رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الإسراء والمعراج

28-4-2017 | 12:36


بقلم : د. عبدالله النجار

كلما استدار العام وجاءت ذكرى الإسراء والمعراج يعيد المسلمون تدبرهم لهذا الحادث المعجز الذى جرى به قدر الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليكون تأييداً له وتأكيداً لرسالته، ودليلاً على أن ما جاء به هو عين الحق من الله سبحانه، وكان فيه من المؤازرة والمواساة للنبى - صلى الله عليه وسلم - فى وقت من حياته كان هو فى أمس الحاجة إليهما, وبخاصة بعد أن توفيت أولى زوجاته أم المؤمنين خديجة-  رضى الله عنها-  وقد كانت له عوناً ونصيراً ووقفت بجانبه فى الوقت الذى بدأ فيه نزول وحى الله عليه، فما خذلته، ولا تخلت عنه، بل وقفت بجانبه وأيدته فيما تحمله من أمر الوحى وما يستلزمه من المسئوليات الجسيمة، والمهام الثقيلة، كما توفى بعدها بوقت قليل من نفس عام الإسراء والمعراج عمه أبو طالب الذى احتضنه وهو يتيم بعد وفاة جده عبدالمطلب، فكان منه بمثابة الأب الرحيم والملاذ الأمين والراعى الكريم، وهو الذى كان يصد عنه توثبات المشركين للاعتداء عليه والحيلولة بينه وبين استكمال رسالته، وما من شك فى أن هذين الأمرين قد أثرا على نفسية النبى  -صلى الله عليه وسلم-  ويشعر بعد فقدهما بما يشبه اليتيم الذى عاش فى مبتدأ حياته، والذى يعيش مثل هذا الموقف يعتريه من الضيق ما يحتاج معه إلى التنفيس والتسرية التى تخفف من معاناته وتعيد النشاط إلى حياته.

وقد صاحب فقد النبى لزوجته وعمه ما حدث له فى الطائف وما لاقاه فيها من عنف دفع سفهاء الأحلام وحديثى السن إلى مطاردته ورميه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين، ولم يكن يستريح من عناء تلك المطاردة تحت شجرة فى بستان لأحد أكابرها حتى أخذ يدعو ربه قائلاً:  "اللهم إنى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى، وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلتى، إلى بعيد يتجهمنى، أم إلى عدو ملكته أمرى، أعوذ بنور وجهك الذى شرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو أن يحل على سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".

 

ومن ثم كان من المناسب فى سياق هذا القدر الإلهي المرسوم لهذا النبى الكريم أن يحدث له مثل هذا التكريم من ربه، ولله در من قال: ضاقت عليه الأرض وهى رحيبة، وبات حزيناً قلبه يتفطر.

فنادت سماء الله لا تأس إننى أحن إلى لقياك والشوق يغمر.

تحدث القرآن الكريم عن معجزة الإسراء والمعراج في سورتين كما روته كتب الصحاح في أكثر من مرجع وجاء حديث القرآن عنه أولا فى سورة الإسراء، حيث قال الله تعالى: "سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير"، كما تحدث عنه في سورة النجم من أولها حتى قول الله تعالى: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى", فدل هذا الختام للحديث عن المعراج، مع نهاية حديث القرآن عن الإسراء فى سورة الإسراء على أن الهدف المنشود من تلك الرحلة المباركة التى انطوت على هذه المعجزات الخارقة قد تحقق، وحدث لهذا النبى الكريم من التكريم فيها ما لم يحدث قبله لنبى مرسل ولا لملك مقرب، وأنه بها قد حصل علم الأولين والآخرين ورأى ماضي الحياة والوجود ومستقبلهما ما لم يتحه الله لأحد من الخلائق قبله، ولم يتح لأحد بعده صلى الله عليه وسلم.

ولا يستقيم الخلاف فى هذا الأمر حول وقوعه بالروح وبالجسد، لأن إضافة حادث الإسراء إلى الله واختصاصه بجانب العبودية فى رسوله يدل على أنه قد وقع للنبى - صلى الله عليه وسلم-  بصورته وهيئته، وليس بروحه فقط، وإنما بالروح والبدن معا وبهيئته التى خلقه الله عليها, فما دام الأمر معجزة, وما دامت المعجزة أمراً خارقاً للعادة يختص بفعل الله وقدرته التى تعمل بقانون كن فيكون، وليس بقانون السببية الذى يخضع له جميع العالمين، فإن الإسراء والمعراج يكونان قد وقعا بالروح والجسد معاً وليس بالروح وحدها، ويقظة وليس مناماً، كما قال بعض المفسرين ونقله عنهم بعض الباحثين.

كما لا يجوز حساب تلك المعجزة بحسابات الزمن التى تستوعب مثلها فى مقاييس الناس الزمنية التى تحسب بالساعات أو الأيام أو الأشهر، بل تخضع لمقاييس الله التى يختلف تقدير الزمان فيها ليكون بالثانية أو اللحظة أو جزء منها، وقد يكون أقل بملايين المرات من الفيمتو الذى اكتشفه العلامة المرحوم الدكتور زويل لأن مدى الرؤية على قدر من يرى، والكون كله ما هو إلا ذرة فى ملك الله, وما يقع فى اللحظة منه قد يفوق شهورا أو دهورا بحسابات أهل الأرض، ومن ثم فإن ما روى من أن النبى-  صلى الله عليه وسلم-  قد أمضى الرحلة فى الإسراء والمعراج ثم عاد ولم يبرد فراشه يكون صحيحا غاية الصحة، ودقيقا بغاية الدقة، لأن الله هو الذى فعل ذلك بمقاييسه هو وليس بمقاييس الناس، ويكون صحيحا ما روته أم هانئ فى هذا الحديث.

والمعجز فى تلك المعجزة أن النبى - صلى الله عيله وسلم-  قد رأى عينا ما بلغنا أن نؤمن به غيباً، فقد بلغنا بوجوب الإيمان بالله وما يستتبعه ذلك من الإيمان باليوم الآخر وما فيه بعث وحساب وجنة ونار، وغيب الآخرة كان-  ولا يزال وسيظل-  غيباً عنا، حيث لم يذهب أحد إليه بعد موته ثم عاد ليخبرنا بما رأى، ولهذا ملأ حادث المعراج فضاء ما يثار عن هذا الأمر الغيبى من التساؤل فرأى النبى بعينيه ما أخبر به عن ربه، فقد رأى الجنة والنار، ووقف على أحوال أهل النار وأسباب دخولهم فيها، رأى شهود الزور ومنتهكي حرمة الأعراض وخائنى أمانة العلم، وجرم كل من ارتكب جرماً أدخله النار، طوى الله له ما مضى من الزمان فرأى الأنبياء قبله وزمانهم وقومهم وما حدث منهم ولهم، وباختصار لقد رأى ما فى الحياة ومستقبل الوجود حتى تلاشى الزمان بحقه وأصبح أوله فى حقه كآخره، وهذا ما لم يحدث لأحد قبله، وبه صار سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم.