الريف المصرى هو رمانة الميزان فى
المجتمع المصرى لذا فإن فى إصلاحه واعتدال ميزانه وعودته إلى الطريق الصحيح بمعنى
عودة القرية المصرية إلى الإنتاج حتى تعود قرية منتجة وليست مستهلكة. بمعنى أن
تعيش المدينة وأهلها على منتجات القرية وتعيش القرية نفسها أيضًا على منتجاتها من
الخبز والخضر واللحوم والدواجن وتعود مثلًا تربية الدواجن فى البيوت كأساس للبيت
الريفى وتشتعل الأفران ونشم رائحة (الخبيز) ورائحة الخبز الطازج ولا تلجأ ربة
البيت الريفية إلى المخابز العامة لشراء الخبز الحكومى، الذى يكلف الدولة مليارات
الدولارات إذ أن الرغيف الحكومى فى المخبز يباع بخمسة قروش بينما تبلغ تكلفته على
الدولة ستون قرشًا (60 قرش) وبدلًا من أن تقوم (هذه الأيام) ربة البيت الريفية
بشراء الدجاج المثلج من الجمعيات الاستهلاكية ذلك الذى بلا طعم ولا رائحة علاوة
على غلاء ثمنه بالمقارنة بالدجاج البيتى الطازج الذى تربيه وتطعمه أمام عينيها وله
طعمه ونكهته الجميلة فتأكل الأسرة كلها طعامًا صحيا بأقل التكاليف.
المشكلة ليست فقط فى
تلك الظواهر ولكنها أعمق بكثير وإليك بعض اجتهاداتى فى هذا المضمار!! بصفتى من أهل
الريف ومن قرية ميت أبو الكوم تلا بالمنوفية!!.
المصيبة بدأت بالزيادة
الهائلة فى معركة هجرة أهل الريف إلى المدينة وبداية مشكلة السكن التى ترتبت عليها
مشكلة العشوائيات والزحام وما ترتب على ذلك من التغييرات الجذرية فى أخلاق
المصريين وتحولهم من البساطة والتسامح والهدوء والجنوح إلى السلبية إلى النقيض
تمامًا! العصبية والتجهم وضيق الخلق والميل إلى العدوانية وذلك أمر طبيعى من جراء
(الخنقة) وضيق المكان وغلاء المعيشة فى المدينة عن القرية واختلاف طباع أهل
المدينة عن أهل القرية!.
من هنا أنادى بمنع
الهجرة من القرى إلى المدن وما ترتب على ذلك من ترك الأراضى الزراعية بدون رعاية
كافية على أن تقوم البنوك الزراعية بإمداد المزارعين بكل ما يلزمهم وتيسير وسائل
دفع النفقات وعدم المغالاة فى أسعار التقاوى والأسمدة وعودة أهل القرية للتضامن فى
مواسم الحصاد والرى وتمهيد الأرض وغير ذلك بإشراف كبير القرية (العمدة) الذى كانت
له زمان (شنة ورنة) وكان العمل فى القرية شبه تعاونى والآن للأسف صار أجر العامل
الزراعى الذى وصل إلى قرابة مائة وخمسين ومائتى جنيه فى اليوم الواحد، أصبحت أجور
عمال الزراعة عائقا أمام جمع المحاصيل وتسمع صاحب الغيط يقول (المحصول مش جايب
ثمنه)!!.
ليست هذه هى التحولات
فى عادات القرية المصرية فقط فهناك دواهٍ ومصائب أكبر من ذلك بكثير!! كان الفلاح
المصرى زمان يذهب إلى الغيط بعد صلاة الفجر مباشرة ويظل هناك حتى قرب غروب الشمس
وتحمل له زوجته أو أحد الأبناء طعام الغداء هناك، والآن أصبح الفلاح المصرى يسهر
أمام التليفزيون إلى الساعات الأولى من الصباح بل وبعضهم يستعمل السوشيال ميديا
والإنترنت والألعاب وغيرها ينام حتى ظهر اليوم التالى ولا يخرج للعمل إلا بعد أن
يأكل (على مهله)!!.
أما المشكلة التى
تعجبت لها كثيرًا فهى تحول المرأة الريفية إلى النقيض تمامًا! كانت تعاون زوجها فى
الغيط ثم تعود إلى بيتها لكى تشرف على كل صغيرة وكبيرة فيه كانت تبدأ يومها فى
الفجر بإحماء الفرن وخبز (العيش) الطازج والفطير ثم تتولى الإشراف على خيرات البيت
من حلب لبن الجاموسة أو البقرة وصناعة الجبن وإطعام الدواجن وتنظيف البيت وغسل
الملابس ثم إعداد الطعام الخفيف لزوجها تحمله إلى الغيط ثم العودة إلى المنزل لطهى
وجبة الطعام الرئيسية وهى وجبة العشاء، وكنت أسمع أن فلانة جاءها المخاض فى الغيط
فتحاملت على نفسها وعادت إلى البيت بعد أن استدعت الداية وأحيانًا أسمع أنها وضعت
الطفل فى الغيط ثم وضعته فى (القفة) التى تحملها على رأسها وعادت إلى المنزل!! أما
الآن فقد اكتشفت بكل أسف أن معظم شابات القرية الزوجات يلجأن للأطباء للولادة
القيصرية أقسم بالله أننى وجدت الغالبية العظمى من زوجات القرية لا يلدن ولادة
طبيعية بل يلجأن إلى القيصرية حتى لا يتألمن من أوجاع الطلق!!.
المشكلة تكمن فى
التطلعات الطبقية التى سادت بعض الناس الذين كانوا لا يتطلعون إلى غيرهم وكانوا
يقرون بالمثل الذى يقول (على قد لحافك مد رجليك) ولذا ظهرت مأساة الغارمين
والغارمات الذين يقترضون بالآلاف بضمان بيوتهم وغيطانهم لكى يدفعوا نفقات توليد
البنت لعملية قيصرية فى المستشفى وقبل ذلك لكى يجهزونها بالغسالات والتليفزيونات
والأثاث والذهب والملابس بالديون حبًا فى المنظرة والفشخرة حتى لا تكون بنت فلان
الفلانى جهازها أحسن منها أو سلفتها جهزها أهلها بمراتب وألحفة وأجهزة أكثر
منها!!.
هذه الظواهر المؤسفة
شاهدتها بعينى رأسى ومن هنا أقول أن إصلاح المجتمع المصرى يجب أن يبدأ بإصلاح
الناس فى القرى وهم الغالبية العظمى فى مجتمعنا وأهم من كل شيء راحة المزارع
المصرى والتيسير عليه ومراجعة نوعية التقاوى التى يستعملها ودرجة صلاحيتها وذلك
بالتشديد على مستوردى التقاوى والأسمدة وبيعها بأسعار معقولة!.
q أما أهم ما فى حياتنا
الآن هو تدريب الفلاح المصرى على تغيير طريقة الرى بالغمر إلى الرى بالتنقيط وفى
رأيى أن ذلك أهم بند من بنود حياتنا الآن توفيرًا للماء الذى أصبح مشكلة المشاكل
فى كل أرجاء الدنيا!!.
q أخيرًا أطلب من رئيس
مصر عبدالفتاح السيسى وهو الملجأ الآمن الذى نتطلع إليه فى إصلاح مصر إلى تكليف
بعض ممن نثق فيهم بدراسة هذه الاجتهادات وغيرها بوضع الحلول الآمنة لعودة القرية
المصرية إلى قرية منتجة وليست مستهلكة بدراسة تحليلية اجتماعية وأخلاقية وزراعية
ومائية وكل شيء ولن أثق فى أحد لإنجاز هذه الأمنيات سوى رئيسنا عبدالفتاح
السيسي!!.
q تابعت الأسبوع الماضى
بعض أيام مهرجان الموسيقى العربية وأعاتب وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم
ألا من كلمة طيبة فى حق الرجل الذى جمع التراث العربى ونقحه ووزعه توزيعًا موسيقيا
وأحياه من العدم وهو الأستاذ المرحوم المايسترو عبدالحليم نويرة إلا أن إهداء
المهرجان لاسم الدكتورة رتيبة الحفنى أمر مشكور والشكر أيضًا لنقيب الموسيقيين
الفنان هانى شاكر والفنان على الحجار والفنان مدحت صالح وصابر الرباعى ومحمد الحلو
ونادية مصطفى وغيرهم من الفنانين المحترمين الذين ساهموا فى إنجاح المهرجان برغم
الكورونا وأشكر الدولة لنجاحها فى اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية التى أنجحت
المهرجان.