رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


قضايا المرأة والصدمة الثقافية

1-12-2020 | 12:26


حسام العادلي

جاء العام 1899 مثل غيره مجرد ورقة ذابلة في شجرة التاريخ المصري في تلك الفترة، عجفاء فاترة ومنسية، اتسمت بالإحباط الشديد من الاستعمار الإنجليزي وضياع حلم الثورة العرابية، حتي أصدر قاضي في محكمة الاستئناف يدعى "قاسم أمين" كتابا أسماهُ "تحرير المرأة" ليُقيم الدنيا معه ولم يقعدها حتي الآن، إذ طالب فيه ما خالف السائد العرف في المجتمع الشرقي المسلم؛ المساواة بين الرجل والمرأة.

 وأثار آراءً فيما تعلّق بالطلاق وتعدد الزوجات والحجاب، استند في ذلك إلي أدلة شرعية من القرآن والسُنة، وإزاء الهجوم الذي تعرّض له في كتابه "تحرير المرأة" أصدر مؤلفًا آخر بعنوان "المرأة الجديدة"، ظهر عام 1900، صبّ فيه النفط فوق النار التي كانت لا تزل مشتعلة بسبب كتاب "تحرير المرأة"، بل وزاد من قساوة ردوده، وغلو بعض أفكاره وشططها، وكذلك ابتعادها عن الواقع الاجتماعي الذي يعيشه الشعب وقتها .

 الواقع أن بعض آراء قاسم أمين انحرفت عن ثوابت الشريعة الإسلامية وخالفت أحكامها بشكل واضح وهو من غَير مقبول، إذ طالب بتقييد حرية الطلاق ومَنع تعدُّدُّ الزوجات، وتقنين الزواج المدني؛ جرّ ذلك على القاضي المفكر مشاكل اجتماعية، وأدى إلى تقليص نفوذه ونبذه اجتماعيًا ومنع دعوته إلى قصر الخديوي وإلى الأماكن الرسمية .

أمّا الفضل الأكبر لقاسم أمين في قضية المرأة، لا يأتي في سياق ما نادى به من أفكار مجردة بمؤلفيه تحرير المرأة والمرأة الجديدة، إنما جاء في شكل غير مباشر ربما لم يقصده؛ إذ أنه حين تعامل مع الأفكار السائدة بشأن المرأة بمنطق "الصدمة الثقافية"، والموجهة في الأصل إلي النخبة الرجعية التي تهدف إلى إبقاء المرأة في وضعها المهين السابق واعتبارها مجرد عنبرًا للحريم .

 خلق الصدام العنيف منطقة وُسطي رمادية - بين الرجعية السائدة وشطط الطموحات - اتسمت بالاعتدال، لم تكن لتوجد إلا بفضل أفكار قاسم أمين الصادمة والجريئة .

أنبتت المنطقة الرمادية؛ الجيل الأول من النِسْويّات الفاعلات في الحياة العامة، ليس كما دعا وطالب قاسم أمين بحذافيره، إنما وفق ما اقتضه الحاجة وقتها وفرضه الظرف التاريخي والمجتمعي فيما بعد، مثل هدى شعراوي، وصفية زغلول، اللتان قادتا أول مظاهرة نسائية في ثورة 1919، واشتراك هدي شعراوي عام 1922 في المؤتمر النسائي الدولي بإيطاليا وتأسيس الاتحاد النسائي المصري عام 1924، وكذلك الرعيل الأول لخريجات الجامعة المصرية، ومنهن درية شفيق التي أخذت حق الانتخاب والترشح من مجلس قيادة ثورة يوليو، في الدستور المصري عام 1956، منطق الصدمة الثقافية أحدث حراكا في ذلك التوقيت في حالة استثنائية نادرة خدمتها ظروف ثورة 1919.

 مبدأ الصدمة الثقافية لا أتفق معه - في غالب الأحيان - وأعتقد أن المجتمع الحالي لا يقبله، وأرى أن التدرج في عرض القضية لن يؤدي إلى تحزيب وتقسيم المجتمع وتناحره، وأما مَنْ يشابه قاسم أمين الآن في الإدلاء بتصريحات صادمة سواء في صف قضايا المرأة وحقوقها أو ضدها، ربما لو تروّى وعرض الفكرة بشكل واقعي ومنهجي وعلمي حقيقي ستصبح النتائج أفضل بكثير.