رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«صراعات قومية تستدعى القرم القيصرية».. من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»

30-11-2020 | 16:24


تنشر بوابة «الهلال اليوم» جزءًا من الفصل الثالث من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار سما للنشر، وجاء فيه:


صراعات قومية تستدعى القرم القيصرية

أصبح ملك الشوكولا (بيترو بوروشينكو) رئيسًا جديدًا على أوكرانيا فى 25 مايو 2014؛ الأمر دفع جمهوريتى دونيتسك، ولوهانسك، الموالية للرئيس الهارب، إلى إعلان الانفصال عن أوكرانيا من جانبٍ واحد، بعد أن تزعم القوميون المتعصبون مظاهراتٍ حاشدة، حاصرت فيها المؤسسات الحكومية، وأسقطت علم البلاد من فوق أبنيتها، وأقامت مؤسساتها الحكومية الخاصة، وبدأت فى دفع المعاشات التقاعدية، والرواتب، والمعونات الاجتماعية للسكان.

 

الجمهورية الناطقة باللغة الروسية، الواقعة فى الجنوب الشرقى من أوكرانيا على الحدود مع روسيا، جميع سكانها موالين لموسكو، وقد خشى هؤلاء من تسلط حكومة اليمين المتطرف فى كييف؛ خاصةً بعدما أصدرت كييف أولى قراراتها، بإلغاء اللغة الروسية، كلغةٍ ثانية فى البلاد، مما يعنى بدء صراع القوميات بين سكان الشرق ذات الجذور الروسية، وسكان الغرب أصحاب الجذور الأوروبية.

 

الأمر أدى إلى نشوب حربٍ فى منطقة دونباس بين المتمردين الانفصاليين التابعين لموسكو، والحكومة المركزية فى كييف التابعة لواشنطن، اتهمت كلٌّ من واشنطن وحكومة كييف، موسكو، بدعم هؤلاء الانفصاليين وتقديم السلاح لهم، فى الوقت الذى قامت فيه روسيا بالتدخل العسكرى فى شبه جزيرة القرم، كتلبيةٍ سريعة لمناشدات سكان المدينة ذات الحكم الذاتى، خوفًا من الحكومة الجديدة فى كييف.

 

ميناء سيفاستوبول فى القرم، هو مقر أسطول البحر الأسود الروسى منذ روسيا القيصرية، شبه الجزيرة هذه تقع فى جنوبى أوكرانيا، وشمال البحر الأسود، تبلغ مساحتها (62 ألف كم(2 كانت أحد أراضى روسيا القيصرية منذ القرن الثامن عشر، وتُعد المدخل الرئيسى إلى موسكو.

 

وعلى هذا فعودة القرم إلى البيئة الروسية، يعنى تأمين النفوذ العسكرى الروسى على البحر الأسود، ومن ثم تأمين النفوذ الاقتصادى الروسى، حيث تمر خطوط أنابيب الغاز الروسى إلى ليالى أوروبا الباردة، عبر البحر الأسود.


6  مارس من نفس العام، صوت أعضاء المجلس الأعلى لجمهورية القرم ذاتية الحكم، على الانفصال رسميًّا عن أوكرانيا، والانضمام إلى روسيا الاتحادية، ورغم احتفالات شعب المدينة بالعودة إلى البيئة الروسية، أمام صناديق الاقتراع، وقد تناقلت هذه المشاهد جميع شاشات الفضائيات، إلا أن الديمقراطية الغربية، وحق الشعوب فى تقرير مصيرها، حينما تتعلق الأمور بالإضرار بالمصالح الأمريكية، تصبح آنذاك ديمقراطية زائفة، لا تعبر عن رغبة الشعوب.


 وعلى هذا شرعت وسائل الإعلام التابعة للكوربوقراطية سريعًا، فى تشويه الصورة، وشيطنة العملية الديمقراطية، تمامًا مثلما حدث مع ثورة المصريين فى يونيو من عام 2013، حينما أسقطوا حكم الإخوان المسلمين وقلبوا صناديق الديمقراطية الغربية على أعتاب القاهرة.


لم يعترف الغرب بانفصال القرم عن أوكرانيا، واعتبره إجراءً غير دستورى، وتم قطع كافة علاقات التعاون مع روسيا، وعادت العقوبات الاقتصادية الأوربية والأمريكية، فى محاولةٍ لعزل روسيا اقتصاديًّا، وتوعدت إدارة الرئيس الأمريكى (باراك أوباما) بعدم رفع العقوبات عن روسيا، قبل عودة القرم إلى أوكرانيا، ولا تزال سلسلة العقوبات هذه مستمرة إلى الآن، وكلما أراد الرئيس الأمريكى (دونالد ترامب) فرض عقوباتٍ اقتصادية جديدة على موسكو، من أجل تحجيم تحركاتها الجيوسياسية على رقعة الأوراسيا، يستدعى رواية القرم كذريعةٍ لهذه العقوبات.


فى المقابل فرضت روسيا عقوبات مؤلمة على الغرب، إذ ضربت حظرًا كاملًا على واردات المواد الغذائية التى ينتجها الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وكندا وأستراليا والنرويج، وظل الاتحاد الأوروبى طيلة أربعة أعوام هو الطرف الأكثر تضررًا من هذه العقوبات المتبادلة فى ظل التدهور الاقتصادى وتراكم الديون وعدم القدرة على تخطى تبعيات الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.


فحتى قبل الثورة الكييفية كان الاتحاد الأوروبى هو الشريك التجارى الأول لروسيا، وقبل فرض العقوبات، كان حجم الصادرات الأوروبية إلى روسيا (12 مليار دولار) وتشكل المواد الغذائية نحو  (42%)من هذه الصادرات.


أما الولايات المتحدة كانت الأقل تضررًا بهذه العقوبات الروسية، فقيمة صادرات المواد الغذائية الأمريكية لروسيا عام 2013 كانت ( 1.2مليار دولار) أى تمثل أقل من (1%) من إجمالى المنتجات الزراعية المصدرة من الولايات المتحدة، فى حين استهدفت العقوبات الأمريكية على روسيا القطاع المالى، وحظرت تصدير سلع ومعدات إلى قطاع الطاقة الروسى، وتعليق منح وقروض لتشجيع الصادرات إلى روسيا.