أسباب ارتفاع عمليات الهجرة غير الشرعية خاصة خلال السنوات الأخيرة، أكد الدكتور مازن الشريف رئيس المنظمة الدولية للأمن الشامل، والخبير الاستراتيجي في الشؤون الأمنية والعسكرية بتونس - في تصريحات لمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط بتونس - أن "مافيا التسفير" هي أقوى مصادر الإرهاب وتلقى دعمًا من دول خارجية، وضمن ذلك يتم استغلال الهجرة غير الشرعية لخدمة تنظيمات إرهابية وجماعات تكفيرية تعمل على غسل الأدمغة وبث أيديولوجيات وأفكار تكفيرية ليعتنقها ذلك الشباب اليائس .

وأضاف الشريف قائلاً : "إن عصابات الهجرة غير الشرعية تصدر هؤلاء المهاجرين إلى دول النزاعات مثل سوريا وليبيا والعراق، إلى جانب بلدان أوروبية؛ لتنفيذ عمليات إرهابية كما حدث في مدينة (نيس) الفرنسية بعدما قام شاب تونسي بذبح امرأة وأصاب أشخاصًا بجروح"، مشيرًا إلى أن "الأمر بات لا يقتصر على أزمات اقتصادية أو سياسية وحسب، بل أضحى الشباب يائسًا من تحقيق أحلامه وتطلعاته وأصيب بانتكاسة نفسية أدت بدورها إلى موجات من العنف المجتمعي وتعاطي المخدرات والإرهاب، فمن المعروف أن أعدادًا من الشباب التونسي وقع فريسة وصيد سهل للإرهابيين والتكفيريين".

وأرجع رئيس المنظمة الدولية للأمن الشامل، الأسباب والدوافع وراء الإقدام على الهجرة غير الشرعية، إلى أن هناك حالة من الإحباط بسبب الصراعات السياسية التي تزيد الوضع سوءًا، إلى جانب جملة من الأزمات الاقتصادية في البلاد، ما شكل حالة من الاختناق ولدت شعورًا سائدًا لدى الشباب وهو أن بلدهم أصبحت سجنًا ضيقًا، وبات أكثرهم يسعون إلى الفرار من وطنهم.

ورأى أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى جانب ما أسماه "بالهروب الجماعي" أي الرغبة الجماعية في ترك البلاد تتطلب دراسة حقيقية؛ لأن المجتمع التونسي أصبح في حالة مرضية، داعيًا إلى ضرورة إيجاد حلول اقتصادية وسياسية ووضع استراتيجية تطبق على أرض الواقع وتولد حالة من الأمل في البلاد لتلبية تطلعات وأحلام الشباب التونسي التي عانقت السماء ثم هوت في خيبة مريرة بعد ذلك.

وعن الأسباب الاجتماعية وراء تنامي تلك الظاهرة في المجتمع التونسي، قال الخبير التونسي المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين : "إن هناك عوامل عدة تدفع إلى الهجرة من بينها الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع إلى جانب ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب الحاصلين على المؤهلات العليا، ما ولد الإحساس بالإحباط والاحتقان لذا نجد أن نسبة كبيرة من المهاجرين من فئة الشباب الساعي إلى تحقيق أحلامة وتطلعاته سواء المادية أو المهنية أو حتى الشعور بالذات".

وأضاف أن عملية الهجرة باتت لا تقتصر على الفئات الفقيرة والمعدومة بل أصبحنا نلاحظ تنامي ظاهرة الهجرة العائلية، وهو نتاج طبيعي لحالة الشعور بانسداد الآفاق وانعدام العدالة الاجتماعية الذي ضخم لدى الشباب فكرة الفرار من واقع مجتمعي يفتقد إيجاد حلول تلبي تطلعاتهم وإدماجهم في الحياة السياسية والاجتماعية، ما يفتح لهم الطريق إلى "الهجرة للآخرة" أو مناطق الصراع والإرهاب والجماعات التكفيرية؛ بحثًا عن الاعتراف والشعور بالذات من خلال الانضمام وسط جماعات إرهابية تشعره بأنه محط أنظار الإعلام وأنه يقوم بعمل بطولي وسيصبح يومًا أميرًا للجماعة.

ورأى عز الدين أن الحل يكمن في النهوض بالمنظومة التربوية والتعليمية باعتبارها من أهم الركائز التي تهدف لتعزيز الرصيد الفكري وتحصن الشعوب من كل مظاهر الانغلاق والتطرف، في ظل ما يشهده العالم والمنطقة من تحولات وتحديات، الأمر الذي يدفع نحو ضرورة الاهتمام بالتنشئة على المعرفة لتكريس الخطاب المعتدل ونشر ثقافة السلم في العقول وتحصينها من خطاب الكراهية وإنقاذها من براثن الغلو والتطرف والإرهاب، من خلال إدماج مواضيع الهجرة غير الشرعية وأهمية الانتماء للوطن في برامج التعليم لتوعية الشباب بمخاطر تلك الظاهرة.

وشدد على ضرورة تناول العلوم الاجتماعية والإنسانية والفكر النقدي وصحيح الدين في المناهج التربوية حتى يتمكن الشباب من التمييز بين الأفكار الصحيحة والمغلوطة وأن يتسلح بأدوات المعرفة السليمة لرفع مستوى الوعي، مطالبًا مؤسسات الدولة بأن تدمج الشباب بشكل أكبر في الحياة السياسية والاقتصادية حتى يتسنى له القيام بدوره في المجتمع ويصبح منخرطًا ومهمومًا بالنهوض بوطنه.

وحول العوامل الاقتصادية التي تدفع إلى الهجرة، أكد زيد بن عمارة الخبير الاقتصادي التونسي، أن "الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تشهدها البلاد حالت دون تحقيق الشباب التونسي لتطلعاتهم وتحقيق طموحاتهم الاجتماعية والمادية، الأمر الذي أشاع حالة من الإحباط وغذى الرغبة في الهجرة لدى الكثيرين". 

وأرجع بن عمارة أسباب "الهروب" من المجتمع واللجؤ إلى عملية الهجرة إلى قلة الوعي بسبب تفشي ظاهرة الانقطاع المبكر عن التعليم في البلاد لأسباب اقتصادية في المقام الأول، وباتت العائلات في تونس غير قادرة حتى على إثناء أبنائها للعدول عن فكرة الهجرة بسبب اتساع الأزمة الاقتصادية وغياب أي آفاق واضحة.

أما عن دور الإعلام في التوعية بمخاطر الظاهرة، وآليات التعامل معها، قال الإعلامي التونسي أيمن العبروقي إن مسارات الهجرة غير الشرعية آخذة في التنامي وأصبحت ظاهرة خطيرة في المجتمع التونسي، ما يستوجب تفعيل الدور التوعوي للإعلام المرئي والمسموع والمقروء باعتباره ركن رئيسي مشترك في كافة خطط العمل الدولية والإقليمية والوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، في ضوء قدرته على الوصول إلى قطاعات عريضة من فئات المجتمع، وكذلك على مجابهة تلك الظاهرة السلبية للحد من تناميها.

وأضاف أن هناك آليات لمعالجة الظاهرة إعلاميًا من خلال تناول الأسباب الدافعة للهجرة غير الشرعية مع تفنيد هذه الأسباب، واستعراض المخاطر التي تترتب عليها من اجل توعية الشباب، إلى جانب عرض الفرص المتاحة للارتقاء بالمستوى المعيشي والدخل، وضرورة تعزيز روح الانتماء للوطن، من خلال تسليط الضوء على النماذج الناجحة بين الشباب.

ودعا إلى ضرورة طرح حملات إعلامية تتناول الظاهرة بموضوعية وتستهدف الفئات التي تسعى للهجرة غير الشرعية، من خلال بث رسائل توضح المخاطر التي تصل إلى حد الموت في أحيان كثيرة، إلى جانب تناول الظاهرة في الأعمال الدرامية والمناهج التعليمية، وكذلك الوصول بتلك الرسائل إلى الجمهور المستهدف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتناول القضية بشكل متعمق للتعاطي مع الظاهرة وأسبابها.

واعتبر العبروقي أن أهم عوامل مكافحة الهجرة غير الشرعية يتمثل في دعم التنمية الشاملة اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، ورفع الوعي العام بالقضية من خلال استراتيجية بعيدة المدى تعتمد على تفعيل حملات إعلامية لمساعدة الشباب على عدم السقوط في براثن شبكات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية التي تستغل المهاجرين، وذلك من خلال بث روح الانتماء للوطن، وتطوير الرؤية المجتمعية لقيمة العمل إلى جانب تعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمواجهة تلك الظاهرة