حد الاعتدال .. و التوسط .. و الجور
إن الإعتدال الحكيم ،والتوسط القويم جاء فى شريعة الإسلام ، ليعلم البشرية
كيفية بناء مجتمع سوى، يبدأ ببناء الفرد كخليفة لله فى الأرض , ساعياً فيها كيفما
يشاء، فى إطار العبودية الخالصة لله عز وجل ،أمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر ،
بالحكمة والموعظة الحسنة،وبذلك تتكون اللبنة الأولى لأستقامة الحياه وسعادة من
فيها ،فتتأكد الفضيلة التى يأخذها الأبن عن أبيه، والزوجة عن زوجها،والتلميذ عن
أستاذه ،والجاهل عن العالم،ولذلك يجب على كل قدوة من هؤلاء إتخاذ موقف الصلاح ،
لأنه إذا تكون مجتمع أو جزء فيه من مجموعة حمقى أو جهلاء ،فكونوا صفاً، حين إذاً
لا نسأل عن الحق واهله ،لأن هؤلاء المؤتمنون من قبل المولى عز وجل مصداقاً لقول
المصطفى - صلى الله عليه وسلم- (إن لربك عليك حقا ،ولنفسك عليك حقا ،ولأهلك عليك
حقا،فاعط كل ذى حقًٍ حقه) وقال أبن حزم :"حد الإعتدال : أن تعطى من نفسك
الواجب وتأخذه، وحد الجور:أن تأخذه ولا تعطيه" ولصلاح النية فى الإسلام
شأناًعظيم، وشرطاً لقبول أى عمل مهما كان يسيراً، فيؤجر المسلم على صلاح نيته فى
العمل، وإن لم يفعله ،فنبه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – قائلاً (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى)
كما أن عبادة المسلم لربه قسمها السلف الصالح لثلاثة أقسام : "عبادة العبيد"
وتكون بعباده المؤمن لربه خوفاً منه ،و"عبادة التجار" وتكون بعبادة
المؤمن لربه لطلب الثواب والجنة ،و"عبادة الحرار" وتكون بعبادة الؤمن
لربه حياءً منه ،ولذلك قال الغزالى- رحمه الله- :" العبادة مع الرجاء أفضل
،لأن الرجاء يورث المحبة ، والخوف يورث القنوط" ،ولكل هذا فإن الإسلام لازال
ينتشر فى أرجاء العالم دون أى اجبار ،على الرغم من الهجوم الشرس عليه،وضعف وسائل
المسلمين لتبليغه و تعريفه على الوجه الصحيح ،كما ساعد فى ذلك ما كشفت عنه الأحداث
المتواتره، من عجز مختلف النظم الوضعيه فى تحقيق الأمن والسعادة للبشريه ،وذلك
راجع لأهتمامهم بالجوانب المادية بالنفس البشرية ،وأهمالهم الجوانب الروحيه والسلوكية
لتأصيل الفضيله ،وبهذا أنفرد النظام الإسلامى دون سائر تلك النظم الوضعية بتحقيق
التوازن الإجتماعى والإقتصادى وغيرهما من التوازنات بين أفراد المجتمع الواحد،وما
بينه وبين دول العالم من حوله، حتى يتم توزيع الثروات بالعدل ، فلا يملك أفراد أو
دول ثراوت طائلة وآخرون فقراء معدومون لا يملكون قوت يومهم، فنبه المولى عز وجل
لذلك بقوله(كى لا يكون دوله بين الأغنياء منكم) (الحشر 7 )