رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ندوة لوزارة الأوقاف: الأمم والمجتمعات لا تنهض إلا بالوعي السليم

25-11-2020 | 16:24



أكد المشاركون في ندوة بعنوان "الوعي وأثره في حياة الأفراد والمجتمعات" أن الدولة المصرية تولي قضية الوعي اهتمامًا بالغًا، وأن الأمم والمجتمعات لا تنهض إلا بالوعي السليم وإدراك الأشياء على حقيقتها، وأن دور المؤسسات الثقافية والدينية هو إرشاد الشباب واحتواء أفكارهم.


جاء ذلك في ندوة للرأي نظمتها وزارة الأوقاف، اليوم الأربعاء بمبنى الإذاعة والتليفزيون، برعاية وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، وفي إطار الدور التوعوي الذي تقوم به الوزارة، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان، وفي ضوء التعاون والتنسيق المستمر بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري، والتي تحدث فيها الدكتور أشرف فهمي مدير عام التدريب بوزارة الأوقاف، والدكتور ياسر أحمد المرسي عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر.


وفي بداية الندوة، أكد الدكتور أشرف فهمي، أن الإسلام حثنا على الوعي والتفكير الصحيح، وصِحة الفهمِ، وَسلامَة العقل؛ لأن ذلك مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ (عز وجل) عَلَى عَبْدِهِ، بَلْ من أَجَل نِعم الله على خلقه نعمة العقل، كما جاء القرآن الكريم، داعيًا إلى إعمال العقل، والتفكير السديد، وذلك في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، موضحا أن الله تعالى حث على الوعيِ وأَثنى على أَهله، فقال تبارك وتعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ )، وحثَّ نبينا (صلى الله عليه وسلم) على الفقه والفهم أيضًا، فقال (صلى الله عليه وسلم):" نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا، وَبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ"، ففي قوله (صلى الله عليه وسلم): (فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا) إِشارة إِلى الْحِفْظِ السَّلِيمِ وَالْفَهْمِ الْمُسْتَقِيمِ، وَفِي قَوْلِهِ (صلى الله عليه وسلم):" فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ" إِشَارَة إِلَى صاحب الفهم الضَّعِيفِ الذي لا فائدة منه، وَفِي قَوْلِهِ (صلى الله عليه وسلم): "وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ) إِشَارَة إِلَى تَفَاوُتِ الْأَفْهَامِ, وَأَنَّ سَامِعَ الْخَبَرِ قَدْ يَسْتَنْبِطُ مِمَّا سَمِعَ مَا لَمْ يَسْتَنْبِطْهُ غيره.


وأوضح فهمي أن الله سبحانه وتعالى خلق لنا وسائل وأدوات نستطيع من خلالها إعمال العقل، وهذا ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات، ويقول سُبْحَانَهُ: "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"، كما نعى القرآن الكريم على الذين يسيئون استعمال هذه الحواس التي خصهم بها ربنا فقال الحق سبحانه وتعالى: "وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ"، فوصفهم القرآن الكريم بالصم والبكم والعمي وهم في الحقيقة ليسوا صمًا ولا بكمًا ولا عميًا ولكنهم فقدوا الوعي والإدراك السليم، مشيرا إلى أنه إذا كان الوعي سليمًا تنهض الأفراد والأمم والمجتمعات، فعوامل نهوض أي أمة هو الوعي السليم، سواء أكان الوعي ذاتيًا أم اجتماعيًا، فهما وجهان لعملة واحدة، مصداقًا لقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ".


وأكد أن التفكير السليم يعصم الإنسان من الخضوع لمروجي الأفكار المتشددة الذين يتاجرون باسم الدين؛ لافتا إلى أن الدولة المصرية ووزارة الأوقاف تولي قضية الوعي اهتماما خاصا وجعل عام ٢٠٢١ م بالأوقاف هو عام العلم والوعي ودراسة المقاصد الشرعية، وقد أصدرت الوزارة كتاب (بناء الوعي) كي تسهم في بناء فكر الشباب وتنمية الوعي لديهم، وتصحيحًا للأفكار والمفاهيم المغلوطة التي يتخذها تجار الدين شعارًا زائفًا لهم.


من جانبه، أكد الدكتور ياسر أحمد المرسي أن الإنسان الناجح هو الشخص الذي يُقدم على الأعمال الحسنة ويجتنب الخبيث منها، وهو أيضًا ما يمتلك ميزانًا من العقل يميز به الطيب من غيره؛ لذا كان الوعي هو إدراك الأشياء على حقيقتها، قال الله تعالى: "لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ"، فالسعيد من وعظ بغيره، والشخص الواعي هو الذي يتعظ بتجارب الآخرين؛ فالأشياء لها ظواهر وبواطن، والوعي هو أن يجمع بينهما، فيعرف الأمور على حقيقتها، ويكتسب هذه الخصلة إما بالفطرة التي خلقها الله عز وجل فيه، وإما أن يكتسبها من خبرات من حوله، وقد جاء في الصحيحين عن سيدنا أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "كانت امرأتان معهما أبناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود (عليه السلام) فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود (عليهما السلام)، فأخبرتاه فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى"، مبينا أنه حين ينتشر الفساد، وتعم المفاهيم المغلوطة لعدم الوعي، يصبح الحق باطلًا والباطل حقًا، كما ذكر القرآن الكريم قول قوم لوط: (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون).


وأضاف أن العلم من أهم أدوات الوعي، فبه يستطيع الإنسان إدراك الأمور على حقيقتها، وكشف ما يدور حوله من زيف؛ لذلك وقف العلماء على حقائق الأمور بفضل العلم على مر العصور، وكان لمخالطتهم الناس أكبر الأثر في تنمية الوعي لديهم، وصقلهم بالخبرات التي تمكنهم من التمييز بين الأمور، مستدلًا بما دار بين الشعبي والقاضي شريح، قال الشعبي: كنت جالسا عند شريح القاضي، إذ دخلت عليه امرأة تشتكي زوجها وهو غائب وتبكي بكاءً شديدًا، فقلت: أصلحك الله ما أراها إلا مظلومة، قال شريح: وما أعلمك ؟ قال الشعبي: قلت: لبكائها، فقال شريح: لا تفعل(لا تتأثر ببكائها)، فإن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاءً يبكون وهم ظالمون.


وأشار إلى أنه على القاضي أو من يجلس للإفتاء بين الناس أن يكون واعيًا كيَّسًا فطنًا، فما يصلح لشخص ربما لا يصلح لآخر، ولننظر إلى سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) عندما جاء رجل إليه فقال: "لمن قتل مؤمنا توبة؟ قال: لا إلا النار، فلما ذهب قال له جلساؤه: ما هكذا كنت تفتينا، كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمنا توبة مقبولة، فما بال اليوم؟ قال: إني أحسبه رجل مغضب يريد أن يقتل مؤمنا! قال: فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك"، ومن هنا يأتي دور المؤسسات الثقافية والدينية في إرشاد الشباب واحتواء أفكارهم استثمارًا لطاقاتهم وتوجيههم للفكر المستنير الذي يحميهم من براثن الفكر الضال والجماعات المتشددة، ومن هنا نعيد الشباب إلى الفكر القويم مرة أخرى.