رئيس مجلس الادارة
عمــر أحمــد ســامي
رئيس التحرير
طــــه فرغــــلي
"قبل رؤيته".. من مجموعة "جئتك بالحب" لـ"تيسير النجار"
تنشر "الهلال اليوم"، قصة قصيرة من المجموعة القصصية "جئتك بالحب"، للكاتبة الشابة "تيسير النجار"، والصادرة مؤخرًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، والقصة بعنوان " قبل رؤيته"
سقط الحجاب بشكل تلقائي، رأيت شعرها المعقود في كعكة صغيرة جدًا، سألتها عن سبب تساقطه، نظرت إليّ وأعادت الحجاب لرأسها، شردت قليلاً
•ليس شعري الذي يتساقط فقط.
إجابتها المبهمة، أثارت حيرتي
•سلامتكِ.
مروة صديقة طفولتي لكن الحياة فرقتنا سافرت مع عائلتي لظروف عمل والدي، كنا نتواصل بالهاتف في فترات بعيدة، بدت شاحبة وأكبر سنًا
•ابني مريض.
وحملت صغيرتها عندما نادت الممرضة اسمها، أخرجت ثديي لطفلي الذي بدأ البكاء، اللاتي سبقنني كثيرات، لن يحتمل الجوع لوقت طويل، وحدتنا الصحية لم تتغير، طال الشجر وتحفر البلاط وحسب، عادت وصغيرتها تبكي بشدة وبقعة دم على كتفها، ودعتني في عجل
•ابني يرهق أمي بمرضه عليّ الذهاب، ح نتقابل.
ابتسمت لها وأكدت أنني سأزورها في أول فرصة، حدثتني التي بجواري، ذكرتني بنفسها كانت تصغرني لذلك لم أتعرف عليها ومعها طفلان توأم، تحمل الصبي وأختُ زوجها تحمل الفتاة، بادرتني:
•صاحبتكِ ابنها متخلف متعرفيش؟
•لا، هل مريض بمتلازمة داون؟
•قصدكِ إيه؟
•منغولي؟
•ماعرفش هو دائم الصراخ والهروب من المنزل، يضرب الأطفال.
•إيه المرض دا؟
•تخلف.
ونادتها أخت زوجها وتشاغلت عني، كانت تقول تخلف ببساطة كأنه مصاب بانفلونزا، أقلقتني جدًا، أغلق طفلي فمه، أدخلت ثديي وأحكمت لفة حجابي والوقت بطيء، جاءت تهاني وسلمت عليّ ولاعبت طفلي، لم يكن لديها طفل، سألتها عن سبب زيارتها.
•حتى آخذ حبوب منع الحمل.
أخبرتني أن لديها بنتًا وحيدة في الصف الثالث الابتدائي، تعمل معلمة في مدرسة قريتنا، سألتها عن الأحوال والتلاميذ وتطرقت لأبناء مروة، قالت
•إسماعيل طفل ذكي لكن مرض أخيه يؤثر في مستواه، لأنه بيهتم به.
•عنده إيه؟
•مريض في عقله - حفظنا الله - تعالجه من سنوات من غير فايدة.
حاولت فهم طبيعة مرضه لكن تهاني لا تعلم، جاء دوري تناول طفلي التطعيم، غرزت الممرضة الإبرة بوحشية جعلته يبكي بشكل أفزعني، حملته وخرجت وأنا ألعنها من كل قلبي، نسيت توديع تهاني أو أنها لم تكن على مقعدها لا أعلم، وجدت نفسي أنساق إلى منزل مروة، فضول أم شفقة لا أعرف، طرقت الباب، فتحت لي بترحاب شديد، أرشدتني إلى غرفة الجلوس، صوت زنة متواصلة من الغرفة المجاورة، جلست ووضعت طفلي الذي نام ومجرى الدموع مرسوم على وجهه، عادت بكوب من عصير مع أسئلتها عن زوجي وكيف فضل الحياة هنا ؟ خطوات صغيرة متسارعة تبعها وجه دقيق بعينين كاملة الاستدارة، فم لونه برتقالي وما حوله، يحمل كوبًا فارغًا، حاولت تقبيله فابتعد عني، دنا وجهه من كوب العصير الموضوع فوق المنضدة، طلبت مني شربه، لكنه سبقني وأفرغ الكوب في فمه، اعتذرت بشدة، ضحكت وأكدت أن كل الأطفال هكذا.
•عيب يا سليمان.
قال بصوت رفيع "عييييييييييب" وضحك حتى ظهرت أسنانه، خرج وعاد سريعًا في يده دمية قطنية متسخة وتفاحة مقضومة منذ فترة حتى اسودَّ لونها، كان سيجلس فوق ابني حملته بذعر، اعتذرت بشدة وطلبت منه الخروج، بدا كأنه أصم، صرخت طفلتها، ذهبت إليها، وقفت خلف الباب الرئيسي، رجتني البقاء لتناول الغداء معًا، أصررت على العودة لأن ورائي الكثير من المهام، فتحت الباب، ركض سليمان حافي القدمين وأنزل سرواله وتبول فوق السيراميك الذي أمام الباب.
•تحسن كثيرًا كان يتبول في ثيابه.
دعوت له بالشفاء، كان يئن دون دموع سألتها عن السبب
•عنده اكتئاب.
•الطفل ده..!
•نعم، عنده ثمانية سنوات.
كان دقيق الحجم، تأهبت للخروج لكن السؤال أوقفني.
•ما هو مرضه؟
•توحد.
شعرت بالإحراج هل هو تخلف أيضًا لم أسمع عنه مطلقًا؟