رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


دور المعرفة في التنمية الاقتصادية بمصر

17-11-2020 | 11:44


محمد عبدالرحيم

العالم الآن يتجه إلى العلم التطبيقي، حيث يمكن القول إن تطبيق العلوم هو الهدف الحقيقي من أجل خدمة الإنسانية وحل المشكلات الاجتماعية وتشجيع الابتكار والإبداع لتغير شكل المستقبل، ألمانيا تقدم نموذجًا في هذا الإطار، فعدد الجامعات التطبيقية فى ألمانيا أكبر بكثير من الجامعات التقليدية، ويعتمد نظام الدراسة فى الجامعات التطبيقية على قضاء الطالب ساعات تدريبية طويلة داخل المصانع أو المؤسسة، لاكتساب الخبرات اللازمة، ومن هنا يمكن القول إن الحل الأمثل لتنمية الاقتصاد المصري حيث يتم الدمج بين العلم والبحث والخبرة. 


ونجد أن سر تقدم ونهضة اليابان، حيث تعد اليابان عملاقة في صناعة الإلكترونيات في جميع أنحاء العالم، واليابان واحدة من الدول الرائدة في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا، حيث لديها ميزانية ضخمة للبحث والتطوير، فليست ريادة الشركات والمصانع اليابانية للعالم من فراغ بل لاعتمادها على العلم والتكنولوجيا وتطبيق البحث العلمي.


الجامعات بلا شك هي موطن المعرفة لتطبيق العلوم في خدمة المجتمع، على سبيل المثال لا الحصر: المستشفيات الجامعية والتي تقدم خدمات طبية وتعمل بربط البحث العلمي والدراسة الأكاديمية الطبية بالمجتمع، كما تقدم الجامعات خدمات مثل استخلاص الأدوية الطبية وتصميم وتأسيس الشركات وصناعة البرمجيات والأجهزة الصناعية الضخمة، فالجامعات ليس مكان للعلم النظري فقط، فالقيمة الحقيقية في التطبيق وليس إصدار شهادات نظرية فقط.


بالنظر إلى الوضع في العالم العربي لن يتم التحرك بشكل جذري دون القضاء علي الأمية، حيث تعد الأمية من أهم المشاكل المزمنة في العالم العربي، حيث وصلت معدلات الأمية في عام 1970 73 %، انخفضت إلى 38.8 % في عام 2000، بحسب إحصائيات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو"، وهذه النسب كارثية لمستقبل العالم العربي، وخصوصاً في ظل معادلات التعليم العالمية، وأن كان النسب انخفضت كثيراً الآن إلا أننا نحتاج المزيد من الجهود. 


مصر قد دعت في القمة العربية التي عقدت في الكويت 2014، إلى إعلان "عقد القضاء على الأمية"، في الفترة بين عام 2015 ولغاية 2024 كما أطلقت عدد من الدول العربية مثل ليبيا والسودان برامج خاصة لمحاربة الأمية، واستطاع السودان في أول عامين من إطلاق برنامجه الممتد من عام 2016 وحتي 2020، من تخريج حوالي مليون شخص ممن أكملوا دراستهم.


من خلال القراءة في مؤشر المعرفة نجد أن المؤشر هو نتاج مبادرة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، وتم الإعلان عنها في قمة المعرفة لعام 2016 بدبي، تأكيدًا على الدور الاستراتيجي للمعرفة وأهمية توفير أدوات منهجية لقياس المعرفة وفي عام 2017 تم اطلاق مؤشر المعرفة العالمي بصورة رسمية، وسّع نطق المؤشر وأصبح يشمل 137 دولة من جميع أنحاء العالم ليصبح بذلك مؤشرًا للمعرفة من المنطقة العربية إلى العالم وبدء المؤشر في اكتساب مصداقية دولية، ويمكن القول أن معايير التقيم والترتيب في المؤشر تعتمد علي 7 معايير اساسية وهي التعليم قبل الجامعي، التعليم التقني والتدريب المهني، التعليم العالي، البحث والتطوير والابتكار، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الاقتصاد، البيئات التمكينية، محتويًا في الإجمالي على أكثر من 300 مؤشرًا في مختلف تلك القطاعات تمّ إعداد منهجية المؤشر واختيار المؤشرات عبر استشارات مكثفة مع خبراء وأكاديميين وداخل كل معاير عدة معايير فرعية.


سمة اقتصاد الابتكار والابداع والاهتمام بالتعليم والمعرفة، الاقتصاد المبني على المعرفة Knowledge-Based Economic ، هو تحدي المستقبل للدول العالم، وهذا يعني أن مجتعات الغد ستكون قائمة على المعرفة، ويعتبر التعليم أهم مصادر تعزيز التنافس الدولي باعتبار أن التعليم هو المصدر الرئيسي لدخول عصر المعرفة لتنمية لرأس المال البشري، الاقتصاد التقليدي كان قائما على الأرض والعمالة ورأس المال اليوم أصبحت المعرفة من الأصول المهمة في الاقتصاد الجديد هي المعرفة الفنية والإبداع والذكاء والمعلومات، وتقدر الأمم المتحدة أن اقتصادات المعرفة تستأثر الآن 7 ٪ من الناتج المحلي الاجمالي العالمي، كما أن 50 ٪ من نمو الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي هو نتيجة مباشرة لاستخدام وإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.


بالنظر الي نتائج المؤشر في عام 2019 نجد أن سويسرا احتلت المرتبة الأولى تليها فنلندا ثم الولايات المتحدة الأمريكية، وسنغافورة وعلي المستوي العربي جاءت الامارات بالمركز 18 والاول عربيا ً ثم قطر بالمركز 40 والثاني عربياً وحلت سلطنة عمان بالمركز 50 والثالث عربياً وعلي المستوي الإفريقي حلت سيشل بالمركز 46 وموريشيوس بالمركز 56 عالمياً، ومن خلال تحليل مؤشرات الأداء المعرفية لمصر، نجد أن الخبر الأبرز أن مصر تقدمت 16 مركزاً حيث حصلت مصر علي 42.5 درجة بالمركز 82  عالمياً، في حين حصلت الدولة الأولى عالمياً " سويسرا علي 73.2 درجة لمؤشر عام 2019، وكانت مصر احتلت المرتبة 99 في مؤشر عام 2018، وبمؤشر التعليم قبل الجامعي 110 لنفس العام وبعد عام واحد من إطلاق نظام التعليم المصرى الجديد احتلت الترتيب 94 في التعليم ما قبل الجامعي، حققت مصر أفضل مرتبة في  المؤشرات الرئيسية بقطاع التعليم العالي بالمركز 49، ومن المعايير الفرعية التي حققت بها مصر ترتيب عالمي متميز هي كفاءة الطلاب في التعليم العالي حيث حصلت مصر المركز 26 عالمياً كما حصلت في مؤشر عدد الجامعات المصنفة عالميًا علي المركز 22  عالميًا، بإجمالي درجات 50.4، وأسوء ترتيب كان في قطاع التعليم المهني والتقني وجاءت مصر بالمركز 103 من خلال قراءة المؤشر لا يزال هناك العديد من تحديات وخصوصاً في مجال التعليم ما قبل الجامعي والتعليم الفني.


يمكن القول أن روشتة تحسين تصنيف مصر في مؤشر المعرفة تكمن في الاهتمام بالتعليم ما قبل الجامعي وخصوصاً التعليم الفني لأنه التحدي الأهم لأي تصنيف أو مؤشر اقتصادي دولي لابد من العمل والتخطيط المستمر لإظهار نتائج مختلفة أتوقع استمرار تحسن تصنيف مصر في المؤشر في السنوات المقبلة، لعدة أسباب منها استمرار بناء بنية تحتية في تكنولوجيا التعليم والاهتمام بالتعليم الفني وعقد الشراكات الدولية مع مؤسسات تعليمة عالمية رائدة والاهتمام بالتصنيف الدولي للجامعات المصرية، ويمكن القول إن الاهتمام بالتعليم والمعرفة هو السبيل الوحيد لتحقيق التنمية الاقتصادية في المستقبل.


ولا يمكن إغفال جهود الدول العربية في نشر المعرفة والتعليم حتى وإن كانت دون المستوى إلا أن يمكن القول أن هناك مبادرات إيجابية، ومن المبادرات الرائدة في العالم العربي في مجال المعرفة مشاريع دولة الإمارات الضخمة في مجال نشر المعرفة، حيث وصل حجم الإنفاق خلال عام 2018 على المبادرات والبرامج والمشاريع الخاصة بمؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، إلى نحو 628 مليون درهم، حيث أنشأت «جائزة محمد بن راشد للغة العربية» في عام 2014، لتكون بمنزلة تقدير رفيع للمعرفة ونشر اللغة العربية. كما تعقد «قمة المعرفة» سنوياً في دبي، التي أسست في عام 2007، بهدف تمكين الأجيال العرب من ابتكار حلول مستدامة لتيسير عملية المعرفة والبحث، كما يعدّ «تحدي القراءة العربي» كأكبر مشروع لتشجيع القراءة لدى الطلبة العرب، وهو ما يحقق تنمية حب القراءة لدى الأطفال والشباب العربي.


في النهاية يمكن الدعوة إلى التحرك العاجل والفوري لإنشاء جامعة عربية للعلوم والتكنولوجيا التطبيقة بالتعاون مع أكبر الشركات الصناعية والقطاع الخاص في العالم العربي علي غرار الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، فالعالم العربي يستحق التخلص من مرحلة اقتصاد اليأس والوصول إلى الاقتصاد المعرفي والرقمي وتحقيق تنمية اقتصادية شاملة.