"الورقة الأولى".. نص لـ "نهى جلال"
السماء تتحدث الآن..
تنظر إليَّ.. تلومني.. اشتاقت لرأسي وهي مرفوعه آخر كل ليلة لأُحدثها عما بداخلي، وأنا أشكو إليها، تُفزعها تلك المسافة الشاسعة بيننا، فتحاول أن تقترب، تبوء جميع محاولاتها بالفشل؛ أبدأ في فتح جميع ملفاتي المغلقة، وأرفع يديّ عن آخرها كي تصل إليها وتلتقط جزءًا بسيطًا تُلقي عليه نظرة، السماء تعرفني جيداً، لست من النوع الثرثار، أو بمعنى أدق، لست أنا من تشكي مُعلنة إنهزاماتها، تمد يديها وهي تقاوم لعنة المسافات بيننا، لم توفق في تلك المرة أيضًا؛ عهدنا فيما قبل إتفاقًا، أن أطوي تلك الأوراق واحدة تلو الأخرى وأتركهم للريح، ربما تكون تلك المحاولة يافعة، بالفعل، لوّحت لي من بعيد وهي تمسك الورقه الأولى بيديها، في تلك اللحظة انتابني شعور متناقض، سعادة بالغة وخوف شديد، السماء قاسية، وحنونة أيضًا، ولكنني لم أتوقع ردة فعلها عندما تقرأ، قطعت بصوتها الحنون أفكاري و توتري.. بدأت تردد كلمتها المعتادة "ليس الآن"، وأشارت إلى أنه لم يحن الوقت بعد!
لست أدري متى سيحدث هذا، و لكنني أعلم كيف..
في تلك اللحظة، مرّت سحابه تُعلن غضبها وضجرها، لتُشكِّل حاجزًا ضخماً بيننا، وكأنها تُعلن عن عدم جواز ما يحدث الآن.
مرت ببطء وأنا أنتظر مرورها بفارغ الصبر، بدأ لون السماء الأزرق يتضح شيئاً فشيء، رأيتها تطوي تلك الورقة وتتركها للريح، ولكن في إتجاه آخر كي لا تصل لي مجدداً، في نفس اللحظة تحدثت وارتفع صوتها قليلاً لتُردد نفس الجملة "ليس الآن.. فلديكِ مُتسع من الوقت"؛ قالتها وانحنت قليلاً وكأنها لاتريد للكون أن يسمعنا، قالت لي "ليس كل أزرق جميل.. فالأزرق الجالس بجوارك الآن قبيح.. قبيح للغاية.. يختطفك لساعات، وربما أيام، يُدخلك في نوبات بكاء غير مبررة، يحرق سجائرك وليس العكس، ويرغم جميع محاولاتك للهرب بالاستعانة..
ألم تلحظي بأنه تمرد ولم يعد وجوده بجوارك يُجدي نفعاً؟".