رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حقوق المؤلف في الخارج

11-11-2020 | 21:39


بقلم دكتورة آيات الحداد


نصت المادة رقم ٢٧ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الأمانة العامة للأمم المتحدة عام ١٩٤٨ على أن: لكُلِّ شخص الحقُّ في حماية المصالح المعنوية والمادية المترتِّبة على أيِّ إنتاج علمي أو أدبيّ أو فنِّيّ من صنعه.


تتعدد حقوق الملكية الفكرية لتشمل براءات الاختراع، وهي ما تناولها الباب الأول من القانون رقم 82 لسنة 2002، والعلامات، والبيانات التجارية، وهي ما تناولها الكتاب الثاني من هذا القانون، وحقوق المؤلف وتناولها الكتاب الثالث من هذا القانون. وقد نص دستور 2014 على حماية حقوق الملكية الفكرية، فنصت المادة (69) على أن: "تلتزم الدولةُ بحماية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها في كافة المجالات، وتُنشئُ جهازًا مختصًّا لرعاية تلك الحقوق وحمايتها القانونية، وينظم القانون ذلك". وسوف نتناول فيما يلي بعضًا من هذه الجرائم.

أولًا: جريمة إدخال مصنفات (برامج) منشورة في الخارج:


نصت المادة 47/2 من القانون رقم 38 لسنة 1992 بعد تعديله على أن: "يُجَرَّم من أدخل في مصر بقصد الاستغلال دون إذن المؤلف مُصنفًا منشورًا في الخارج بما يشمله الحماية".


فهذه المادة خاصة بحماية حق المؤلف وهو خارج البلاد، سواء أكان من المواطنين أم الأجانب، إذا أدخل شخصٌ ما مصنفًا منشورًا في الخارج إلى مصر. وشمل هذا الاختصاص حماية المؤلف من أي اعتداءٍ يقع عليه، سواء بسرقة ما به من معلومات، أو نسخها، أو نشرها خارج البلاد. كما جرم أي اعتداء يقع على أي حق من حقوق المؤلف، أو أي حق من حقوق الملكية، وحرم كل فعل ينتهك هذه الحقوق.


القانون رقم (354 لسنة 1954) بشاْن حماية حق المؤلف، تم تعديله مرتين، مرة بالقانون رقم 38 لسنة 1992، والثانية بالقانون رقم 29 لسنة 1994. ثم أُلْغِيَ هذا القانون بتعديلاته بمقتضى القانون الجديد (قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002)؛ إذ نصت المادة 47 من القانون رقم (354 لسنة 1954) بشاْن حماية حق المؤلف بعد تعديله بالقانون رقم (38 لسنة 1992) بأنه: "يعاقب بالحبس والغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه، كل من ارتكب أحد الأفعال الآتية:1- من اعتدى على حق من حقوق المؤلف المنصوص عليها في المواد 7,6,5 من هذا القانون. 2- من أدخل في مصر بقصد الاستغلال - دون إذن المؤلف أو من يقوم مقامه - مُصنفًا منشورًا في الخارج مما تشمله الحماية الجنائية التي تفرضها أحكام هذا القانون. 3- من باع أو عرض للبيع أو للتداول أو للإيجار مُصنفًا مُقلدًا مع علمه بتقليده. 4- من قَلَّدَ في مصر مُصنفًا منشورًا في الخارج، أو باعه، أو عرضه للبيع، أو للتداول، أو للإيجار، أو صدَّرَه أو شَحَنَه للخارج مع علمه بتقليده.


أركان الجريمــة:

مثل أية جريمة عادية، تتكون هذه الجريمة من ركنين: مادي ومعنوي، ولكنها تفترق عن الجريمة العادية في أن الاعتداء لا يقع على النفس، بل يقع على حق أدبي أو فكري مما اشْتَمَل عليه قانونُ حمايةِ حقِ المؤلف، وقانون حماية حقوق الملكية الفكرية.



فالركن المادي في هذه الجريمة يتمثل في إدخال برامج منشورة في الخارج إلى داخل مصر دون إذن المؤلف، ولكن نلاحظ أن نص المادة ذكر لفظ "استغلال"، أي إننا لكي نكون أمام جريمة فيجب أن تتوافر نية الاستغلال، حتى ولو لم يتم الاستغلال فعلًا. فإذا أدخل شخصٌ ما مُصنفًا منشورًا في الخارج إلى مصر، ولم تتوافر لديه نية الاستغلال، فهنا لا تقع الجريمة. ويجب أيضًا أن تكون هذه المصنفات أو البرامج منشورةً في الخارج، سواء أكان المؤلف مصريًّا أم أجنبيًّا، فإذا كان مصريًّا فإن برامجه تتمتع بالحماية خروجًا على مبدأ الإقليمية؛ نظرًا لوقوع فعل الإدخال والنشر داخل الأراضي المصرية. فطبقًا لمبدأ الإقليمية تنص المادة الأولى من قانون العقوبات على أن: "تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه، أمّا إذا كان أجنبيًّا فلا تشمله الحماية في مصر، ما لم تكن برامجه محميةً في بلده الأجنبي المنشورة فيه، وبشرط المعاملة بالمثل".


أما الركن المعنوي في هذه الجريمة - المتمثل في القصد الجنائي - فيتمثل في القصد الجنائي العام، أمّا القصد الجنائي الخاص فيتمثل في قصد الاستغلال، وإلّا انتفى وجود الجريمة.


ثانيًا: جريمة التقليد في مصر لمصنف منشور في الخارج أو التعامل فيه:

قامت المادة 47/4 من القانون رقم (38 لسنة 1992) بتقديم وصف لمرتكب هذه الجريمة على أنه: "كل من قلد في مصر مُصنفًا في الخارج، أو عرضه للبيع أو للتداول أو للإيجار، أو صَدَّرَه أو شَحَنَه، مع علمه بتقليده".

أركان الجريمــة:


هذه الجريمة لكي تقع يجب أن يتوافر ركنان من أركانها، ألا وهما:

الركن المادي: والمتمثل في فعل التقليد، أي مصنف منشور في الخارج، سواء أكان مؤلفه مصريًّا أم أجنبيًّا، ففعل التقليد المعاقب عليه يجب أن يكون قد تم ارتكابه في مصر، دون التقليد الذي يتم في الخارج، ولا يشتمل على إدخال المُصَنَّف المُقَلَّد في الخارج إلى مصر، وإلّا انتفت العقوبة. فالعبرة بمكان التقليد بأن يقع في مصر، ويتمثل فعل التقليد داخل جمهورية مصر العربية لمُصنف منشور في الخارج، سواء أكان المؤلف لهذه المُصنفات مصريًّا أم أجنبيًّا. ويجب أن يكون المثصنف المُعْتَدَى عليه منشورًا في الخارج، فالمُشرِّع المصري يحمي المُصنفات المنشورة في الخارج، حيث إن القانون يشمل حماية المؤلفين المصريين والأجانب على حد سواء، سواءً أكانوا أشخاصًا طبيعيين أم اعتباريين، ما داموا ينتمون إلى إحدى الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، ومن في حكمهم (م 139). وإلى جانب فعل التقليد هناك فعل "التصدير"، أي تصدير المُصنفات المقلدة في داخل مصر والمنشورة في الخارج، أي إخراجهما من إقليم الدولة تخطيًا للحدود السياسية للدولة المصرية.


أما الركن المعنوي: فيتمثل في القصد الجنائي العام دون الخاص، باعتبارها عمديّةً. فلكي تقوم هذه الجريمة قانونًا يجب أن يتوافر "العلم والإرادة"، أي علم الجاني بأنه يقلد مصنفًا منشورًا في الخارج، وأن تتجه إرادته إلى فعل ذلك.

كما نصّ البند "ثالثًا" من المادة 181 من نفس القانون على أنه: "التقليد في الداخل لمُصنف، أو تسجيل صوت، أو برنامج إذاعي منشور في الخارج، أو بيعه، أو عرضه للبيع أو للتداول أو للإيجار، أو تصديره إلى الخارج مع العلم بتقليده".


ثالثًا: جريمة تصنيع الأجهزة أو تجميعها أو استيرادها أو التعامل فيها:

حيث شملت المادة 181 في البند "خامسًا" التعرف على هذه الجريمة بذكره أنها: "التصنيع أو التجميع أو الاستيراد بغرض البيع، أو التأجير لأي جهاز أو وسيلة مصممة أو مُعَدَّة للتحايل على حماية تقنية يستخدمها المؤلف، أو صاحب الحق المجاور كالتشفير أو غيره".


أركان الجريمة:

تتكون هذه الجريمة من ركنين:

الركن المادي: يتمثل في فعل (التصنيع أو التجميع أو الاستيراد)، فالاستيراد يتحقق بعبور أية أجهزة أو وسائل أو أدوات عبر الحدود السياسية لإقليم الدولة المصرية، فالمُشرِّع يعاقب على الاستيراد كسلوك مُجَرَّم في ذاته، حتى ولو لم يتحقق الهدف الذي من أجله تم الاستيراد، وهو في هذه الحالة البيع أو التأجير من أجل التحايل على حماية تقنية مستخدمة من قِبَل المؤلف، كالتشفير مثلًا.


محل هذه الجريمة يتمثل في أي جهاز أو وسيلة أو أداة مصممة أو مُعَدَّة يتم تصنيعها أو تجميعها أو استيرادها، وذلك للتعامل فيها، سواءً بالبيع أو التأجير، من أجل التحايل على حماية تقنية مستخدمة من قِبَل المؤلف. ويتمثل التصنيع ويتحقق بكل عمل من شأنه أن يُفْضِي إلى تصنيع أي جهاز أو وسيلة أو أداة أو معدة يتم تصميمها من أجل الاحتيال على حماية تقنية مستخدمة. ويتحقق التجميع عن طريق تجميع عدة أجزاء "يتكامل فيما بينها في صورة جهاز أو وسيلة أو أداة محققة لهدف معين".


الركن المعنوي: بما أن هذه الجريمة عمديَّةٌ فيجب أن يتوافر فيها القصد الجنائي بما يحويه من عنصريْ "العلم والإرادة"، أي أن يعلم الجاني أنه صَنَع أو جَمَّعَ أو اسْتَوْرَدَ أية أجهزة أو وسائل من أجل الاحتيال على حماية تقنية مستخدمة من قِبَلِ المؤلف، وأن تتجه إرادته إلى فعل ذلك.


وفي ختام مقالنا نوضح أن الأعمال الفكرية والفنية هي ضمانٌ يجعل حياة الإنسان تستحق العيش، وتأمين حماية الابتكارات والأعمال الفنية هو واجبٌ على الدولة ينبغي الالتزام به وتحقيقه من خلال الأحكام القانونية، فيتوجب على الدولة أن تأخذ على عاتقها مهمة تنظيم الحياة الثقافية، سواءً داخل الأراضي المصرية أم خارجها.


نشر المقال بالتعاون مع مجلة عالم الكتاب - عدد 48 - سبتمبر 2020