"حضور باهت".. من مجموعة "جئتك بالحب" لـ"تيسير النجار"
تنشر "الهلال اليوم"، قصة قصيرة من المجموعة القصصية "جئتك بالحب"، للكاتبة الشابة "تيسير النجار"، والصادرة مؤخرًا ع الهيئة العامة لقصور الثقافة، والقصة بعنوان "حضور باهت".
حضور باهت
- زوجي تم حبسه.
قالت ذلك في جملة باردة ومبتورة، قابضة كفيها على الفراغ وتضعهما متواجهين فوق الغسالة التي يزعجني أزيزها، في الصباح عرفت موضوع القضية ونسيته؛ علمي بالقانون قليل جدًا لكني أعرف أن هناك موقف بعد صدور الحكم يسمى استئناف حسب اعتقادي، التفت نحوها، كانت على نفس الوضع وتبعثر الحزن على ملامحها، سألتها عن الاستئناف، ردت أن اليوم رُفض الاستئناف، مرت من خلفي واتجهت إلى الميكروويف، أخرجت فطيرة محلاة بالسكر، أمسكتها بأناملها كانت ساخنة جدًا .. قضمتها دون شهية، مضغنها بأسى، بعدما ابتلعتها سألتني عن جدوى زيارتها له، العقوبة يومين وحسب، ذهب ابن عم زوجها إليه بالطعام والبطانية؛ الشتاء بدأ، أوضحت أن الزيارة تقديرًا منها له ولرفع روحه المعنوية. سأل صغارها عن تأخره، أخبرتهم بما حدث.
قال الأصغر: ح يلاقي بابا سرير في الحبس؟
ضحك الكبير وحدثه عن عالم السجن حسب ما تعرضه السينما، دخلا غرفتهما ولعبا حتى النوم، تعجبت عن عدم حزنهم؛ أوضحت أنه غيابه الكثير وسهره حتى الفجر جعلهم يعتادون، كنت حزينة جدًا لأجله، كانت تشاهد المسلسل بانتباه وعند نهايته؛ اتصلت بصديقتها مثل أي يوم عادي، زوج مسجون وهاتفه مغلق ولا بأس.
تذكرت زوجي أقصد طليقي أو زوجي المخلوع كما أحب تسميته؛ العذاب الذي أذاقني إياه وكما نظرت إلى معصمي ورأيت الجرح عند شرياني؛ أشعر بكل الألم والخوف، لماذا لا يشعرون بالحب تجاهه أو الامتنان؟ أنا خادمتها لكنها أخبرتني يومًا أنه عادي في كل شيء لا يُحب ولا يُكره، تزوجته لأن سن الزواج أتى؛ تعامله بالمعروف وهذا يكفي، لا يكفي لو كان زوجي لحملته في عينيّ أنه رحيم، الرحمة أهم من الحب؛ الرحمة دائمة ومتصلة لا تستثني أحدًا، نامت بجوار صغارها؛ كنت أدعو الله طوال الليل أن يحفظه.