تنشر بوابة "الهلال اليوم" الفصل الثاني من
كتاب "أحجار على رقعة الأوراسيا"، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار سما
للنشر، وجاء فيه:
حرب اللاعنف
ولأن عولمة الديمقراطية، هي احتكار اقتصادات الدول لصالح الفضاء
الاقتصادي للكوربوقراطية، كما قال فرانسيس فوكوياما، ومن قبله زبغنيو برجينسكي..
ولأن عولمة الديمقراطية تحطم قدرات الدول على مواجهة الغزو الجديد الناتج عن
قوانين السوق، وتعمل على تفكيك الدول من الداخل، وتحويلها إلى دويلاتٍ عاجزة أمام
سيادة السوق العالمية، كما قال صمويل هنتنجتون.. ولأن عولمة الديمقراطية هي
المسؤولة عن تلك الفجوة التاريخية بين الشعوب وحكوماتها، وبازدياد خطط العولمة
داخل جدران الدول، تزداد هذه الفجوة، كما أكد الدكتور نبيل علي.
عندئذ لا تحتاج أمريكا سوى توصيل الدائرة الكهربائية، ثم الضغط على
زر العد التنازلي للثورات الملونة، واستدعاء رجالات أمريكا من المارينز المحلي،
وقد تم تجهيزهم عبر خطط اختراق المجتمعات من آسيا إلى أوروبا الشرقية وأمريكا
اللاتينية، ومن الشرق الأوسط إلى شمال أفريقيا.
كل المطلوب من ضحاياهم هو الصراخ الهيستيري من أجل التغيير..
إسقاط الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة، واستبدالها بالنموذج الغربي الملهم للشعوب
المضطهدة، بفلسفة الهيمنة الديمقراطية على النظام السياسي في هذه الدول، دون النظر
إلى أن التنمية السياسية هي عملية تطورية في الأساس، ليست وليدة شعارات
الديمقراطية، وتتماشى مع التقارب بين المؤسسات، وتتمحور حول المسائل الاقتصادية
والأمنية التي يتحكم في تحريكها الثقافة الاجتماعية، وأن الطبقة الوسطى ونموها هي
عصب تطور هذه المجتمعات، وهي ذات أفكار (فوكوياما) نفسه في تعريفه للديمقراطيات.
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان؛ من هؤلاء الغلمان الذي تم تجهيزهم
وإعدادهم وتدريبهم على علوم التغيير الخاصة بـ (جين شارب) حيث يتحول هؤلاء
المرتزقة إلى جنودٍ محليين من المارينز الأمريكي، يمكن أن يخوضوا حروب اللاعنف
بالنيابة عن البنتاجون، وفق خطط اختراق دول العالم الثالث؟ ومن يكون هذا القائد
الذي يقود هذه الجنود في الحرب، ويرسم لهم الخطط، من أجل تغيير الأنظمة وضمان
الهيمنة الأمريكية السياسية على عالمٍ أحادي القطبية.
منظمة ألبرت آينشتاين للعمل اللاعنيف
ظهر مفهوم المقاومة اللاعنيف لأول مرة من قبل (حلف الناتو) في مواجهة
(حلف وارسو) أثناء الحرب الباردة؛ نتيجة التدخل العسكري لحلف وارسو من أجل قمع
ثورات بعض الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية والوسطى، والتي نجحت الرأسمالية في
استمالتها للمعسكر الغربي، كما أوردنا تفصيلًا في الجزء الأول من المؤلف.
حدث هذا على سبيل المثال، حينما تدخل الجيش الأحمر، وفق ميثاق حلف
وارسو، لإجهاض ثورة المجر عام 1956، نتيجة إعلان حكومة (إيمري ناجي) الانسحاب
من حلف وراسو.. حدث أيضًا في جمهورية تشيكوسلوفاكية الاشتراكية، حينما تقلد
الإصلاحي (ألكسندر دوبتشيك) أمانة الحزب الشيوعي السلوفاكي عام 1968، وتحدى
سلطة موسكو.
ولهذا شرع حلف الناتو في تعليم شعوب أوروبا الغربية، أعمال المقاومة
اللاعنيف، من أجل حماية هذه الدول من أي اجتياحٍ عسكريٍّ متوقع لحلف وارسو.
في هذا التوقيت كان الظهور المفاجئ لأستاذ العلوم السياسية بجامعة
ماساتشوستس، المفكر الداهية (جين شارب) ميكافيلي حرب اللاعنف، الذي أصبح ملك
العصيان المدني في القرن الحادي والعشرين، خلال الثورات الملونة التي اشتعلت في
أوروبا الشرقية، والملهم الحقيقي، وقائد قوات جحافل القوات الناعمة في ثورات
الربيع العبري، حينما تمكن من تطوير برامج لأبحاثٍ خاصة في العلوم الاجتماعية، حول
استخدام (العصيان المدني) من قبل سكان دول غرب أوروبا، في مواجهة الغزو المحتمل
للجيش الأحمر.
العام 1985.. صدر كتاب جديد لميكافيلي اللاعنف (جين شارب) عن كيفية
جعل غزو أوروبا أمرًا مستحيلًا، وقد قام الدبلوماسي الأمريكي (جورج كينان) مهندس
الحرب الباردة الثقافية، وصاحب نظرية احتواء الاتحاد السوفيتي، بكتابة مقدمة هذا
المؤلف، وقد تعرفنا على أفكار كينان ومواقفه وتوجهاته في الجزء الأول من هذا
المؤلف.
العام 1987.. قام شارب بتأسيس معهد (ألبرت آينشتاين) من أجل تمويل
أبحاثه الجامعية، وتطبيق نظرياته بطريقةٍ عملية على أرض الواقع، وقد أشرنا في
الجزء الأول من هذا المؤلف أن (معهد الولايات المتحدة للسلام) الذي تأسس عام 1984،
كمنظمةٍ تعمل في مجال تحليل الصراعات حول العالم، يأتي في مصاف المنظمات الممولة
للمعهد، فيما بعد أصبح معهد آينشتاين واحدًا من الجهات المانحة للمعهد الجمهوري
الدولي التابع للصندوق الوطني للديمقراطية (نيد).. جنبًا إلى جنب مع الوكالة
الأمريكية للتنمية الدولية.
ألبرت آينشتاين كمنظمةٍ غير ربحية؛ تقدم الدراسات، والاستراتيجيات
الخاصة بالكفاح السلمي غير العنيف، في الصراعات المنتشرة حول العالم، كما تقدم
نفسها كمنظمةٍ ملتزمة بالدفاع عن الحريات والديمقراطيات، والحد من العنف السياسي،
باستخدام العمل اللاعنيف.
ويمكن رصد الانطلاقة الحقيقية للمعهد بأفكار شارب، منذ العام 1989،
متزامنة مع تحلل الاتحاد السوفيتي، وبداية المساعي الأمريكية الرامية إلى تفكيك
الكتل الشيوعية في وسط وشرق أوروبا.. فالحركات المعادية للشيوعية في هذه البلدان،
كانت من مريدي هذه المنظمة، لتلقي النصح والإرشادات.
وفي مواجهة الحركات الشيوعية، عمل جين شارب كرسول الكولونيل (روبرت
هيلفي) الذي عمل كملحقٍ عسكري في العاصمة البورمية يانغون بين عامي (1983-1985)
وقد ساهم شارب في تشكيل (التحالف الديمقراطي البورمي) كورقة ضغطٍ على النظام
العسكري الحاكم في بورما.
عام 1989.. كان شارب حاضرًا في بكين قبل أسبوعين من ثورة ساحة (تيين
آن من).
عام 1990.. تواجد شارب في السويد، للمساعدة في تشكيل مقاومةٍ شعبية
من سياسيين ليتوانيين، ضد الجيش الأحمر؛ نجحت هذه المقاومة بعد شهورٍ قليلة في نيل
استقلال دول البلطيق عن الاتحاد السوفيتي، وقد أثنى وزير الدفاع الليتواني آنذاك،
على مجهودات معهد ألبرت آينشتاين الذي ساعدهم كثيرًا في الحصول على الاستقلال.
ومن البلطيق إلى الصين وكوبا وفنزويلا، مرورًا بالصرب وأوكرانيا
وجورجيا، حتى لبنان وإيران، وصولًا إلى تونس ومصر وليبيا وسورية، امتدت أنشطة
وتمويلات ألبرت آينشتاين، تجند الجماعات والحركات الاحتجاجية، وتدربهم على إشعال
الثورات، وتقدم النصح والإرشادات، والدعم المالي واللوجيستي لهم(1).
من الديكتاتورية إلى عولمة الديمقراطية
ارتبط اسم (جين شارب) بالكتابة والتأليف في
الموضوعات الخاصة بالكفاح السلمي، وقد استفاد من كتاباته، العديد من الحركات
المناهضة للحكومات حول العالم، يقول (شارب) أنه استمد أفكاره في المقام الأول، من
دراساتٍ متعمقة لحركة (المهاتما غاندي) ومن (هنري ديفيد ثورو) وإن كان تأثيره
بالأخير أقل.
أي أن تكتيكات العصيان المدني للمهاتما
غاندي، هي الشعار الذي يرفعه معهد ألبرت آينشتاين، كمرادف لكلمة الكفاح السلمي غير
العنيف؛ وهي ذات الأفكار التي يتبناها قائد قوات حرب الأفكار، الداهية الأمريكي
(جين شارب) والأب الروحي للدكتور المصري (سعد الدين إبراهيم) مدير مركز ابن خلدون
في القاهرة، والصديق الشخصي له.
وعلى هذا، كل المطلوب من الشعوب، هو
العصيان المدني ضد الديكتاتور، ولا مانع من وضع صورة للمهاتما غاندي، أو
نظارته الشهيرة، على (تي- شيرت) الثائر،حتى يشعر هؤلاء أنهم امتداد طبيعي
لنضال غاندي؛ بعد أن تم تفكيك تجربته الرائدة في الكفاح السلمي غير
العنيف ضد الاستعمار الإنجليزي، ونقلها إلى الدارسين،
كنموذج ملهم لإسقاط الأنظمة الحاكمة في بلادهم، وقد نجح المعهد بقيادة شارب في
تسويق (المهاتما غاندي) و)مارتن لوثر كينج) كرموزٍ لحركة التغيير،على
اعتبار أنهم النموذج الحقيقي لفكرة
التغير دون عنف.
إذًا العصيان المدني هو البضاعة الوحيدة
التي يعرفها (جين شارب) وتلميذه النجيب (بيتر آكرمان) مؤسس مركز الصراعات غير
العنيف، وكلاهما يعرفان جيدًا كيفية بيعها؛ حيث أن تكتيكات غاندي للعصيان المدني،
مع شارب وآكرمان، ما بعد الحقبة السوفيتية، تحولت من كونها حائط صدٍّ ضد أي غزوٍ
محتمل لأوروبا، إلى خططاختراق سيادة الدول، ومن
ثم الإطاحة بأنظمتها السياسية، واحتلالها
سلميًّا بالقوات الناعمة (أي الاحتلال المدني) وهي هنا تتعارض مع مبادئ تجربة
الزعيم الروحي غاندي، في الكفاح السلمي غير
العنيف ضد الاستعمار البريطاني من أجل تحرير الهند.
إن (جين شارب) المؤلف للعديد من الكتب
المختلفة، والتي تم ترجمتها ونشرها بأكثر من ثلاثين لغة حول العالم، تقدم خططًا
وتكتيكات للعصيان المدني ضد الأنظمة المحلية؛ يظل
كتابه (من الديكتاتورية إلى الديمقراطية) الذي رسخ أسس حرب اللاعنف، هو الكتاب الذي دخل موسوعة الكتب التي أثرت في
التاريخ السياسيالإنساني.
جميع الثورات الملونة التي اشتعلت حول العالم،
من أمريكا اللاتينية إلى جنوب شرق آسيا، ومن أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا، تأثرت بأدبيات هذا الكتاب، وتناقله غلمان أمريكا من النشطاء
السياسيين عبر شبكة الإنترنت، من بلجراد وكييف إلى تونس والقاهرة وصنعاء، وحفظته
عن ظهر قلب جميع الحركات الاحتجاجية، وجماعات الضغط المدعومة من واشنطن، من حركة
أوتبور، وبورا، وكمارا، في الصرب وأوكرانيا وجورجيا- إلى حركة 6 أبريل، والوفاق،
في مصر والبحرين.
كل هؤلاء تلقوا نسخًا مترجمة من الكتاب،
وعقدوا مؤتمرات تروج للديمقراطية، ودورات دراسية، حول تطبيق نظريات الكفاح
اللاعنيف، فالكتاب كان ولا يزال الغذاء الروحي لهذه الثورات، والتي صنعت التغيير
على طريقة اليانكي الأمريكي، أو في طريقها لإنجازه.
إن خزائن أسرار هذا الكتاب الشيطاني مليئة
بالأفكار الخبيثة والهدامة، وقد سردنا وناقشنا تفاصيله كاملةً من قبل، عبر سطور
كتاب (الاحتلال المدني - أسرار 25 يناير والمارينز الأمريكي) الصادر عام 2013..
وسنتوقف قليلًا عند تكتيكات العصيان المدني بمفهوم شارب، والتي لا تسقط نظام فحسب،
بل تسقط دولة بأكملها، ونكشف الدور الحقيقي لمنظمات حقوق الإنسان، وتوجيهات شارب
للثوار حول كيفية البناء بعد الهدم.
إسقاط الدولة الوطنية
حول تكتيكات العصيان المدني، يقول شارب في
كتابه السابق:
«إن الصراع غير العنيف لا يوجب على أصحابه
تقبُّل نظامٍ سياسيٍّ جديد، ولا أخلاقيات ومبادئ جديدة، ولا معتقد ديني آخر.
وبالمصطلح السياسي، فإن الأمر لا يتعدى ألا يقوم الشعب بعمل ما يقال له، وأن يقوم
بأفعالٍ محظورة عليه، مجرد الخروج على القانون والشرعية كهدفٍ في حد ذاته. ومع
الوقت يتوقف العمال عن العمل فيتم شل الاقتصاد، وأن يتوقف الموظفون عن تنفيذ
التعليمات الإدارية، وأن يتراخى رجال الجيش والشرطة عن تنفيذ المهام المنوطة
بهم، وعندها يبدأ العصيان المدني، وحينما يتم كل هذا بالتوازي، تنهار سلطة
النظام السياسي».
هذه العبارة الأخيرة، لم يشأ شارب أن يفصح
عن مضمونها لمريديه من المتسكعين! فعندما يحدث كل هذا بالتوازي، لا تنهار سلطة
النظام السياسي كما يقول، بل تنهار الدولة، وحينئذ يتحرر الشعب من القيود المفروضة
عليه فيحدث الانفلات، خاصةً أن شارب قد استعرض في صفحة (198) من هذا الكتاب
الشيطاني، طرقًا مرعبة لتقويض سلطة النظام السياسي سلميًّا، جميعها تقود إلى
انهيار أعتى الدول في العالم، وهكذا منح شارب عالم ما بعد السوفيتية، مفهومًا للـ
(الفوضى المنظمة) بعنوانٍ نبيل أطلق عليه (العصيان المدني ضد الديكتاتور).
حقوق الإنسان على الطريقة الأمريكية
أما منظمات حقوق الإنسان، فمن المفترض أنها
تسعى إلى حماية حق الإنسان في جميع مناحي الحياة؛ الاجتماعية، والاقتصادية،
والثقافية، والسياسية، لكنها مع علوم التغيير الخاصة بميكافيلي اللاعنف، تختزل كل
هذه الحقوق في حقٍّ واحدٍ فقط، هو (حقوق النشطاء السياسيين) من غلمان واشنطن،
والمنوط بهم إسقاط الأنظمة الحاكمة الرافضة للهيمنة الأمريكية.
وفيما بعد فاعليات ثورات الربيع العبري في
منطقة الشرق الأوسط، اتضح جليًّا أن هذه المنظمات لم تكن سوى خط دفاعٍ متقدم عن
حقوق الجماعات الراديكالية، والتنظيمات الإرهابية التابعة للغرب.
وفي تعريفه للمنظمات الحقوقية، كتب شارب
يقول:
«يتعدى دورها واختصاصاتها إلى اختراق سيادة
الدولة، والعمل على ضمان ولاءات من الجيش والشرطة والمخابرات، في المجتمعات المنوط
بها التغيير، والعمل على ذلك لسنواتٍ طويلة، حتى إذا خرج الطلبة والعمال إلى
الشارع، لتنفيذ خطة العصيان المدني، يأتي الانقضاض عليهم وتعطيل مسيرتهم، متأخرًا
جدًّا.»
إذًا.. هذا هو ما يدفع المنظمات الحقوقية
الدولية، ووزارة الخارجية الأمريكية، والمفوضية الأوروبية، إلى الدفاع الدائم
والمستميت عن هذه المنظمات الحقوقية المحلية، في مختلف المحافل الدولية، فهي السوط
المسلط على الأنظمة الحاكمة، والدول المراد زعزعة استقرارها، وهي الجهة المنوط بها
الدفاع عن النشطاء السياسيين الخارجين عن القانون والشرعية، وأيضًا التشهير
بالأنظمة الحاكمة التي تسعى إلى تقويض حركة هؤلاء النشطاء.
من أجل كل هذا، تتمتع هذه المنظمات
بتمويلاتٍ أجنبيةٍ ضخمة، وبمساحة حركة واسعة، وحرية في التوغل داخل المجتمعات
المستهدفة، مدعومة بضغطٍ هائلٍ من المنظمات الدولية على الحكومات التي تقاوم هذا
الانتشار.
ولهذا تستطيع دائمًا المنظمات الحقوقية كقوى
ناعمة، أن تنفذ داخل المجتمعات المراد تفكيكها بشكلٍ أو بآخر، وتقدم نفسها كجهاتٍ
دائمًا ضد التعذيب، ثم تؤكد على الحريات، وتقوم باستغلال ثغرات القوانين، لتأليب
الشعوب على الحكام، من أجل زعزعة الاستقرار، فهي من تطلق صواريخ الرموز والشعارات
في ساحة المعركة، واحدًا تلو الآخر؛ وهكذا تسكت المدافع في الحروب غير التقليدية،
بعد أن يطلق جين شارب صواريخ علوم التغيير على جبهة الأفكار.
حروب أهلية بنكهة شارب الديمقراطية
وإذ يلقب الأنبياء الزائفون من النشطاء
السياسيين، ربهم الأعلى هذا، أي جين شارب بـ (أبي الديمقراطية) ويتفاخرون زيفًا
بتعلمهم كيفية البناء بعد الهدم، عبر سطور كتابه (من الديكتاتورية إلى
الديمقراطية) وعلى هذا يجب أن نلقي الضوء على رؤية شارب في بناء الديمقراطيات في
المجتمعات حديثة التحرر، حيث كتب يقول في ص 75، تحت عنوان (كتابة مسودة الدستور):
«من المصلحة الحفاظ على نظامٍ ديمقراطي.. لا
بد وأن يفضل الدستور، تأسيس نظام فيدرالي، حيث يحفظ امتيازات كبيرة لمستويات
الحكومة المحلية الإقليمية، أو الولاية.. في بعض الحالات يمكن أخد نظام الكانتونات
السويسري في الاعتبار، والذي بموجبه مساحات صغيرة نسبيًّا، تحتفظ بامتيازاتٍ كبرى،
مع بقائها كجزءٍ من الدولة».
إذًا البناء من وجهة نظرة شارب يعني كتابة
دستورٍ جديد قائم على الفيدرالية، على غرار سويسرا؛ وهي دولة مكونة من ثلاث عرقيات
رئيسية: (الألمانية – الإيطالية – الفرنسية) وكأنما يؤسس شارب لفكرة الأقاليم أو
الكانتونات والحكم الذاتي لتلك الأقاليم، ويهدم فكرة الدولة المركزية، متجاهلًا
أنه حتى في الدول الفيدرالية يوجد سلطة مركزية، هي ما يطلق عليها الحكومة
الفيدرالية، وتتجاوز صلاحيتها، صلاحيات الحكومة الإقليمية التي تحكم الإقليم، وهذه
السلطة المركزية هي من تمتلك الجيش، وتضع السياسة النقدية، والخارجية للدولة،
وتتحكم في الموارد الطبيعية لجميع الأقاليم.
وأن الدعوة لإنشاء دولةٍ قائمةٍ على
الفيدرالية، يجب أن يسبقه تواجد هذه السلطة المركزية، التي تحافظ على الكيان
الأكبر وهو الدولة، وأن الدعوة لإنشاء تلك الكيانات أو الأقاليم بعد ثورة؛ هي دعوة
للتناحر بين تلك الأقاليم المزعومة، في محاولةٍ لاقتناص أكبر مكاسب أو حقوق أو
موارد علي حساب الإقليم الآخر، وبالتالي يتحول الوضع إلي حربٍ أهلية، وهي الدعوة
التي جاءت ضمنيًّا في فقرةٍ جديدة من هذا الفصل داخل كتاب الداهية شارب.
دعا شارب إلى ضرورة حرمان جيش الدولة من
جميع امتيازاته وقدراته، بحجة أن الجيش يستنزف الجزء الأكبر من موارد الدولة، من
أجل بناء قدراته الدفاعية، في وقتٍ تحتاج فيه الدول حديثة التحرر (أي بعد إسقاط
الديكتاتور) إلى توجيه جميع مواردها نحو بناء مجتمعاتها.
وأجاب شارب سريعًا على السؤال الذي يمكن أن
يتبادر إلى ذهن الدارس؛ ماذا لو حدث تهديد خارجي على الدولة في ظل وجود جيشٍ ضعيف
محدود القدرات والإمكانيات؟
يجيب شارب: «يجب أن يصبح السلاح في يد كل
مواطن»!! إذًا هي دعوة لحربٍ أهلية، تخرج ضمنيًّا من بنات أفكار الداهية شارب!!
فماذا لو طبق الثوار المنتصرون، تعليمات شارب، بعد صياغة دستور فيدرالي، في ظل
وجود السلاح في يد كل مواطن، وتزمرت فئة من إقليم، لا يتمتع بنفس خصائص وموارد
إقليم آخر، داخل حدود الدولة الواحدة؟... إنها الحرب الأهلية.
هذا ما حدث في اليمن خلال ثورات الربيع
العبري.. تولى (عبد ربه منصور هادي) رئاسة اليمن التعيس، خلفًا للرئيس (علي عبد
الله صالح) آنذاك أقرت الوثيقة النهائية لمخرجات الحوار الوطني، تحويل النظام
اليمني، إلى دولةٍ اتحادية فيدرالية من ستة أقاليم، ضمت كلًّا من (حضرموت - معين -
الجند - تهامة - الجوف – سبأ).
كان متوقعًا إقرار هذه الأقاليم في الدستور
الجديد، أواخر عام 2014، على أن يتمتع كل إقليم بحكومةٍ وبرلمان خاصين به، لإدارة
شؤونه المختلفة، وتتولى الحكومة الاتحادية إدارة شؤون الدفاع والخارجية للبلاد.
آنذاك، هللت الناشطة السياسية اليمنية (توكل
كرمان).. واحدة من تلاميذ شارب، لفدرلة اليمن وانتصار الديمقراطية، بينما رفضت
الوثيقة من قبل الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن، تحت زعامة (علي
سالم البيض).. رفضها أيضًا الحوثيون بزعامة (عبد الملك الحوثي) واعتبروها وثيقة
تفتيت اليمن إلى كانتونات متصارعة.
الأخير أعلن الحرب المسلحة على السلطة
الشرعية للبلاد، وقام بتحريك الميليشيا المسلحة من مدينة صعدة شمالي اليمن، إلى
وسط العاصمة صنعاء، ونجح في إسقاط الشرعية بقوة السلاح، وأعلن السيطرة على مقاليد
الحكم، فاندلعت الحرب الأهلية في اليمن.
وهكذا تحولت فدرلة اليمن إلى لبننة لليمن،
في نموذج يؤكد على أنه ليس بالضرورة أن تنجح تجارب دولةٍ ما (سويسرا) حينما يتم
تفكيكها، ونقلها إلى بلدٍ آخر، ولكن هكذا علمهم جين شارب.. أنها الحقيقة المطلقة.
خدعة علوم التغيير.. حروب مسلحة
لفتت أنشطة معهد ألبرت آينشتاين، وكالة
الاستخبارات المركزية الأمريكية، وقامت بدعم المعهد بإرسال أحد عناصرها وهو ضابط
سابق بالجيش الأمريكي يدعى (روبرت هيلفي) كأخصائي عمليات نفسية لمريدي المعهد، وهو
ما كشف عنه المؤلفون الثلاثة لكتاب (حرب اللاعنف الخيار الثالث).. كل من؛ هشام
مرسي، وائل عادل، أحمد عبد الحكيم.
هم أنفسهم المؤسسون الثلاث لـ (أكاديمية
التغيير) في قطر، وهي مؤسسة تتبنى في مناهجها كتب ودراسات جين شارب، وبيتر آكرمان،
الخاصة بالعصيان المدني، وزلزلة العقول، وحرب اللاعنف، وهي من قادت موجات التغيير
في ميادين الثورة، بعواصم البلدان العربية، التي لحقت بها نسائم الربيع العبري عام
1010-2011.
تقرأ في ص 110من هذا الكتاب:
«تتشابه حرب اللاعنف، مع الحرب العسكرية، من
حيث أنها توحد القوى، وتشعل المعارك، وتتطلب استراتيجية حكيمة، وخطة محددة، وجنود
يتميزون بالشجاعة والتضحية، وكذلك تدريب متواصل على تكتيكاتها».
ويستطرد المؤلفون: «في حركة أوتبور بالصرب
للإطاحة بـ (ميلوسوفيتش) عام 2000، رتب (المعهد الجمهوري الدولي) في واشنطن لقاءً،
جمع كوادر الحركة مع ضابطٍ عسكريٍّ متقاعد، هو الكولونيل (روبرت هيلفي) ليساعدهم
في فهم واستيعاب طرق إدارة حرب اللاعنف، وقد أكد الكولونيل روبرت لحركة أوتبور،
أنه لا يمكن أن تنتصر، إذا استمرت في موقف الدفاع، وأن لغة الحرب العسكرية ستكون
حاضرة معهم مع اختلاف الأدوات».
جاءت تسمية اللاعنف في عنوان هذا الكتاب بـ
(حرب اللاعنف) على لسان مؤلفيه، للتأكيد على أن أسلوب اللاعنف ليس دفاعيًّا فقط،
لكنه يأخذ طابع الحرب الهجومي.
إذًا هي حرب، ولم تكن مجرد علوم تدرس في
دكاكين الديمقراطية؛ وهي حرب موجهة ضد الدولة الوطنية بذريعة إسقاط الديكتاتور
وتغيير النظام، وبينما ترفع هذه الحرب شعارات السلمية، من أجل إيهام العالم، أن
عمل اللاعنف هو كفاح سلمي! يتضح من خلال أكاديمية التغيير، أنها حرب قذرة يستخدم
فيها السلاح الناري والقنابل الحارقة، وأحيانًا الغازات السامة، من قبل ثوار لا
يتهاونون في قتل ضحاياهم من الفريقين؛ المؤيد، والمعارض للثورة.
يحدث كل هذا وهم رافعون لشعارات السلمية،
أمام عدسات التصوير، وأمام كاميرات الفضائيات العالمية التي تنقل الحدث، فقد تلقوا
إرشادات وتعليمات تفيد كيفية استخدام السلاح، متى، وأين، وكيف، وضد من يستخدم
السلاح؟ عبر محاضرات مرئية ومسموعة، يلقيها (وائل عادل) أحد مؤلفي هذا الكتاب،
وأحد مؤسسي أكاديمية التغيير في الدوحة، على الموقع الرسمي للأكاديمية على شبكة
الإنترنت، ومن أهمها على الإطلاق، محاضرة بعنوان: (كيف ترقع من كلفة القمع)(2).
الصندوق الوطني للديمقراطية (NED)
في ظل ما تتمتع به وكالة الاستخبارات
المركزية من سمعةٍ سيئة بين الأوساط العالمية، وقد واجهت انتقادات عنيفة من تيارات
سياسية وفكرية في مختلف دول العالم، نتيجة الأدوار الشريرة التي كانت تلعبها خلال
فترة الحرب الباردة، مما أجبر (جيمي كارتر) القادم من الهيئة الثلاثية، على التخلي
عن أنشطة الرابطة العالمية لمناهضة الشيوعية كما ذكرنا سابقًا، وعين (ستانفيلد
تيرنر) رئيسًا لوكالة الاستخبارات المركزية، وأوكل إليه مهمة تنظيف الوكالة من
الداخل، والتوقف عن دعم الأنظمة الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية، وعناصر الرابطة
العالمية لمناهضة الشيوعية، الأمر الذي تسبب في غضب الديمقراطيين من الاشتراكيين
الأمريكيين (التروتسكيين ) فانفصلوا عن الحزب الديمقراطي، واتجهوا لدعم حملة
الجمهوري (رونالد ريجان) في الانتخابات الرئاسية، أي انتقل هؤلاء من أقصى اليسار
إلى أقصى اليمين.
آنذاك، قرر الرئيس الأمريكي (رونالد ريجان)
إجراء عملية (تغيير واجهة) لأنشطة وكالة الاستخبارات الأمريكية، والبحث عن واجهة
جديدة تُبقي على هذه الأعمال الدنيئة، في مواجهة ما أطلق هو عليه إمبراطورية الشر،
أي الاتحاد السوفيتي.
ولأننا أمام استنساخٍ جديد لتجربة (هاري
ترومان) الذي قام بتأسيس (وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية) بعد الحرب
العالمية الثانية، بديلًا عن (مكتب الخدمات الاستراتيجية) سيئ السمعة، وقد انتقلت
نفس الوجوه العاملة بهذا المكتب بعد عامين إلى هذه الوكالة، فقد قرر المجلس الوطني
للأمن الأمريكي إنشاء هيئةٍ جديدة، تتبنى نفس اللعبة القذرة في تأليب المجتمعات
المدنية ضد معسكر الاتحاد السوفيتي، وخلخلته من الداخل، بخطط زعزعة الاستقرار،
والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم المسلحين والمتمردين، ويظل السؤال
الحائر... كيف يمكن فعل هذا؟
فكم يلزمك من الذكاء، لتقوم بمهام وكالة
الاستخبارات المركزية في تفكيك وزعزعة استقرار الدول الأجنبية، بشرط أن تضفي
الشرعية على تصرفاتك، وتفلت من العقاب؟ وكم يلزمك من التمويل لعمل خطط اختراق
سيادة الدول، والإطاحة بأنظمتها الحاكمة، واحتلالها بجحافل القوات الحقوقية
الناعمة، بشرط أن تعيد صياغة العنوان، كي يبدو نبيلًا بعض الشيء، وتتصرف بطريقةٍ
تقدمية؟
الإجابة، جاءت على لسان (آلان واين شتاين)
مهندس تأسيس الصندوق الوطني للديمقراطي (نيد) كمنظمةٍ غير حكومية، تأسست في 6
نوفمبر 1983، لترويج ديمقراطية صديقة للولايات المتحدة الأمريكية، في تصريحٍ له
إلى صحيفة واشنطن بوست عام 1991:
« إن الكثير مما نقوم به اليوم، كان يتم
إجراؤه سرًّا قبل 25 عامًا، بواسطة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية».
وقد علمنا في الجزء الأول من هذا المؤلف دور
هذه الهيئة، في دعم وتمويل الرابطة العالمية لمناهضة الشيوعية، في دول أمريكا اللاتينية،
وجنوب وشرق آسيا، لا على نشر الديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، بل مولت عمليات
قتل واغتيالات، وانقلابات على الأنظمة الشيوعية في هذه البلدان.
الأمر الذي يتنافى مع ما قاله (رونالد
ريجان) في كلمته الملقاة داخل جدران هذه المنظمة، حينما تباهي بتأسيسها قائلًا: إن
الهدف الذي أقترحه بسيط جدًّا؛ تعزيز البنية التحتية للديمقراطية، ونظام الصحافة
الحرة، والنقابات، والأحزاب السياسية، والجامعات، التي تسمح للناس باختيار طريقتهم
الخاصة، لتطوير ثقافتهم، وتوفيق خلافاتهم، من خلال الوسائل السلمية.
في حقيقة الأمر هدف ريجان إلى اختراق
المجتمعات عبر البنية التحتية للديمقراطية الأمريكية بأدواتها من الصحافة الحرة،
والنقابات العمالية، والأحزاب السياسية، والجامعات، ولأن خطوط التماس المشتركة بين
هذا اليسار، المتطرف المناهض للاتحاد السوفيتي، تحت زعامة الأب الروحي (تروتسكي)
والإمبريالية الأمريكية على مذهب البوريتانية، هي مفهوم (الثورة العالمية) فعند
هذه النقطة يمكن للطرفين الالتقاء داخل منظومة حرب الأفكار التي أدارتها أمريكا
خلال الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، فما دامت ثورة التروتسكيين، موجهة في
الأساس ضد الاتحاد السوفيتي، وليس ضد الولايات المتحدة الأمريكية، فلماذا لا يتم
احتواء هذا التيار الشيوعي كرأس حربة متقدم في الحرب الباردة؟
التروتسكيون في رحاب نيد
انطلاقًا من هذا المفهوم، كُلف زعيم حزب
الاشتراكيين الديمقراطيين في الولايات المتحدة، اليساري المتطرف واليهودي (كارل
جيرشمان) بإدارة هيئة (نيد) وقد تبعه العديد من المناضلين التروتسكيين في رحلته،
من أقصى اليسار المتطرف إلى اليمين في الحزب الجمهوري.
كان من بين هؤلاء نخبة من المثقفين
مثل (بول ولفوفيتز) أحد المحافظين الجدد، وأحد مؤسسي مشروع القرن الأمريكي، الذي
شغل منصب نائب وزير الدفاع الأمريكي في وقتٍ لاحق، والعديد من صحفيي مجلة
(كومنتاري) الصهيونية التي تصدرها اللجنة اليهودية الأمريكية، والذين دخلوا التاريخ
لاحقًا، تحت اسم (المحافظين الجدد) بعد أن تخلوا عن الخط الليبرالي الذي تأسس من
خلاله المجلة، وعكفوا على الدفاع عن تيار المحافظين الجدد، وتبني النزعة العسكرية
في السياسة الخارجية الأمريكية التي تخدم مصالح الصهيونية، خاصةً في منطقة الشرق
الأوسط.
وأثناء التحضير للربيع العبري، وفي سخريةٍ
للقدر، كان اليسار العربي المتطرف يواصل العمل مع الإخوان المسلمين، ذلك كان حال
الناشط السياسي (حمدين صباحي، وسعد الدين إبراهيم) في مصر، والدكتور (منصف
المرزوقي) في تونس، والأستاذ الجامعي السوري (برهان غليون) هذا البروفسور العلماني
الذي كان يكتب خطابات زعيم جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر(عباسي مدني) المنفى
في قطر، فهيئة (نيد) كانت ولا تزال بيت الطاعة للجميع(3).
أما (كارل جيرشمان) الذي عمل عام 1960، داخل
قسم الأبحاث في (الرابطة المناهضة لتشويه السمعة) وهي رابطة أسست للدفاع عن إسرائيل
وتهاجم نقادها، وغالبًا ما تنحدر أبحاثها إلى نوعٍ من التجسس على منتقدي إسرائيل،
فقد نجح (جيرشمان) عبر هذه الهيئة، في تأسيس أكبر شبكة فسادٍ عالمية تضم بين
طياتها النقابات العمالية، أي طبقة البروليتاريا بمنظور لينين، في سخريةٍ جديدة
للقدر، وأيضًا المنظمات الحقوقية، والأحزاب السياسية اليمينية، واليسارية،
وإعلاميين، وصحفيين، وكتاب، وأدباء، وشباب عاطل عن العمل، ممن أطلق عليهم (نشطاء
سياسيون) ويتكاثرون كالخلايا العنقودية داخل البلدان المستهدفة.
عبرت عن هذه الخلايا العنقودية
(مادلين أولبرايت) في كلمتها أمام المعهد الديمقراطي الوطني في 7 نوفمبر 2011
بقولها: «في عام 1984، أصبح (تشارلز مانات) الرئيس المؤسس للمعهد الوطني
الديمقراطي، وتحت إشرافه، تم وضع المخططات التي من شأنها تحويل مجموعة صغيرة من
الفاعلين الذين يعملون في عددٍ قليل من البلدان، إلى فريق عمل، مع برامج وأصدقاء،
في كل ركنٍ من أركان العالم تقريبًا» (4).
المدهش في كلمة أولبرايت أنها وضعت
(مانات) في موطئ قدم، مع اثنين من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية،
(جون آدامز - توماس جيفرسون) كمهندسي حركة الديمقراطية العالمية.
العيون الخمس
هيئة (نيد) التي تدعم المعارضة داخل
الدول الشيوعية، تأسست بتعاون ومشاركة جهاز استخباراتٍ سريٍّ مشترك أطلق عليه
(العيون الخمس) بين استخبارات دول كل من: (أمريكا – بريطانيا – أستراليا – كندا –
نيوزيلندا).
هذا الجهاز تأسس في البداية خلال الحرب
العالمية الثانية بين استخبارات بريطانيا وأمريكا، بغرض اختراق أجهزة الإرسال
الإذاعية الضخمة للحصول على المعلومات السرية عن أعدائهم، وفي العام
1955، انضمت لهم استخبارات كل من استراليا وكندا ونيوزيلندا، بغرض اختراق
الجواسيس السوفيت، ليشكل أقوى تحالف استخباراتي في العالم بين خمس دول ناطقة بالإنجليزية،
لا يقبل بانضمام أي دولٍ أخرى غير ناطقة بالإنجليزية، ولا يشارك العيون الخمس
المعلومات الاستخباراتية التي تتبادلها أجهزتها الاستخبارية فيما بينها، مع حلف
شمال الأطلسي.
ويمكن القول أن هذا التحالف الاستخباراتي هو
مطبخ التجهيز السري للعديد من المؤامرات التي تحاك ضد دول العالم، ولهذا دائمًا ما
تكون العيون الخمس هي الأساس الذي يتمحور حوله جميع التحالفات العسكرية الدولية،
مثل التحالف الدولي لغزو العراق عام 2003، والتحالف الدولي لمواجهة داعش عام 2014.
وحينما اتهمت بريطانيا عام 2018، روسيا
بتسميم الجاسوس الروسي سكريبال وابنته يوليا، بعد تعرضهما لغاز الأعصاب السام،
الذي يعرف باسم نوفيتشوك، تقرر نقل الجاسوس وابنته إلى العيون الخمس، كأفضل مكانٍ
لضمان أمنهما وسلامتهما، مع إعطائهما هويات جديدة، بحسب ما كتبت صحيفة صنداي
تايمز.
تمويلات نيد
الهيئة تصنف كمنظمةٍ غير حكومية، مع ذلك فهي
تتلقى دعمًا ماليًّا من الكونجرس الأمريكي بطريقةٍ ملتوية.. هذه الميزانية الخاصة
بالهيئة، والمقررة من قبل الكونجرس، مدونة في ميزانية الدولة المخصصة لما عرف باسم
(الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية).. تلك الوكالة التابعة للحكومة الفيدرالية تأسست
على يد الرئيس (جون كنيدي) عام 1961، بغرض إدارة المساعدات الخارجية المقدمة
للمدنيين في جميع أنحاء العالم، وبالتالي من السهل توجيه جزءٍ من هذه المخصصات إلى
هيئة (نيد) التي تعمل بدورها في جميع أنحاء العالم، حيث تبقى بعيدة عن المساءلة
القانونية من قبل الكونجرس.
أيضًا تتلقى (نيد) مساعدات مالية من ثلاث
مؤسسات تابعة للمحافظين الجدد، وهي:
- صندوق سميث ريتشاردسون، تأسس عام 1935، من
قبل ريتشاردسون، صاحب شركة فيكس للكيماويات، واحدة من أكبر شركات الأدوية الرائدة
في العالم، قبل بيعها عام 1985 لشركة بروكتر آند جامبل.
- صندوق جون إم أولين، مؤسسة محافظة أمريكية
للتبرعات تأسست عام 1953، من قبل جون إم.. أولين، رئيس شركة أولين للصناعات
الكيماوية والذخائر، تقوم بتمويل مراكز أوعية الفكر المحافظ، والمنصات الإعلامية
التابعة لهم قبل حلها عام 2005.
- صندوق ليند وهاري برادلي، مؤسسة خيرية،
بأكثر من 800 مليون دولار في الأصول، تدعم أهداف المحافظين الجدد(5).
ولأن (نيد) بالشكل القانوني، ليست مؤسسة
تابعة للحكومة، فإنها لا تخضع لرقابة الكونجرس، وبالتالي يتم توجيه أموال هذه
المؤسسة والاستفادة منها في الدول المستهدفة، من خلال أربع مؤسسات رئيسية تمثل
الغطاء القانوني لها، وعبر توجهات هذه المؤسسات الأربع، تضمن (نيد) السيطرة على
كافة الطوائف العمالية، والتيارات الحزبية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، داخل
المجتمعات المستهدفة، وتضمن ولاءات المناضلين الشيوعيين في مختلف أنحاء العالم،
وانقلابهم على موسكو وبكين، هذه المؤسسات هي:
· المركز
الأمريكي للتضامن العمالي الدولي. التابع لاتحاد عمال الولايات المتحدة،
المنوط به إفساد الطبقة العمالية وتأليبها ضد أنظمتها الحاكمة.
· وزارة
الخارجية الأمريكية. (المنسق العام).
· المعهد
الديمقراطي الوطني. التابع للحزب الديمقراطي، المنوط به إفساد أحزاب اليسار
وضمان ولاءاته، وتتولى إدارته وزيرة الخارجية السابقة (مادلين أولبرايت).
· المعهد
الجمهوري. التابع للحزب الجمهوري، المنوط به إفساد أحزاب اليمين،
وضمان ولاءاته، ويتولى إدارته السيناتور المعارض والمتحدث باسم الدولة الأمريكية
العميقة (جون ماكين.. توفى عام 2018).
ومثلما كانت وجوه وكالة الاستخبارات
المركزية هي نفس الوجوه التي كانت تعمل في السابق بمكتب الخدمات الاستراتيجية، فإن
نفس الوجوه التي نفذت العمليات السرية القذرة لوكالة الاستخبارات المركزية
الأمريكية، هي التي يمكن قراءة أسمائها على رأس مجالس الإدارات المتعاقبة، على
الصندوق الوطني الديمقراطي، الذي سرعان ما نبت له أذرع طولية من منظماتٍ غير
حكومية داخل دول حلف شمال الأطلسي، امتدت فيما بعد في جميع أنحاء العالم بشبكةٍ من
المنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الديمقراطية الأهلية، تجاوزت (6000) منظمة تنادي
بحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، وتعمل تحت غطاء المساعدات والتدريب، وما هي
إلا واجهة تنفذ أجندة خاصة لوكالة الاستخبارات المركزية، بتمويلٍ من الصندوق
الوطني للديمقراطية (نيد).
فرغم أن هذه الهيئة نشأت خصوصًا إبان الحرب
الباردة لمواجهة المد الشيوعي، والتصدي للأنظمة الشيوعية في جميع أنحاء العالم،
بدعم وتمويل برامج ساعدت على إنشاء أكبر شبكة فسادٍ في تاريخ البشرية من النقابات
العمالية، والجمعيات، والأحزاب السياسية الشيوعية المعارضة، وفق خططٍ سرية من
وكالة الاستخبارات المركزية، فإن أنشطة هذه الهيئة غير القانونية استمرت بعد
انهيار جدار برلين وتحلل الاتحاد السوفيتي، فقد شاركت نيد في التحضير لموجةٍ من
زعزعة الاستقرار للأنظمة الحاكمة في أمريكا اللاتينية، وجنوب شرق آسيا، إبان وبعد
الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي.
ثم امتدت أنشطتها السرية من التبت إلى
أوكرانيا، ومن فنزويلا إلى تونس، ومن الكويت إلى المغرب، في عملية إعادةٍ لتشكيل
حدود العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وفقًا لتوصيات بوش الأب في خطابٍ ألقاه
عام 1991 إلى الكونجرس، حيث أعلن منتصرًا بزوغ فجر النظام العالمي الجديد.
وفي خطاب حالة الاتحاد أمام الكونجرس في20
يونيو من عام 2004، صرح (بوش الابن) عزم الإدارة الأمريكية مضاعفة ميزانية الدولة
المتعلقة بهذه الهيئة، بعد تحديد دورٍ جديد لها على ساحة الأحداث العالمية؛ وهو
إرساء مفهوم الانتخابات الحرة، وحرية التعبير بمنطقة الشرق الأوسط، هذه الكلمات
التي قصت شريط افتتاح ثورات الربيع العبري التي اندلعت عامي (2010-2011).
وعلى الموقع الرسمي لهذه الهيئة على شبكة
الإنترنت، يمكن للقارئ العربي التأكد من أسماء بني وطنه المدرجة في كشوف تمويلات
الهيئة تحت غطاء تمويل مؤسساتهم على نشر برامج الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان،
ومضاهاة هذه الأسماء بما أُطلق عليهم رموز ثورات الربيع العربي(6).
من كل ما سبق سرده من حقائق، يتضح أن
الصندوق الوطني للديمقراطية (نيد).. مجرد أداة أمريكية تستخدم من أجل ترسيخ
أيديولوجية الزعامة العالمية التي بدأت مع شن الأمريكيين أولى حروبهم التوسعية ضد
المكسيك عام 1846، ولأن نشأة الولايات المتحدة ارتكزت على أساسٍ وبُعدٍ ديني،
كفكرةٍ استثنائية يمكن أن تتحول إلى هيمنةٍ عالمية لإمبراطورية كونية، تقدم رسول
الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات للبشرية في الصفوف الأولى لجماهيرها، من أجل
كل هذا كانت (نيد) واجهة العيون الخمس.
معهد الولايات المتحدة للسلام ..USIP
تأسس المعهد عام 1984، أي بعد عامٍ من تأسيس
الصندوق الوطني للديمقراطي ( نيد)، لترتبط عضويًّا به، العامل المشترك بين
المؤسستين، هي أسماء رؤساء مجالس الإدارة المتعاقبة، ونواب الرئيس بفلسفة الباب
الدوار.
ولكن معهد الولايات المتحدة للسلام،
بخلاف الصندوق الوطني للديمقراطية؛ يُعد مؤسسة وطنية أمريكية، تتلقى التمويلات من
الكونجرس الأمريكي، كجزءٍ من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكي، وتحت ستار أبحاث
العلوم السياسية يمكن للمعهد دفع رواتب للسياسيين الأجانب، عكس (نيد) التي تتلقى
التمويلات من الكونجرس، كجزءٍ من مخصصات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
تعتبر مؤسسة (ألبرت آينشتاين) من أهم وأخطر
الجهات التي يمولها معهد الولايات المتحدة للسلام، في البداية كانت هذه الشراكة
بين المعهد والمؤسسة بغرض دعم المقاومة اللاعنيف، كشكلٍ من أشكال الدفاع المدني
لسكان أوروبا الغربية، في حالة أي هجومٍ من حلف وارسو، سرعان ما تحول العمل غير
العنيف، كشكلٍ من أشكال الحماية من غزوٍ أو محتلٍّ للأرض، إلى استراتيجيات وخطط
علوم التغيير التي تخترق وحدة وسيادة الدول، وتخلخل المجتمعات من الداخل بالفوضى
المنظمة، نحو تغيير الأنظمة بثوراتٍ ملونة تفكك الكتل الشيوعية المتبقية في أوروبا
الشرقية، بما عرف بربيع براغ، ثم اتجهت صوب منطقة الشرق الأوسط بالربيع العبري
لتمارس نفس المهمة.
الرؤية الاستراتيجية
إن الاستراتيجية الأمريكية، ما بعد الحقبة
السوفيتية، والخاصة بتغيير الأنظمة الحاكمة، في البلدان التي ترفض الانصياع
للكاوبوي الأمريكي، تبدلت في أغلب البلدان، من استراتيجية الحروب التقليدية،
والاحتلال العسكري، إلى استراتيجيات الحروب غير التقليدية، والاحتلال المدني في
العديد من بلدان دول العالم الثالث.
تتلخص هذه الاستراتيجية في الانقلاب المدني
الناعم على السلطة، أو هكذا يبدو، عبر ثورات ملونة تقودها مجموعات محلية من
الانفصاليين، أو المعارضين، أو المتسكعين ممن يحملون هواتف محمولة بكاميرا، أُطلق
عليهم (نشطاء سياسيون) وجميعهم من الموالين لواشنطن.
وللحفاظ على الشكل السلمي الأمريكي المخادع،
توصف هذه الثورات بـ (الكفاح السلمي غير العنيف) للشعوب القابعة تحت حكم
الديكتاتور، بينما هي عملية تنصيب جماعةٍ موالية من الأقليات، مقاليد الحكم في
البلاد المستهدفة، باستخدام العنف، وكل العنف.
أما تكتيكات سلسلة تغيير الأنظمة بثوراتٍ
ملونة، فتأتي عبر خطط اختراقٍ طويلة المدى لهذه المجتمعات، بمنظمات المجتمع المدني
الغربي، ونهاياتها الطرفية داخل المجتمعات المطلوب تفكيكها، والتي تتخذ أشكالًا
عديدة، وتتستر تحت شعاراتٍ رنانة، تحمل مفردات غربية تبدو نبيلة؛ مثل نشر قيم
الديمقراطية، والحكم الرشيد، ومساعدة الشعوب على الرفاهية، والنهوض بمناحي الحياة
الاجتماعية، سياسية كانت أم اقتصادية.
عبر هذا الاختراق، تنجح أمريكا
وحلفاؤها الكنديون، والأوروبيون، في شراء الذمم، وضمان الولاءات بالدولارات
البرتقالية، وغسيل الأدمغة بالنموذج الأمريكي المبهر للشباب، وفي الأخير تحصد
أمريكا جيوشًا من جحافل القوات الناعمة الجاهزة للتحرك في الزمان والمكان.
وحينما تصبح جميع عناصر الدائرة من جحافل
القوات الناعمة، مربوطة ببعضها البعض، يتم توصيل الدائرة الكهربائية، وتنفذ الشحنة
الكهربائية إلى جسد ميادين الثورة.
يحدث هذا بداية من عمليات التشويه المتعمد
والممنهج لأنظمة الحكم، من قبل منصات الإعلام المحلية المقروءة والمرئية والمسموع
منها، والممولة من قبل الغرب، والمرتبطة بوسائل الإعلام الغربية ذات المصداقية
العالية، التابعة للكوربوقراطية.
نفس الدور تقوم به الأحزاب السياسية،
والحركات الاحتجاجية، وقوى المعارضة المدعومة من الخارج، بعد تدريبهم وتمويلهم
داخل دكاكين الديمقراطية الغربية بالخارج، وصولًا إلى الأكاديميات والمعاهد
الثقافية، ومنظمات المجتمع المدني، وجمعيات حقوق الإنسان، نهاية بشراء ذمم نخب
المثقفين من الكتاب والأدباء، والصحفيين، والإعلاميين، والفنانين، بعد أن يتم
منحهم جوائز عالمية أو شهادات تقدير في المهرجانات الدولية، من أجل تلميعهم في
الداخل، حتى يصبحوا من صفوة المجتمع وقدوة للشباب.
بنهاية المطاف يصبح الجميع جاهزًا للصراخ
الهستيرى من أجل التغيير، والتغيير فقط من أجل التغيير، دون وجود بديلٍ حقيقي، أو
برنامج جاهز لدى هذه النخب، بعد إسقاط النظام.
والنتيجة الحتمية، أن أمريكا أنفقت بضع
ملايين من الدولارات البرتقالية، على الفوضى المنظمة، وإدخال الدول في حالةٍ من
الاضطرابات العامة، لا تسقط معها هذه الأنظمة الحاكمة فحسب، بل تنهار معها الدول
الوطنية بعد أن تسقط مؤسساتها، وتنفلت شعوبها بعد التحرر من القيود المفروضة عليها
بفعل القانون والطبيعة ، وتنهار الاقتصادات، وترتفع معدلات البطالة، ويعم الفقر
البلاد التي تدخل في دوامةٍ من العنف، والعنف المضاد.
حينئذ يأتي دور اللاعب الرئيسي
المتمرس في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض... الكوربوقراط في وول ستريت،
يمنحون الضوء الأخضر إلى مؤسسات بريتون وودز، فقد حان الوقت للتدخل، وكل المطلوب
من الأنظمة الحاكمة الجديدة (الموالية للبيت الأبيض) هو الانصياع إلى أوامر السلطة
الثلاثية (صندوق النقد الدولي - البنك الدولي- منظمة التجارة العالمية) والموافقة
على تلقي القروض الممنوحة من قبل مصارف وول ستريت، ونادي باريس، تحت غطاء خطط
الإصلاح الاقتصادي وإنقاذ البلاد.
ثم تبدأ حملة تسويقية ضخمة من حرب الأفكار،
تديرها الصحف العالمية، والمؤسسات الاقتصادية الدولية التابعة للكوربوقراطية؛
المنتج في هذه الحملة هي برامج الإصلاح الاقتصادي، المدعوم من قبل الصندوق،
والزبون هي الشعوب التي ابتلعت الطعم، وعاشت على أمل الانفراجة، وتحسن مستويات
المعيشة.
في الأخير تذهب الدول إلى المزيد من عبء
الديون ويتضخم خدمة الدين، وتبدأ الدول بالتدريج في بيع الأصول، وخصخصة القطاع
العام، وتحرير سعر الصرف، وإطلاق أسعار السلع لصالح اقتصاد السوق الحرة، وهكذا
تسقط الدول التي رفضت الاندماج في، أو مقاومة العولمة، داخل شبكة نموذج الكونية
بلا رجعة.
هذه الاستراتيجية، كجزءٍ من استراتيجيةٍ
أكبر، من أجل ضمان الحفاظ على الهيمنة الأمريكية على رقعة الأوراسيا ما بعد
السوفيتية، وكقوةٍ عالمية في عالمٍ أحادي القطبية؛ نجحت نجاحًا مبهرًا في دولٍ
عديدة في حقبة ما بعد السوفيتية، بينما فشلت في دولٍ أخرى، ولا تزال فاعلياتها
تطلق صواريخ التغيير في ساحات المواجهة مع دولٍ عديدة.
سنحاول عبر الفصول القادمة التجول حول قارات
العالم المختلفة، والتعرف عليها وكشف أسرارها، وفقًا لوثيقة استراتيجية الأمن
القومي الأمريكي، الصادرة عن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، منذ بوش الأب نهاية
بدونالد ترامب، ونلقي الضوء على الرواية المغايرة القادمة من الشرق، عبر الصين
وروسيا، ونقدم الرؤية الاستراتيجية في محاولةٍ جادة لاستشراف المستقبل.