مصر نصيرة السلام.. تحيى رسول السلام
نحن نؤمن بالسلام، ولكننا نكفر بالاستسلام.. وقد أيقن السكرتير العام للأمم المتحدة خلال الثمانى والأربعين ساعة التى أمضاها فى القاهرة، أن مصر لن تتراجع خطوة واحدة عن موقفها من الأهداف القومية، وأنها ذهبت إلى آخر المدى فى سبيل التفاهم السلمى حول مشكلة القناة.. قناة مصر التى يجب أن تتطهر من قوات العدوان، قبل أن تتطهر من آثار هذا العدوان.
عندما جاء السكرتير العام للأمم المتحدة إلى مصر، كان يرافقه فى الطائرة ستة من موظفى الأمم المتحدة، وهم: “مستر روبنز” من أعضاء مكتب مجلس الأمن، و“مستر سامبلر” من رجال الهيئة التنفيذية بالأمم المتحدة، و“مستر جورج آدم سميث” السكرتير الصحفى، وسكرتير تان، ومستر “رونالو” الحارس الخاص للسكرتير العام.
ومن مطار القاهرة الدولى اتجه همرشولد مباشرة إلى الحجرة رقم 158 التى خصصت لنزوله فى فندق سميراميس، وما كاد يلتمس شيئاً من الراحة، حتى أسرع إلى مقابلة الدكتور محمود فوزى بوزارة الخارجية، وعندما التقى به شد على يده مصافحاً قائلاً: “كيف الحال يا محمود؟”.
والعلاقة بين همر شولد والدكتور فوزى، ليست مجرد علاقة سكرتير الأمم المتحدة ووزير الخارجية، وإنما هى علاقة صداقة متينة، تأصلت جذورها منذ أعوام مضت.. ومن وزارة الخارجية أسرع همرشولد إلى رئاسة الجمهورية، وأمضى مع الرئيس جمال عبدالناصر نحو ساعتين، ثم تناول العشاء فى نادى محمد على بدعوة من الدكتور فوزى.
وعندما عاد السكرتير العام إلى غرفته بالفندق، لم يطفىء النور قبل الساعة السادسة صباحاً، فقد كان على اتصال تليفونى مستمر بالأمم المتحدة، حيث وقف من مساعده التنفيذى “كوردييه” على آخر الأنباء، بينما كان سكرتيره الصحفى جورج آدم سميث - وهو أسترالى ولكنه ذكى - يشترك مع سكرتيرتيه فى تسجيل الملاحظات التى يشير بها السكرتير العام.
وأغفى همرشولد ساعيتن فى الفراش، وفى الساعة الثامنة استيقظ وتناول إفطاراً دسماً، وهو يتمتع بشهية طيبة، ويدخن عادة سيجارا رفيعا بعد الطعام، كما يدخن الغليون أثناء العمل.
وأمضى همرشولد يوم السبت فى اتصالات مهمة بين الرئيس جمال عبدالناصر والدكتور محمود فوزى والأمم المتحدة التى كانت تلاحقه بالبرقيات دقيقة بدقيقة.. وبعد الظهر جلس فى شرفة جناحه المطل على النيل، يتأمل الشمس وهى تجمع خيوطها الذهبية من فوق صفحة النهر، بينما الظلام يلف القاهرة شيئاً فشيئاً، والتفت لسكرتيره الصحفى وقال وفى صوته رنة أسي:
- إننى أريد أن أرى القاهرة مضيئة فى زيارتى القادمة لها.
وفى المساء تناول همرشولد العشاء بدعوة من الرئيس جمال عبدالناصر، وعقد معه اجتماعاً استمر ثلاث ساعات كاملة.
وفى صباح اليوم التالى كان همرشولد ومرافقوه يحزمون أمتعتهم إلى مطار القاهرة، فى انتظار الطائرة التى تعود بهم إلى نيويورك مباشرة، وهناك وجد السكرتير العام الدكتور محمود فوزى وأعضاء الوفد المصرى المسافر إلى نيويورك فى انتظار الطائرة التى ستحملهم إلى هناك، وعندما صعد إلى مقعده فى الطائرة قال له سكرتيره الصحفى، إن الطائرة التى كانت ستحمل وزير خارجية مصر إلى نيويورك قد تأخرت، مما سيضطره ورفاقه لتأجيل سفرهم إلى ما بعد الظهر.
فقام همرشولد بدعوة الدكتور فوزى ومرافقيه للركوب معه فى طائرته إلى روما.. وهكذا سافر الصديقان معاً وفى مطار القاهرة الدولى وقفت الجماهير تصفق وتهتف محيية السكرتير العام للأمم المتحدة.. الرجل المحايد الذى استنكر عدوان إنجلترا وفرنسا وإسرائيل على مصر، وهدد بالاستقالة من منصبه، والذى أعلن الناطق بلسانه للإنجليز والفرنسيين عندما زعموا لأنفسهم حق تطهير قناة السويس: “إننى لن أسمح للدول المعتدية بأن تتولى عملية تطهير قناة السويس”.
وعندما غابت طائرة السكرتير العام للأمم المتحدة عن أرض النيل، كان قد آمن بأن أهلها لن يرتضوا غير الحرية، وإنهم ذهبوا إلى آخر المدى فى سبيل التفاهم السلمى حول مشكلة القناة، وأن دولتهم الصغيرة تستطيع أن تصمد فى مواجهة الجيوش والأساطيل والامبراطوريات والقنابل المدمرة.. لأنها تؤمن بحقوقها.. وحقوق الإنسان.
إنجى رشدي