"مقاهى المثقفين".. الهموم أمُّ الإبداع
"مقاهي
المثقفين" ليست مقهي بالمعنى المفهوم لدى الكثيرين، بقدر ماهي مُلتقيات وندوات
ثقافية، في ظل غياب دور وزارة الثقافة. "المثقفون" وجدوا فيها أماكن
لطرح نقاشتهم، لتكون هذه المقاهي سياسية بامتياز، منها دائماً كانت نتظلق الشعارات
السياسية والمظاهرات، تلك المقاهى شهدت جلوس كل رموز مصر الثقافية بدءاً من نجيب
محفوظ، لأصغر شاعر يحبو فى بداية الطريق، وشهدت مولد العديد من القصائد والكتب
والروايات.
ففي
المسافة بين باب اللوق والإسعاف مروراً بطلعت حرب تتناثر مقاهى المثقفين وهى
كالأشخاص منها الشعبى المفتوحة على الشارع مثل “زهرة البستان و"الندوة
الثقافية”، ومنها مقهى “ريش" و"الجريون”، ومنها ذات الطابع الحكومى
والدخول بعضوية المكان مثل “الأتيليه”، ومنها ما يجمع بين المقهى والمطعم مثل
“جروب والإكسليسيور”، ومنها ما أغلق مؤقتاً مثل “على بابا” في قلب ميدان التحرير. أما
“إيزا فيتش” فقد اختفت كما اختفت قهوة “ماتانيا” فى العتبة!.
"المصور"
زارت هذه المقاهي للتعرف عن ماذا يدور فيها من أحاديث؟.
فى
مقهى “الندوة الثقافية”، وكانت شهدت جلسات الشاعر فاروق شوشة وأصدقائه، والناقد
الراحل المبدع فاروق عبد القادر والروائى علاء الأسوانى وغيرهم، ينتشر الشباب من
الجنسين، والشيشة صديقي أساسي لجميع الفتيات قبل الشباب، الشباب يشربون الشاى
الأسود والقهوة والفتيات يطلبن إما شاى بالنعناع أو نسكافيه عادة.. مجموعات الشباب
على هذا المقهى دائما ما يعزفون الموسيقى، وأحاديثهم عن الفن والموسيقى، والأوضاع
السياسية.
وفى
مقهى “الحرية” المجاور، كان حديث تجمعات الشاب عن كرة القدم، وكان الحديث في
السياسة محدود جدا. أما في مقهى “زهرة البستان” والذي يشهد صباح كل يوم جمعة ندوة
ثقافية أبرز حضورها الروائي إبراهيم عبدالمجيد، ومكاوى سعيد وهى ندوة تمتد إلى ما
بعد الثانية ظهرا. الأحاديث الجانبية بين الشباب إما فى ترتيب نشر كتاب أو الشكوي
من مدير سلسلة ثقافية حكومية في نشر ديوان شعر أو رواية، والأحاديث دائما عن
ارتفاع الأسعار التي تتأثر بشكل يومي بسعر الدولار.
وفى
“الجريون” الوضع مُختلف وهو مقهى ومطعم، يقع خلف مسرح قصر النيل في ممر بين عمارات
قديمة ويشهد خاصة يومى الثلاثاء والخميس حركة ثقافية وفنية وتمتد للفجر، في هذا
المكان جالست الشاعر سيد حجاب بالأول مرة في مطلع التسعينيات ،والآن ترى وجوه
الكتاب والفنانين المعروفين من محمود حميدة وحمدى الوزير ومنى حسين وانتصار ومحمد
سلماوى وجورج إسحق وجورج البهجورى.. وعلى حد قول مديره العراقى منذ 1992 المثقف
“سهيل العانى” ابن الأعظمية في بغداد: “كل المثقفين المصريين والعرب مروا من هنا..
أدونيس والبياتى ومحفوظ ومحمود درويش وسميح القاسم وحجازى وعفيفى مطر..”.
ومن
السياسيين “حمدين صباحى وخالد على وجميلة إسماعيل وأبو العز الحريرى وكل ألوان الطيف
عدا التيار الإسلامى".. وكل الإعلاميين يترددون على المقهى من نقيب الصحفيين يحيى
قلاش إلى المترجم طلعت الشايب وإبراهيم عيسى وحمدى رزق ووائل الإبراشى ومحمود سعد
وغيرهم.. “الجريون” حقق لرواده الخصوصية؛ لكن أسعاره من عشرة جنيهات لكوب الشاى
فما فوق، وبذلك فرواده فئة معينة من الكتاب والفنانين والمثقفين المعتبرين
والمستورين.!
الشيشة
أيضاً قاسم مشترك في المشهد والأحاديث شديدة الخصوصية، فنانة تتفق مع مخرج على
دورها فى مسلسل أو مجموعة أصدقاء التقوا لتكوين جماعة أدبية، أو محرر صحفي التقى
بكاتب كبير لإجراء حوار له.. كل ألوان الطيف موجودة والأحاديث من الثقافة والفن
للأسعار والسياسة، لا سقف للكلام الصاعد مع دخان الشيشة.
وما
أن نعبر الشارع إلا ونجد “الآتيليه” بشارع كرم الدولة من طلعت حرب والمواجهة لمقر
حزب التجمع، وهذا المكان ملتقى الأدباء والرسامين ولكنه بعضوية سنوية واشتراك رمزى،
وكذلك أسعاره شعبية أما جل أحاديثه فهى فى الأدب.. الشعر والقصة والرواية والنشر.
وهناك
مقهى “التكعيبة” الشعبى ملتقى الشباب الصغير من الأدباء. أما مقهى “ريش” العريق
الذى يزيد عمره على مائة سنة، وشهد جلسات محفوظ وخيرى شلبى ويوسف أبو رية وعلى سالم،
كانت معظم الوجوه لسيدات ورجال غير مصريين ويبدو أنهم أوربيون.. ولما سألت صاحبة
المقهى “مدام سامية” عن ذلك قالت: هؤلاء
إما من المراسلين الأجانب أو المترجمين الأجانب أو من السياح المارين بالقاهرة
ويعشقون وسط البلد لأنهم هنا يجدون الخصوية والمشروبات التى يريدونها مع وجودهم
وسط الشارع والتجوال الحر.. وأضافت: كان الراحل على سالم أخر من يجلس على المقهى
مع رفاقه قبل تجديد المقهى وحالياً الروائى إبراهيم عبدالمجيد لابد أن يمر من هنا
لأنه من “رواد المقاهى المخضرمين”.ختاماً يقول الروائى المبدع إبراهيم عبدالمجيد: كانت
مقاهى المثقفين زمان مراكز أدبية حيث عاصرت فى “ريش وعلى بابا” فى نهاية الستينيات
ومطلع السبيعينات صدور بيانات سياسية عن المثقفين وظهور حركات التجديد أما الأن
فالأمر اختلف وصارت القعدات للضحك والهزار ومجرد أن نرى بعضنا بعضاً ولم تعد هناك
مناقشات أدبية والحديث فى الشأن العام وإن كثيراً فهو مجرد تخفيف عن النفس وفضفضة.