رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


في عيد ميلادها.. تعرف على فيروز من حواراتها التليفزيونية

21-11-2020 | 14:21


تملك صوتا كسلاسل الذهب ينساب متسللا إلي داخل وجدان كل من يستمع إليه، تتربع أحبالها الصوتية علي عرش الحب والدفء والجمال، حتي في ثوراتها الغنائية كانت وما زالت جارة القمر، هذه هي فيروز بكلمات بسيطة ولكن كلماتها هي قد تعطينا مجالا أكبر للتعرف عليها عن قرب، وقد حاولنا في هذه السطور القادمة الاقتراب من القمر البعيد حيث جمعنا بعض مقولاتها وتخيلنا أنها أمامنا نجري معها هذا الحوار السريع .

 

من هي جارة القمر وعصفورة الوادي؟

أنا نهاد حداد ابنة لرجل مكافح كان عامل مطبعة والأم سيدة بسيطة متفرغة لبيتها وأولادها وكانت تملك صوتا جميلا، نشأت في ضيعة شديدة الهدوء بل تكاد تكون صامتة فتعلمت منها الصمت، لم أكن العب مثل باقي الأطفال، فقد كنت أعيش مع جدتي وأقضي النهار في جلب الماء وتحضير الطعام وتنظيف البيت فلم يكن لدي وقت للعب .

 

متى تم اكتشاف موهبتك الغنائية ؟

لم يكن هناك أي دروس موسيقية بمدرستي، ولكن كل فترة يزورنا أستاذ اسمه "محمد"، يستمع إلي أصوات الطلاب ويختار منهم أصحاب المواهب ليدربهم في المعهد الموسيقي وذات يوم اختارني أنا وزميلتين لي وطلب منا الذهاب معه إلى المعهد ولم أتردد في قبول هذه الفرصة فقد كنت شغوفة بالغناء وأرغب في تعلمه .

 

وأضافت فيروز في ذكرياتها عن تلك الفترة :كان للأستاذ محمد ركنا خاصا به في الإذاعة اللبنانية يقدم من خلاله الأغنيات الوطنية وكان يعطيني " التفريدة " أو " الصولو"، وعندما استمعوا في الإذاعة إلي صوتي سألوني إذا كنت أرغب في الالتحاق بالكورس فوافقت لأنتقل إلي مرحلة جديدة من حياتي.

 

هل نسمي المرحلة الجديدة مرحلة حليم الرومي وعاصي الرحباني؟

 حليم الرومي وعاصي الرحباني قادا أولى خطواتي في مجال الغناء فالأول كان مديرا للقسم الغنائي والثاني كان عازفا للكمان، وعاصي كان لديه برامج خاصة به فاستعان بي في الكورس ولكنني لم أبق به طويلا بل انتقلت إلى الغناء الفردي بعد فترة قصيرة .

 

-قبل الاسترسال في العمل الفني نتوقف عند بداية العلاقة مع عاصي الرحباني حيث قالت فيروز في حوارها التليفزيوني والذي كان يحضر تسجيله الأخوين رحباني وشقيقتها هدى حداد : "في البداية لم أتصور أن تربطني بعاصي علاقة إنسانية إلي جانب العمل، وتضحك وهي تقول " في الأول شعرت بأن دمه تقيل" وتتعالي ضحكات عاصي ومنصور على هذا الوصف ثم تستطرد فيروز :"تزوجنا بعد خمس سنوات فقد اكتشفنا أن هناك حالة واحدة تجمعنا معا وهي الفن وكان من الطبيعي أن تجمعنا في الحياة أيضا، لقد كان عاصي سريع العطاء وأنا سريعة التلقي، وأصبح عملنا هو حياتنا".

 

وماذا عن أبناءك؟

أنا أم لولدين وبنتين وكنت دائما أشجع أبنائي على دخول مجال الفن وهم أيضا أحبوه منذ صغرهم، ولم أشعر يوما بأي تقصير في واجباتي تجاههم كأم فكل أوقات فراغي كنت أقضيها في المنزل معهم .

 

عودة إلي حديث فيروز عن الفن والحياة ورأي البعض فيها أنها لا تتكلم كثيرا قالت :"بالفعل أنا قليلة الكلام جدا وربما تعلمت الصمت من ضيعتي الصامتة أيضا، وكذلك لأنني لا أحسن التعبير بالكلمات ولكني دائما أعبر بأغنياتي وأعتقد أن أحاسيسي وصلت إلي جمهوري جيدا من خلال هذه الأغنيات ".

 

ولكننا نحتاج إلي الكلمات أحيانا لنقول للآخرين أننا نحبهم، ولنستمع أيضا إلي تعبيرهم عن حبهم لنا ؟

الحب دائما موجود بداخلنا جميعا وليست الكلمات هي أفضل وسيلة للتعبير عنه فهي لا تعطي صورة حقيقية عن الإنسان، وأحيانا يتكلم الكثيرون من حولي ولا أشعر بهم وأحيانا أخرى يكون الصمت أبلغ من الكلام. وهناك علامات كثيرة علي حب الناس بعيدة كل البعد عن كلماتهم .

 

هل تخافين ألا تحسني التعبير فتفقدين جزءا هاما من حب الآخرين لك؟

الكلمة مسئولية كبيرة وبالتأكيد أنا أخاف وكلما زاد حب الناس زاد هذا الخوف فالجمهور هو ملاذي وملجأي، هو الحب القريب والبعيد، هو الغنى النفسي بالنسبة لي، كما أن العمل يتطلب جهدا كبيرا بل أكبر من كل الكلمات التي يمكن أن أضيع فيها وقتي ومن يريد أن يستمع إلي سيجدني هناك على خشبة المسرح أحادثه وأحاوره وانقل إليه أحاسيسي ومكنون قلبي.

 

ماذا تحب فيروز؟

أحب الجمال والعالم الفني الذي عشت فيه، حياتي كلها وشحني بكل ما أملكه، وأحب حب الناس واحترامهم لي.

 

وفي سؤال وجه لها عن المطربين والمطربات المفضلين لديها قالت :"أنا أستمع للجميع بدون استثناء والأسماء ليست هي المقياس ولكن العمل الجيد الجميل هو ما أتفاعل معه وأحبه" .

 

الشاعر الكبير محمود درويش وصف فيروز بأنها تقدم اكتشافا جديدا في صوتها مع كل عمل جديد وعن هذا الرأي قالت : "في كل مرة أقدم حفلا أشعر بأني أواجه جمهورا جديدا ومشاعر وعيون جديدة فلا بد أن أكون أنا أيضا مطربة جديدة، وحتى عندما نعيد توزيع الأغاني القديمة بشكل جديد فهذا لا يلغي القديم بل يعطي صورة مختلفة لما كان وكلا الصورتين مهم، وأنا لا أحب الروتين أصلا وأحاول أن أتعب على عملي، لهذا رآني محمود درويش بهذه الصورة .

 

أي الألوان الموسيقية اقرب إلي قلبك؟

كل الألوان أحبها، وأكيد هناك أغنية قد تكون أفضل من أغنية أخرى ولكن هذا لا علاقة له بنوعية الأغاني فكل النوعيات فيها الجيد والسيء .

 

عاشت فيروز مرحلة عصيبة من حياتها في بيروت وعن هذه المرحلة قالت :"حياتنا كانت صعبة جدا ونحن نعيش وسط الحرب والدمار وكلما طالت فترة الحرب كلما زادت صعوبة الحياة أكثر وأكثر، لقد وصلت بنا الحال إلى أننا لا نستطيع حتي التجول داخل منازلنا بل ننزوي في ركن منها خوفا من القصف" .

 

بصراحة شديدة تحدثت فيروز عن خوفها قائلة  :"طبعا لأنا أخاف من الحرب وقد تعرض منزلي لقصف صاروخي أصابني بالذعر" .

 

في هذه الأحوال كيف كان تصرفك؟

أزداد صمتي وتوجهت إلى الله بالصلاة، وأنا مؤمنة بأن الله دائما بجواري وساعدني كثيرا في كل مواقف حياتي فهو رفيق كل لحظات السعادة والحزن في حياتي، كما أنني مؤمنة بأن كل شيء في الحياة له ثمن فالله يعطي شيئا ويأخذ شيئا، إنها سنة الحياة .

 

ولماذا لم تفكري في مغادرة لبنان حتى تتحسن الأحوال؟

لم أستطع، فأنا لا أملك هذا الخيار، وإذا فكرت في ترك بيروت للحماية من ويلات الحرب فهل سيوقف هذا الترك ما قدره الله لي؟ أنا لا أقدر على استبدال الخوف بالطمأنينة على حساب حياتي ووطني وفني وكل ما أملكه .

 

هل توقف الرحابنة عن العمل بسبب الحرب كما تردد وقتها كثيرا؟

هذا الكلام غير صحيح بالمرة، صحيح كنا نعاني من عذاب بالتحضير لأي عمل جديد فلا توجد اتصالات ولا قدرة على الذهاب إلى أي مكان ولكن عملنا لم يتوقف يوما واحدا، فالفن بجماله يواجه الحرب بقبحها .

 

وعن رأيها في سبب هذه الحرب قالت :"لا أعرف سببا واضحا أكثر من أن الشر موجود في الحياة تماما مثل الخير، والإنسان صاحب الأعمال العظيمة موجود والإنسان الآخر الذي يحطم هذه الأعمال موجود أيضا، وفي النهاية لابد للخير أن ينتصر.

 

و أخيرا تحدثت فيروز عن غياب عاصي عن حياتها قائلة : "عاصي كان إنسانا عظيما ومن الصعب تعديد صفاته الإنسانية وغيابه أتعبني كثيرا وجعلني أشعر بما كان يحمله عني من صعوبات ألقيت على أكتافي بعد رحيله".

 

هكذا تحدثت فيروز في حواراتها التليفزيونية القليلة التي أجرتها على مدار حياتها ولا يسعنا في النهاية إلا أن نقول لها كل عام وأنت بخير يا جارة القمر.