تعويذة الفراشة.. قراءة في ديوان جدار حزين للشاعرة أمل سعد
الفراشة لا تستمر حياتها أكثر من يوم واحد، ولكن هذا اليوم الواحد بالنسبة لها حياة كاملة، إن طيرانها في ذلك اليوم - الحياة لحظة أبدية، تخلَّد في آلاف الأجيال الذين يشاهدون رحلتها في الهواء، وفي كل مرة تضع جسدها على الأرض، يكون قدرها أن تَسعد بالسعادة التي تمنحها للآخرين، وتصبح خالدة في حياة الآخرين، لأن كل من رآها يحتفظ بشيء من جمالها لا أقول يحتفظ به في ذاكرة العين، وإنما في ذاكرة الروح؛ هكذا نستطيع أن نقرأ قصيدة الفراشة أمل سعد.
والفراشات لا تصدق أنها تسعى إلى حتفها راضية مرضية؛ الفراشة لا تفرق بين النور والنار؛ ولا تصدق أن رحلتها في الأبدية قد تؤدي إلى الصعود إلى مفرق الشمس؛ هي تصدق ألوانها المبهجة؛ وتصدق حدسها الصافي؛ وتصدق رقتها المتناهية؛ العالم بالنسبة للفراشة لا يمكن أن يكون إلا بهذه الرقة المتناهية التي هي عليها؛ الهواء الذي يحملها لا يقوى على أن يحمل النسر؛ والأرض التي تحط عليها لا يمكن أن تحمل الأفعوان.
"صديقي
أحين يشب النهار لقلبي
وحين ترف فراشات أمني على كفك الطاهرة
وحين تفوح عيوني بنظرتك الآملة
وحين تغني
وتنحتني فرحة هائلة
أحين .. وحين .. وحين
أشد من الحلم مذهولة
تجررني
وحدة قاتلة"
الفراشة تحط في إيقاعها عبر نغمات متفرقة؛ ترى فيها الحياة برؤيتها البريئة الطاهرة؛ حيث "النهار؛ وكفك الطاهرة؛ ونظرتك الآملة؛ والفرحة الهائلة" ولا تستفيق الفراشة من حلمها الطاهر الذي صاحبت فيه الحياة سوى على "وحدة قاتلة"؛ لأن الصديق الذي ترتجيه لم يكن بهذه الرقة الطاهرة.
ولكن الفراشة إذا عادت إليها الحياة مرة أخرى؛ فسوف تعيشها بالصفاء ذاته؛ وبالطهر نفسه
"صديقي
يقولون إنك ممتليء بالعواصف
إنك تملك سيف الغضب
وإنك فرقت جمع المجرة
أوقعت بين النجوم .. وبين القمر
وإنك أنت المعارك
إنك أنت الخطر"
هذه هي المعرفة التي يمكن أن تختزنها الفراشة من رحلتها السابقة؛ ولكنها لن تعيش إلا حياتها كما تعرفها؛ مليئة بالطهر؛ ويبقى السؤال الذي تطرحه؛ ليس فقط على صديقها؛ وإنما على نفسها
"فكيف أراك على هيئة السحب
في الليل خيرا؟
وفي طلعة الفجر طيرا؟
وفي لحظة الكشف طفلا وحيدا
ومنسحقا في البكاء؟
وكيف أراك تضمد جرح سواك
وتنزف حتى هواك
فكيف أراك مع الليل خيرا
وكيف أراك .............؟
وكيف أراك......
صديقي"
الفراشات لا تختزن المعرفة ولا تنظر إلى العالم إلا بحدسها الفطري؛ ولا تعيش ذلك اليوم الذي تصبح فيه فراشة إلا بالرقة ذاتها؛ الفراشة : سر الشاعرة ورمز روحها؛ وجمالها البارع وقوتها الحقيقية، وهكذا تستطيع في النهاية أن تفتح أجنحتها وتغلقها، محاولة بلوغ شعاع الشمس حتى الاحتراق.
أيتها الشاعرة لقد عزت الفراشات في شعر الإسكندرية من بعدك أيتها الفراشة الرقيقة.
* د. مراد حسن عباس
رئيس قسم اللغة العربية - كلية الآداب – جامعة الإسكندرية، وأستاذ كرسي جامعة نانكاي - الصين