«البيه الشَّحَّات».. التسول على الطريقة الحديثة
كتب- علي عقيلي
ما إن تستقل إحدى وسائل المواصلات العامة؛ حتى تجد سيدة منتقبة ترتدي عباية سواء "شيك"، وتحمل حقيبة جلد سوداء، تصعد الحافلة في صمت، تبدأ في توزيع ما لديها من أوراق، تضعها في يديك، أو على ساقيك، أو كتفك، ثم تعود لتجمعها أيضًا في صمت، وربما ترمقك بنظرة شكر على ما وضعته لها في ورقتها.
الورقة الصغيرة مكتوب فيها؛ أنها سيدة أرملة، أو أنها متزوجة، وزوجها تعرض لحادث، فقد على إثره قدرته على الحركة، وأنها تقطن في أحد الأماكن الفقيرة بـثلاث مائة جنيه، ولديها ثلاثة أطفال في مراحل التعليم المختلفة، وأمها تقيم معهم في نفس الشقة المتواضعة، وأحيانًا أخرى حماتها، وتحتاج إلى المساعدة، كما تختم الورقة سطورها بأحد أحاديث النبي "صلى الله عليه وسلم"، عن تفريج الكرب، ومساعدة المحتاج.
وهنا ينبري أرقاء القلوب يخرجون ما في جيوبهم من "فكة" لمساعدة هذه السيدة المحتشمة؛ مصدقين ما حملته لهم الرسالة الصامتة من عبارات ينفطر لها القلب، وتتداعى لها دموع العين، مع أنه يقرأ ذات العبارات من سيدات مختلفات في السن، مع كل رحلة ذهاب وإياب كل يوم، وربما أكثر من مرة في اليوم الواحد.
وأحيانا تصعد فتيات في عمر الزهور، ترتدي حجابًا، وتلبس أيضًا زيًّا محتشمًا، وتوزع على الجالسين أوراقًا تقول؛ اسمي "فلانة"، وغالبًا ما يكون اسمًا إسلاميًّا تراثيًّا، ووالدي متوفى، وأنا وأمي المريضة التي تحتاج إلى علاج، وأخواتي الثلاثة في مراحل التعليم المختلفة، ونسكن في شقة إيجار بثلاث مائة جنيه، ونحتاج إلى مساعدة، وكما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – "أنا وكافل اليتم كهاتين في الجنة".
يتكرر هذا السيناريو كل أربع محطات تقريبًا، تنزل واحدة، وتعد أخرى في المحطة التالية، وهكذا طوال رحلة الذهاب والإياب.
أصل الحكاية
بوابة "الهلال اليوم" حققت الظاهرة، والتقت إحدى السيدات عند صعودها أحد "أتوبيسات" النقل العام، بعد أن قامت بتوزيع أوراقها، وانتهت من جمعها، ووضعت ما جمعته من نقود في حقيبتها الجلدية، قالت إنها ترتدي النقاب؛ حتى لا يتعرف عليها أحد، وتوزيع الأوراق دون أن تطلب من أحد عن طريق الكلام أصبح من أصول "الشغلانة"؛ حيث إن هذه الطريقة تكون أكثر تأثيرًا من خلال عبارات مؤثرة تتعلق بالأم المريضة، والأب العاجز، والبنات واحتياجهم للمال في مراحل التعليم المختلفة، و خاصة أن إحداهما في الثانوية العامة، والشخص الذي يعملون معه هو الذي يعطيهم الأوراق، ويحدد لهم الأماكن التي يسرحون بها، مؤكدة أن "الوردية بقت بتوصل 300 جنيه.
وقالت أخرى لـ"الهلال اليوم"، إنها تفضل "الشحاتة" مع نفسها، ولا تعمل مع أحد، وهي متزوجة، ولديها طفل وزوجها لا يعمل، وأن حصيلة اليوم الواحد يبلغ (100)، وعن ارتداء العباية والنقاب، أوضحت أن هذا الزي المحتشم النظيف يعطي رسالة بأن هذه السيدة ليست "شحّاتة"، وأنها اضطرت إلى مد يدها تحت ضغط الظروف المادية؛ وبالتالي تكون نسبة التعاطف أكثر.
تنظيم الحرفة
ورصد باحث اجتماعي، رفض نشر اسمه، عملية تنظيم التسول موضحًا أن الذي يقوم عليها "البلطجية" كل في مكانه؛ حيث يحددون أماكن الشحاتين، أو يقوم بدفع "أرضية للمكان"، كما يقومون باستغلال النساء اللاتي ليس لهن مأوى جنسيًّا؛ حتى يحكم السيطرة عليهن، لافتًا إلى أن "بلطجي المكان" يقوم بالمرور
على الشحاتين كل ساعتين تقريبًا؛ ليأخذ ما تم جمعه من مال.
تطور فن التسول
الدكتورة هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع بجامعة الزقازيق أوضحت أن فن التسول يتطور طبقًا لتطور الثقافات في المجتمعات باعتباره ظاهرة اجتماعية يتخذ أشكال مختلفة للوصول إلى النتائج المرجوة.
وأوضحت "زكريا" أن المتسول أصبح نظيفًا يرتدى الملابس الأنيقة، وتخلى عن الملابس الرثة، طبقًا للتطور المجتمعي؛ حتى يستدر العطف بالظروف الاجتماعية الملائمة للظرف الحالي؛ فيحاول إدراج مناطق الثغرات والضعف الاجتماعية والادعاء بأن حالته تعيش هذه الظروف.