سمير حراز.. شيخ العطارين:
هناك أصناف فى الدواء ارتفعت أسعارها بنسبة 100%، ومع ارتفاع الأسعار الذى نراه وطالما الفقر موجود فالأعشاب موجودة بجانب فئة المثقفين المدركة لأهمية الأعشاب
محمد أبو موسى.. عطار:
اتجهنا لاستخدام الأعشاب المصرية كبديل للعشب المستورد بعد ارتفاع الأسعار بسبب الدولار وتقليل الاستيراد بنسبة 80 %.. ونرصد دخول فئة جديدة لمستخدمى الأعشاب مؤخرا
د. سعيد شلبى.. مؤسس قسم الطب التكميلى بالمركز القومى للبحوث:
مشكلة العلاج بالأعشاب تظهر بسبب عطار لا يمتلك خبرة كافية، ولم يدرس شيئا، وهذه النوعية تقع فى أخطاء المسميات.. والواقع يستدعى إلا تضع وزارة رأسها فى الرمل، وأن تعترف بوجود الطب التكميلي
د.هشام عطية الشخيبي.. رئيس قسم الفارماكولوجى الطبية، طب القاهرة:
الأعشاب تلعب دورا بجانب الأدوية، ولا يزال استعمالها محدودا، لأنه لا توجد متابعة ورقابة للجرعات والأعراض الجانبية، والطب الشعبى فى الغالب يؤخذ بالفطرة، والدراسات فيه محدودة
تحقيق: إيمان النجار
عدسة: شيماء جمعة
جلست إلى جوار ابنتها التى تعانى من نزلة برد وهى ممسكة بالتليفون فقالت لها "ادخلى على النت ده شوفى اللى ينفع من عند العطار للبرد بدل الأدوية الغالية".. دقائق عدة استغرقتها عملية البحث على الشبكة العنكبوتية، لتقول بعده الابنة "الوصفة بسيطة ورخيصة كمان".. لتقرر الأم النزول فى أسرع وقت لشرائها "لعله يكون فيها الشفاء".
الوقوف داخل أحد محال العطارة، كبيرا كان أو صغيرا، ذائع الشهرة أو محدودها، سيجعلك تنصت لمثل هذه التفاصيل، فهذا رجل أرهقه "الروماتيزوم"، وزادت آلامه الأسعار المرتفعة، وأوصلته إلى حافة الجنون أزمة "اختفاء الدواء"، فلم يجد أمامه إلا اللجوء لـ"وصفة العطار"، لعلها تشفيه، وهذه امرأة بعد أن وقعت فى براثن مرض الضغط، لم تجد حلا، سوى الاستماع لنصيحة جارتها لتجرب "وصفة الأعشاب" التى ستغنيها عن دواء الضغط، وترحمها من تعب "اللف" على الدواء فى الصيدليات التى ترفع شعار "الدواء ده مش موجود".
أمام محال العطارة، ستلحظ أيضا أن الجميع هنا سواء، فى المرض الذى أنهك أجسادهم، وحلم الشفاء، وإنهاك الأسعار التى ارتفعت فوق طاقتهم، واختفاء الأدوية التى تمنحهم دقائق راحة من الآلام المبرحة التى تضرب أجسادهم المنهكة.
مجرد أمثلة بسيطة ولكنها معبرة عن واقع يعيشه سوق العطار الآن، فدخول فئة جديدة من الفقراء ومحدودى الدخل بدأ مؤخرا بعد معاناة شهدها المرضى فى البحث عن أدوية غير متوفرة ومؤخرا فى زيادة أسعار الأدوية لتشكل هذه الفئة نحو30% زيادة فى القوة الشرائية، واختلف معها أيضا طبيعة الشراء، فبدلا من شراء التركيبة كاملة يتم شراء جزء منها حسب المبلغ المتوفر مع " الزبون ".
الواقع -حسب المتصلين بالمجال والمتخصصين- يحتاج لدراسة، فطب الأعشاب موجود لكنه يحتاج لدراسة وتقنين، وميزانية كبيرة للبحث العلمي، فهو فى الأساس ثروة يمكن استغلالها، لكن يبقى الوضع فى منطقة "الاستخدام العشوائى" للأعشاب، إلى جانب النصب بوصفات عشبية بدأت تجد طريقها إلى القنوات الفضائية بلا رقيب أو جهة تحاسب.. والضحية المريض الفقير.
سمير حراز.. شيخ العطارين، من جانبه عقب على اتجاه غالبية المصريين لـ"الأعشاب" بقوله: الإقبال على الأعشاب موجود من سنين إما لأفراد مثقفين ولديهم علم بأهمية الأعشاب أو أفراد يعملون فى قطاع الأدوية أو أطباء مقتنعين بدور الأعشاب، كما أننى أتوقع دخول فئات أخرى خلال الفترة المقبلة فى ظل ما نتابعه من ارتفاع فى أسعار الأدوية.
"حراز" الذى تحدث حول تأثر قطاع الأعشاب بالسلب على خلفية القرار الحكومى بتحرير سعر الصرف "تعويم الجنيه"، حيث ارتفعت الأسعار بنسب تراوحت ما بين 10إلى 20%، قال: فى مقابل الزيادة تلك هناك أصناف فى الدواء ارتفعت أسعارها بنسبة 100%، ومع ارتفاع الأسعار الذى نراه وطالما الفقر موجود فالأعشاب موجودة بجانب فئة المثقفين المدركة لأهمية الأعشاب، فمثلا المريض الفقير أو شخص على المعاش عندما يذهب ويجد أسعار الأدوية بهذا الشكل فسيتجه للأعشاب، وبجانب السعر إحدى الحالات قالت " لفيت على دواء ومش لاقيه، إيه اللى ممكن من الأعشاب يؤدى الغرض "، وهذا سبب آخر ".
وردا على كون الأعشاب ملاذ الفقراء فى الفترة المقبلة قال شيخ العطارين: ليس ملاذا بدرجة كبيرة،لأن هناك أمراضا كثيرة لا يمكن الاستغناء عن الأدوية، هذا إلى جانب أن الأعشاب لا تعطى نتيجة سريعة مثل الدواء، فمثلا مريض قلب يجب أن يتم توفير الدواء له، والأمر ذاته بالنسبة لمريض السكر الذى يعتمد على الأنسولين، وكذلك مرضى الأورام، وهناك أمراض أخرى تحتاج إلى تناول أدوية بمركزات معينة وبجرعات محددة ومتابعة طبية، وهذه الفئات لابد من توفير الأدوية لها حتى قبل الغذاء، وبالنسبة للأعشاب تفيد فى حالات بسيطة مثل الكحة، إسهال أو إمساك مزمن، تخسيس، تنعيم البشرة، تساقط الشعر وترطيبه، حصوات كلى، قولون عصبى أو غير عصبى، لكنها لا تنفع فى الحالات الحرجة والمستعصية، "فيروس سى" مثلا.
وحول "سر الوصفة" التى يقدمها التاجر لـ"الزبون المريض"، قال شيخ العطارين: الخبرة والدراسة تفيد فى تحديد إذا كان العطار يعطى للشخص الوصفة أم لا، وهنا أتساءل لماذا لا يتم تشكيل لجنة مشتركة من المراكز البحثية لتقييم واختبار الشخص الذى يريد العمل فى العطارة ويعطى له شهادة أو ترخيص للعمل؟.. بحيث لا تترك لسوء الاستخدام كما نرى فى أوقات كثيرة، فمثلا القول إن الأعشاب ليست لها آثار جانبية، فهذا أمر غير مطلق فأى شيء له آثار جانبية، لكن المهم هنا الجرعة المعطاة وبأى طريقة يتم تناولها، أيضا تقيييم مدى معرفته بأمور جمع النبات وطريقة تخزينه وصلاحيته وطريقة عرضه وأمور كثيرة لا يعرفها إلا شخص دارس.
"حراز" واصل حديثه بقوله: وعلينا أن ندرك أيضا أن الدواء سهل الاستخدام فالشخص فى أى مكان من الممكن أن يتناوله، أما الأعشاب فيرتبط استخدامها بطريقة تحضير أو ماء مغلى وهكذا، إذن لمصلحة الناس ومصلحة الاقتصاد المصرى أرى أنه لا بد من التركيز فى المراكز البحثية على الأعشاب والنباتات الطبية العديدة، لكنهم للأسف مازالوا عند أصناف تستعمل مثل الشاى والينسون والبردقوش، فالسؤال لماذا لا تدخل شركات الأدوية فى مستخلصات الأعشاب؟.. مع الأخذ فى الاعتبار أننا لدينا خبراء عملوا فى هذا المجال فى بعض الجامعات والمركز القومى للبحوث ومعهد البحوث الزراعية ومعهد بحوث الصحراء، ولماذا لا يتم التنسيق بين كل هذه الجهات؟ وتوحيد وتجميع المنصرف عليها أيضا والاستفادة بالجهد المبذول وتشكيل مجموعات عمل، والعمل على أصناف جديدة فمنذ 60 سنة والمراكز البحثية عملت على عائلة من الأصناف، فى حين توجد أصناف كثيرة غير معروفة للكثيرين، وهناك أصناف أعشاب ونباتات لم يتم تسميتها عالميا وبالتالى صعب الحصر العددى لها، لكن كل نبات له فوائد يجب دراستها، والمتداول فى مصر نحو 500 صنف.
وفيما يتعلق بالأزمات التى يعانى منها "سوق العطارة"، قال: المشكلة الأساسية التى نعانى منها هى دخلاء المهنة، بمعنى أن سوق العطارة يعمل فيه الكثيرون فقط 50 أو 60 منهم هم الذين يعملون بطريقة صحيحة، فى حين يوجد كثيرون يعملون بدون خبرة أو دراسة، ووصل الأمر إلى الإعلانات على الفضائيات بشكل مضلل للمرضى وهذا من قبيل النصب، فلا تجد لهم مكانا محددا أو عنوانا والقول إنهم سيصلون للعميل فى مكانه وهذا يشوه المهنة، وهنا على الشخص التعامل مع مكان مرخص وليس مع شخص يبيع على الرصيف أو فى شقة مجهولة فكلها أمور غير منضبطة.
فى سياق ذى صلة، قال محمد حسين أبو موسي، عطار: بدأنا خلال الأشهر الأخيرة بعد قرار تحريك الأسعار فى مايو الماضي، ثم القرار الأخير بزيادات أخرى مقبلة، نرصد دخول فئة جديدة لمستخدمى الأعشاب بسبب إما نقص الأدوية أو ارتفاع سعرها بعد شهر مايو الماضي، وكذلك مع ارتفاع الأسعار فى السوق عموما؛ ليصبح الدخل موزعا على هذه الارتفاعات، فبدأ البعض يبحث عن بديل الأدوية بأسعار أرخص، وأثر هذا فى زيادة القوة الشرائية بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30 %، وبدأنا نسمع أسبابا من المرضى أنفسهم بأنهم يبحثون عن بديل أرخص فعندما يذهب لشراء مضاد حيوى يجده بنحو مائة جنيه، فنجده يسأل عن بديل مثل زيت بذرة الكتان، أو يبحث فى الانترنت عن بديل لدواء معين وجملة من أم لا تعلم القراءة والكتابة ووجدت ابنتها تبحث فى الإنترنت فقالت لها " شوفى ايه اللى ممكن نجيبه من العطار يغنينا عن الأدوية " وكانت تعانى من نزلة برد، فوجدت وصفة من عسل نحل وزيت حبة والبركة وعملت مقارنة بينها وبين الأدوية ووجدت الفارق شاسعا فاتجهت للوصفة.
"أبو موسى" أوضح أيضا، أن "مثال الأم هذه يتكرر باستمرار، فمثلا فتاة تريد شامبو للشعر تجده بخمسين جنيها والبديل لدينا بنحو 30 جنيها بجانب أنه من الزيوت الطبيعية، أيضا مرطبات أو كريمات لتفتيح البشرة فالعبوة من الصيدلية 50 أو 60 جنيها ويكون السؤال لنا " إيه اللى ممكن يدينى نفس نتيجة الكريم وأرخص "، فيكون البديل ترمس بلدى معجون بماء ورد وتفرد على البشرة ويعطى نتائج خلال الأربعة أيام الأولى، مثال آخر لفتاة تعانى من حبوب تظهر مع الدورة الشهرية تترك أثرا فى البشرة لها وصفة أرخص من الكريمات وتكون وصفتها تفاحة مستوية مضروبة فى الخلاط ويتم استخدام ماء التفاح بعد تصفيتها ويضاف لها نصف معلقة جلسرين ومعلقة دقيق ونصف معلقة نشا ثم تفرد على البشرة نصف ساعة لمدة أسبوع تعود بشرتها كما كانت بتكلفة لا تذكر مقارنة بالكريمات.
كما قال: مؤخرا أصبح ارتفاع أسعار الأدوية سببا مباشرا لمجئ البعض، وأذكر سيدة لديها أربعة أولاد وزوجها متوفى، ولا تمتلك المقدرة على تحمل مصروفات العلاج فاتجهت للأعشاب، وهناك أيضا زبون آخر يعانى من بواسير والعلاج مكلف ويريد وصفة مسكنة لحين إتاحة الفرصة؛ ليجرى جراحة فهذا متوفر ولكنه ليس بديلا عن الجراحة.
"أبو موسى" كشف أيضا ما يمكن وصفه بـ"مواسم بيع الأعشاب"، حيث قال: "مواسم البيع مقسمة حسب فصول السنة الأربعة، فمثلا فى هذا التوقيت من الطبيعى أن نجد إقبالا على وصفات البرد والكحة وأمراض الشتاء، لكن نرصد تزايدا للطلب بمعنى أننى كنت أعمل فى 10 كيلو، أصبحت أعمل فى 20 كيلو على أساس توافره بحيث لا يأتى عميل ولا يجد طلبه، لكن فى نفس الوقت الأعشاب هى الأخرى ارتفعت أسعارها للاعتماد على الاستيراد، وهذا أدى لارتفاع أسعار الوصفات، فمثلا وصفة البرد كانت بعشرة جنيهات أصبحت بـ 20 جنيها، تركيبة للشعر كانت بـ45 جنيها أصبحت بـ 75 جنيها، تركيبة للديدان كانت بـ 25 جنيها أصبحت بـ60 جنيها وهكذا، لكن الميزة أننى أتعامل بالوزن بمعنى أن الزبون قد لا يأخذ كل التركيبة، أو يأخذها على مرات، ورغم أننى كنت أرفض هذه الطريقة فى البيع من قبل، وكنت أبيع التركيبة ككل، إلا أنه مع ارتفاع أسعار ورغبتى فى عدم انصراف الزبون أو العميل بدأت أبيع بهذه الطريقة، فبعد أن كنت أعمل على خمسة زبائن، أصبحت أنتظر 15 زبونا، وبدلا من العمل لمدة ست ساعات أعمل لمدة 9 ساعات لإعطاء فرصة لدخول زبائن أكثر لتعويض فرق طريقة البيع، فالزبون لم يعد يدفع ما كان يدفعه من قبل، فما كان يدفعه عشرة زبائن فى جرعات أو تركيبات كاملة أصبح يدفعه 20 زبونا فى أجزاء من التركيبات، بخلاف تغير طريقة البيع.
وعن الموقف داخل السوق، على خلفية ارتفاع سعر الدولار، قال: اتجهنا لاستخدام الأعشاب المصرية " المحلية " كبديل للعشب المستورد بعد ارتفاع أسعار مع ارتفاع سعر الدولار وتقليل أعداد الأعشاب المستوردة بنسبة وصلت إلى 80 %، فبعد أن كنا نستورد 700 صنف نستورد 100 صنف.
"أبو موسى العطار"، أنهى حديثه بتقديمه شرحا تفصيليا لنوعية "زبون العطار"، وقال: الزبون المتردد على العطار إما زبونا لديه معرفة وهى فئة متجهة للأعشاب من سنوات وهى الفئة المثقفة والمقتنعة بفعالية الأعشاب وأنها آمنة وآثارها الجانبية قليلة مقارنة بالأدوية، أو زبونا يريد تركيبة معينة، وهناك أيضا زبون يأتى بناء على تجربة صديق أو جار ويجهل الموضوع ويريد أن يفهم، وآخر يأتى وهو خائف من العطار، وهنا أسلوب العطار وطريقته وخبرته هى التى تحدد إما سيعتمد عليها أم لا.
من جهته، قال د. سعيد شلبى أستاذ الباطنة، مؤسس قسم الطب التكميلى بالمركز القومى للبحوث، نائب رئيس أكاديمية البحث العلمى السابق: مع ارتفاع أسعار الأدوية ومع نقص بعض الأدوية، فأحيانا نرصد اختفاء أدوية وبعد ذلك يرتفع سعرها، ومع التسعير الذى حدث مؤخرا زاد سعر ربع الأدوية المتداولة فعليا فى السوق، وبالتالى أصبحت تكلفة الدواء بالنسبة للمريض مرتفعة مقارنة بدخله، فمن كان معتادا على إنفاق 200 جنيه شهريا للأدوية سوف يرتفع هذا الرقم إلى 300 أو 400 جنيه، فى حين أن دخله لا يسمح بهذه الزيادة، لذا تتجه هذه الفئة لمحلات العطارة للبحث عن بدائل لهذه الأدوية وحل للمشكلة التى أصبحت تواجههم، لكن هذا لا يصلح مع كل الأمراض، فمثلا مرضى القلب والسكر المعتمد على الأنسولين وأمراض السرطان وغيرها من الأمراض تعتمد على الأدوية فى علاجها وهنا يجب الحرص على الذهاب إرشادات الطبيب.
"د. سعيد" أوضح أيضا أن " هناك أمراضا مثل الإمساك المزمن والذى يحتاج لفترة علاج طويلة فتوجد نباتات ملينة مثل " السنامكى " بدلا من الأدوية الملينة، أيضا بعض أنواع الكحة توجد نباتات طبية تفيد فيها وفى حالات لا تفيد، وبالتالى الذهاب للطبيب لا غنى عنه لأن الكحة ممكن تكون عرض لمرض آخر، كما الأعشاب تفيد أيضا فى حالات مثل الإسهال، التخسيس، النحافة بعض حالات الروماتيزم والبهاق وأمراض أخرى، وتختلف نتائج العلاج حسب نوع المرض واستجابة المريض، فمثلا علاج السكر من النوع الثانى تفيد فيه بعض النباتات مع بعض المرضى ومرضى آخرين لا يفيد معهم، أيضا تتوقف النتائج على الشخص الذى قدم الوصفة للمريض، وتحديدا أنه متخصص ودارس أم هو عطار ليس لديه خبرة ويتعامل مع الأمر كتجارة.
وعن الأزمات التى يمكن أن تنتج حال الاستعاضة بـ"الأعشاب" عن الأدوية، قال: مشكلة العلاج بالأعشاب تظهر بسبب بعض العطارين فبعضهم لا يمتلك خبرة كافية، ولم يدرس شيئا، وهذه النوعية تقع فى أخطاء مسميات الأعشاب، فمثلا فى كتب الطب القديمة مسجل نبات أو عشب معين لعلاج الورم والمقصود به هنا " التورم أو الانتفاخ " وليس السرطان، والمسمى هنا قد يجعل إعطاء العطار هذا النوع لمريض سرطان وهذا يشكل خطورة عليه وتتدهور حالته لعدم الحصول على الدواء المناسب، أيضا نبات معين يزيل اليرقان أو الصفراء وهذا يستخدمه عطارون لعمل تركيبات لعلاج مرضى الكبد وهذا خطأ أيضا، وبالتالى التعامل مع الأعشاب والنباتات الطبية يحتاج إلى شخص لديه خبرة من خلال الدراسة، فى حين أن عددا كبيرا من العطارين يكونون من حملة المؤهلات المتوسطة أو غير متعلمين وليسوا دارسين للطب، وهذا يجعلهم يقعون فى أخطاء تضر بالمريض.
بجانب أخطاء مسميات الأمراض أو النباتات - والحديث لا يزال لـ"د.سعيد"- توجد أمور تتعلق بمعرفة العطار بطرق التخزين السليمة وصلاحية العشب، والجرعة الصحيحة وطريقة تناول العشب فكلها أمور لا يمكن الجزم بسلامتها مائة فى المائة مع كثير من العطارين.
وحول قسم "الطب التكميلى"، قال: القسم بالمركز القومى للبحوث عمره نحو 15 عاما وبه مجموعة متميزة من حملة الماجستير والدكتوراة المهتمين بالطب التكميلى ويشمل العلاج بالأعشاب والإبر الصينية والتغذية العلاجية وعلاج الآلام، ونظرا لمرور فترة قصيرة على صدور تسعيرة الدواء فلم نرصد تزايد الإقبال بسبب أسعار الأدوية، لكن من يرصده العطارون، لأن المريض عندما لا يجد الدواء أو يجده بسعر مرتفع يتجه للعطار.
وفيما يخص الآراء المناهضة للعلاج بالأعشاب، قال: أصل الأدوية فى الأساس أعشاب ويوجد نحو مائتى صنف على أرفف الصيدليات أصلها أعشاب وتوجد شركات كبيرة ومعروفة تنتجها، والنباتات الطبية من وقت توافر الأدوية وهى موجودة فى مصر، موجودة فى شكل أقراص أو فوار أو أكياس تباع فى الصيدليات ، كما أن الطب التكميلى فى مختلف دول العالم موجود وحقيقة حتى فى الدول المتقدمة، ولكن بنوع من التقنين فمثلا فى دولة مثل الهند والصين توجد كليات للطب التكميلى خريجها لا يطلق عليه طبيبا ولكن يطلق عليه " معالج "، ودولة مثل السعودية يوجد قطاع فى وزارة الصحة لشئون الطب التكميلي، وفى الدول المتقدمة مثل فرنسا وأمريكا توجد دراسات عليا فى هذا التخصص وتمنح شهادات للعمل بها، وهذا كله معناه أن الطب التكميلى حقيقة ويعطى نتائج والدليل أنه فى مركز حكومى وهو المركز القومى للبحوث يوجد قسم له وكذلك فى بعض الجامعات المصرية هناك أعضاء هيئة تدريس حصلوا على ماجستير ودكتوراه فى هذا التخصص منها جامعة طنطا، وفى جامعة قناة السويس وكنت مشرفا على أربع رسائل ماجستير ودكتوراه فى الطب التكميلي.
وعندما وصل الحديث إلى الدور الذى يجب أن تؤديه وزارة الصحة، قال: الواقع يستدعى ألا تضع الوزارة رأسها فى الرمل، وأن تعترف بوجود الطب التكميلى الموجود فى العالم كله وليس مصر فقط، وأن تتعامل مع هذا الواقع وتضعه فى الاعتبار، إلى جانب أهمية أن يتم تقنين الوضع بحيث نتجنب إساءة استخدام الأعشاب من قبل البعض ولا نتركه للعطارين غير الدارسين، ومحاولة الاستفادة من هذا العلم بالاعتماد على ذوى الخبرة فى الجامعات المصرية والجهات البحثية المختلفة والاعتماد عليه كمساعد لوزارة الصحة فى علاج الأمراض بدلا من الوقوف ضد هذا الاتجاه، خاصة مع ارتفاع أسعار الأدوية المتوقع والاعتماد على الاستيراد.
د. سعيد شلبى، أنهى حديثه بقوله: لابد من اللجوء للخامات المحلية والنباتات الطبية والاتجاه للاستثمار فى زراعة النباتات الطبية، وبالأخص شركات الأدوية الوطنية، بحيث يتم الإنتاج الجيد والتصنيع الجيد للنباتات الطبية، فإذا أنشأت الشركات قسما لإنتاج النباتات الطبية والاتجاه لصحراء مصر وهى أرض بكر ليس بها ملوثات أو مبيدات، ومن الممكن الاتجاه للتصدير أيضا، فمثلا محافظات الصعيد مثل أسوان وقنا نحصل منهما على أجود أنواع الكركديه والدوم، فالمناخ فى الصعيد ملائم للنباتات الطبية، لذا ندعو شركات الأدوية للتوسع فى الاستثمار فى هذا التخصص، مع العلم أنه يوجد نحو مائتى منتج أعشاب فى الصيدليات ومسجل كمكمل غذائى فى شكل كبسولات أو فوار أو شراب، وهى فى الأساس أعشاب ونباتات طبية، وعند قراءة النشرة فى العبوة نجد مكوناتها أعشاب مثل ينسون وورق جوافة ونعناع وهكذا، إذن لماذا لا نتوسع فى هذا الاتجاه؟.. خاصة فى الأمراض والأدوية البسيطة بالاعتماد على النباتات الطبية المنتجة فى مصر، كما أن تقنين استخدام الأعشاب هنا مهم لتجنب أخطاء العطارين، كذلك مفيد فى حالات مرضية لا تحتمل الآثار الجانبية للأدوية الكيماوية.
من جانبه قال د.هشام عطية الشخيبي، رئيس قسم الفارماكولوجى الطبية بطب القاهرة، مدير المركز القومى للسموم السابق: بداية لا يمكن القول بأن الأعشاب تتخذ بديلا عن الأدوية، الأعشاب تلعب دورا بجانب الأدوية، ولا يزال استعمالها محدودا لأنه لا توجد متابعة ورقابة للجرعات والأعراض الجانبية، فالطب الشعبى فى الغالب يؤخذ بالفطرة، والدراسات فيه محدودة، كما أن الأعشاب من الممكن أن تفيد فى حالات، وتضر فى حالات أخرى، فإذا حصل مريض على أعشاب للكحة وهو يعانى من مشكلة فى الكبد قد تتدهور حالته، لكن من الممكن لشخص سليم أن يتناول نفس العشب ويشعر بالتحسن، واتجاه المريض من نفسه للعطار للسؤال عن البديل الشعبى ليس صحيحا.
وعن تبرير البعض بأن اللجوء للأعشاب تم على خلفية الزيادة التى يشهدها سوق الدواء، قال: ارتفاع أسعار الأدوية من الممكن مواجهته بوسائل أخرى، فمثلا من الممكن أن يصف الطبيب -وهو يكون على علم بالحالة الاقتصادية للمريض- يصف البديل الأرخص من الأدوية، ولدينا من البدائل كثير وبمختلف الأسعار وبنفس الفعالية ونفس التركيبة بدلا من كتابة الدواء الأصلى للشركة يكون غالى السعر، أيضا من الممكن تقليل عدد أصناف الأدوية فى الروشتة من خلال وجود أدوية تؤدى أكثر من تأثير ولو الطبيب مطلع على تركيبات الأدوية سيكون الموضوع سهلا، فمثلا يوجد دواء مذيب للبلغم وآخر موسع للشعب وثالث مذيب وطارد للبلغم وموسع للشعب فكتابة النوع الثالث أدت غرض النوعين الأول والثانى وأرخص، خاصة أن رفاهية شراء الدواء ستكون محدودة مع ارتفاع الأسعار، فلابد من وجود حلول بديلة للظروف الاقتصادية الموجودة، لكن استبدال الأدوية بالأعشاب صحيا غير صحيح ".
د. "الشخيبى" استطرد قائلا: الدكتور يتعامل مع المريض ليس كحالة ولكن يتعامل معه كإنسان فمثلا مريض يعانى من الكحة لا يكتب له فقط دواء للكحة، لأنه من الممكن أن يكون المريض ذاته يعانى من أمراض أخرى كـ"الضغط، السكر، أو الكبد"، وهنا العشب قد يفيد فى علاج الكحة لكنه - فى الوقت ذاته- يكون ضارا بالأمراض الأخرى، فمثلا حبة البركة مفيدة جدا فى حالات كثيرة منها من يعانى من ربو شعبى والتهابات فى الشعب الهوائية وغيرها، ومن الممكن أن يأخذه الشخص ويتحسن، وشخص آخر يعانى من الربو الشعبى أيضا ولكن يعانى فى نفس الوقت من مشاكل فى الكبد تتدهور حالته الصحية العامة لأنها زيوت وتعتبر عبئا على الكبد، فطب الأعشاب ينفع فقط فى بعض الحالات البسيطة التى لا تعانى من مشاكل مركبة، فمن الممكن أن ورق الجوافة أغليه ويتم شربه للكحة ومفيد لمن يعانى من كحة فقط وليس مشاكل أخرى، والفصل هنا يكون للطبيب هو الذى يحدد كون الحالة بسيطة أم مركبة، وليس أن يتجه المريض من نفسه أو أن العطار يعطيها، فالعطار لن يوقع الكشف عليه، فالمريض قد لا يعلم بكونه حالة مركبة، فمثلا مريض يعانى من الكحة فأثناء كشف الطبيب يجد ضغط المريض مرتفعا وهو لا يعلم، كما أن العطار لا يعرف الجرعة المحددة، وهذه أمور لا يجب أن تكون عشوائية ".
وفيما يخص "طب الأعشاب" والمطالبة بالاهتمام به فى مصر، قال: طب الأعشاب لا يزال حتى وقتنا الحالى غير مدروس سواء فيما يتعلق بحجم الجرعات، أو المدة المحددة لها، أو الأعراض الجانبية، فتوجد أعشاب قد تضر السيدة الحامل وتسبب انقباضا فى الرحم أو إجهاضا، ولا يزال طب الأعشاب فى مراحل بدائية جدا، فى مقابل دول متقدمة جدا مثل اليابان والصين، لكن فى مصر الأمر يحتاج إلى نظرة أو اتجاه لدراسات متعددة، كما أن دراسة الأعشاب موجودة وطبيعي موجودة لأننا فى الأساس نستخلص منها بعض كبسولات الـ " جارلك "، فدراسة الأعشاب لمعرفة المادة الفعالة الموجودة بها، والتى ممكن استخلاصها وتصنيعها ويأخذها المريض بجرعات محددة وبطريقة صحية ولا تكون مخلوطة بمواد أخرى، كما أنه فى حالات بيع الأعشاب يحدث غش كثير جدا فمثلا الترويج لأعشاب تعالج السكر بتحليلها تبين أنه يتم خلط الأقراص التى تعالج السكر فى الخلطة العشبية.
وتابع قائلا: طب الأعشاب أحد فروع الطب البديل وهو مهم جدا، لكن يحتاج لدراسات بحيث يسير وفق برتوكولات طبية، بحيث يكون تناوله بجرعات محددة ومدروسة، فالنباتات الطبية تعد ثورة يجب استغلالها، لكن ذلك يحتاج بحثا علميا بشكل كبير وهذا يتطلب ميزانية كبيرة تخصص للبحث العلمي، فالتحرك فى هذا الاتجاه يحتاج بحثا علميا فهل متوفر فى الجامعات والمراكز البحثية لأن البحث فى المعامل مكلف، والتحرك هنا محدود نظرا للميزانية المحدودة، لكن لو توفرت ميزانية سيكون هناك دور جيد لطب الأعشاب، وهنا لا يجب رفض طب الأعشاب رفضا مطلقا لأنه تخرج منه الأدوية وكثير من الأدوية مثل المغص وعلاج عضلة القلب وأدوية الكحة والمسكنات والمضادات الحيوية هذه أمثلة فقط فكثير من الأدوية تخليقها الأساسى أعشاب ثم التخليق الكميائى فى المعامل مرحلة أخرى، لكن محتاج تقنين ودراسة ويجب ألا يترك استخدامه بشكل عشوائى".
د. الشخيبى - فى سياق حديثه- حذر من الانسياق وراء إعلانات الفضائيات المضللة عن الأعشاب، وقال:" الدواء إما حاصل على ترخيص من وزارة الصحة أو مكمل غذائى وله ترخيص أيضا من المعهد القومى للتغذية، لكن ما نسمعه فى إعلانات يجب تجريمه ولابد من محاسبة القائمين على هذه القنوات والمعلنين لأنها فيها تضليل للناس، والجزء المهم أيضا أن العطار لا يمكن أن يكون بديلا للأدوية، فالخطورة ليست فقط فى الحالات المركبة كما قلت، لكن هناك أعشابا مسممة، فتوجد فطريات مسممة، ومنها ما قد يحدث ضرر قد يصل لنزيف فى المخ، لذا موضوع الأعشاب لا يجب ألا يؤخذ بشكل عشوائى وبدون دراسة ".
نقلا من مجلة المصور