رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


رحلة مع الذات

29-4-2017 | 10:19


بقلم: ماجدة محمود

من آن إلى آخر يحتاج الانسان استراحة من متاعب العمل وهموم الحياة راحة للنفس والجسد معا وحتى تكلل هذه الاستراحة بالنجاح لابد من اختيار المكان والزمان المناسبين لها ، وأتصور أنه لا مكان أفضل من المسجد الحرام والمسجد النبوى لقضاء خلوة اختيارية وسط زحام العمل الذى لا ينتهى . أجازة سريعة وإطلالة محببة إلى نفسى تلك التى أردت القيام بها والتى لم يمهلنى العمل لاختطافها من الزمن منذ ثلاث سنوات، أيضا التوقيت والذى جاء قبل شهر رمضان المبارك أعطانى فرصة للاستمتاع بتلك البقعة المباركة بعيدا عن الزحام الشديد الذى تزداد حدته خلال هذا الشهر الكريم خاصة العشر الأواخر منه .

فى رحاب الكعبة المشرفة حالفنى الحظ أن أشهد ذكرى الإسراء والمعراج وأعود بالذاكرة لما قرأت وسمعت عن رحلة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بالسعودية إلى المسجد الأقصى بفلسطين وهنا أتوقف أمام قول المولى عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم «سبحان الذى أسرى بعبده ليا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا » صدق الله العظيم ، وقد من المولى عز وجل على رسولنا الكريم بهذه الرحلة المباركة ليشد من أزره فبعد أن فقد عمه أبوطالب الذى كان يؤنسه ويؤازره ، وفقد زوجته خديجة التى كانت نعم الزوج ، ظلت رعاية الله قائمة له ، وكرمه سبحانه تعالى بقدرة إلهية وآنسه برحلة الإسراء و المعراج ، فبينما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نائما فى الحجر أتاه جبريل عليه السّلام، فهمزه بقدمه ثلاث مرات ثم أخذ جبريل بعضده، وحينها قام رسول الله معه، وخرج به جبريل إلى باب المسجد، فإذا رسول الله يرى دابّةً بيضاء بين البغل والحمار، فى فخذيها جناحان تحفّز بهما رجليه، ثمّ وضع جبريل يده فى منتهى طرف الرّسول فحمله عليه، وخرج معه. مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصحبة جبريل عليه السّلام حتّى انتهى به المطاف إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى فى نفرٍ من الأنبياء، فأمّهم رسول الله فى الصلاة،ثم يخرج عليه جبريلُ عليه السام بإناءٍ من خمرِ الجنةِ لا يُسكِرُ وإناءٍ من لبنٍَ فاختَارَ النبيُ اللبنَ فقال لهُ جبريل «اخترتَ الفِطرةَ .» ، أى تمسَّكْتَ بالدين ثم يبدأ العروج إلى السماوات فيصَعِدَ به جبريلُ حتى انتهيَا إلى السماءِ الأُولى، وفيها رأى أدم وفى الثانيةِ رأى عيسى ويحيى وفى الثالثةِ رأى يوسُفَ. قال عليه الصاةُ والسامُ «كأن يوسُفُ أُعْطِيَ شَطْرَ الحُسْنِ » يعنى نِصْفَ جَمَالِ البشَرِ الذى وُزِّعَ بينهم وفى السادسةِ رأى موسى وفي السابِعَةِ رأى ابراهيمَ وكانَ أشْبَهَ الأنبياءِ بسيدنا محمد من حيث الخِلْقَةُ ورآه مُسْنِداً ظهرَهُ إلى البيتِ المعمُورِ الذى يدخُلُه كُلَّ يومٍ سبعُونَ ألفَ مَلَكٍ ثم لا يعُودونَ إليهِ. ثم ذُهِبَ جبريل برسولِ الله إلى سِدْرَةِ المُنْتَهَى وهى شجرةٌ عظيمةٌ وبها من الحُسْنِ ما لا يستطيعُ أحدٌ من خَلْقِ اللهِ أن يَصِفَهُ، وجَدَهَا يغشاها فَراشٌ من ذَهبٍ وأوراقُها كآذانِ الفيلَةِ وثِمارُها كالقِلالِ والقِالُ جمْعُ قُلَّة وهى الجَرَّةُ وهذه الشجرةُ أصلُها فى السماء السادسةِ وتمتدُ إلى السابعةِ ثم سارَ سيدُنا محمد وحدَهُ حتى وصَلَ إلى مكانٍ يسمَعُ فيهِ صريفَ الأقامِ التى تنسَخُ بها الملائكةُ فى صُحًفِهَا من اللوحِ المحفوظِ وهُناكَ أزالَ اللهُ عنْهُ الحِجَابَ الذى يَنعُ من سَماعِ كلامِ اللهِ الذى ليسَ حرفاً ولا صوتاً، أسمَعَهُ كلامَهُ. ثم هناك أيضاً أزَالَ عن قلبِهِ الحجابِ فرأى اللهَ تعالى بقلبِهِ أى جَعَلَ الله له قوَّةَ الرُؤيةِ والنظَرِ بقلبه، فرأى اللهَ بقلبهِ ولم يَرَهُ بعينَيْ رأسِهِ لأنَّ اللهَ لا يُرَى بالع نِ الفانِيَةِ فى الدنيا. وإنما يُرى بالعينِ الباقيةِ فى الآخرةِ كما قال الإمامُ مالِكٌ رضى الله عنه ثم إنّ نبينا لما رجَعَ من ذلِكَ المكانِ كان من جملةِ ما فَهِمَهُ من كلامِ اللهِ الأزليِ أنّهُ فُرِضَ عليه خمسين صلاة ثم رجع فوجد موسى فى السماءِ السادسةِ فقال له «ماذا فرضَ اللهُ على أُمَّتِكَ » قال: «خمسين صلاة » قال «ارجع وسل التخفيف » أى ارجع إلى حيثُ كُنْتَ وسَلْ ربَّكَ التخفيف فإنى جرَّبْتُ بنى اسرائيلَ فُرِضَ عليهم صلاتان فلم يقُوموا بهما، فرجعَ وطَلَبَ التخفيفَ مرةً بعد مرٍة إلى أن صاروا خمسَ صلواتٍ.

وقد شاهد النبى – صلى الله عليه وسلم – فى هذه الرحلة الجنّة ونعيمها، وأراه جبريل عليه السام الكوثر، وهو نهرٌ أعطاه الله لنبيّه إكراماً له، حافّتاه والحصى الذى فى قاعه من اللؤلؤ، بسم الله الرحمن الرحيم «إنا أعطيناك الكوثر فصلى لربك وأنحر » صدق الله العظيم .

«ويكيبديا الموسوعة الحرة .»

لحظات من التأمل عشتها بينى وبن نفسى وأنا أسترجع هذه المشاهد التى جاء ذكرها فى القرآن الكريم وأحاديث النبى وكتب السيرة النبوية، ويستحضرنى فى ذات الموضوع ما ذكره فضيلة الإمام الجليل الشيخ محمد متولى الشعراوى رحمه الله فى كتابه «المعجزة الكبرى فى الإسراء والمعراج »، أن النبى صلى الله عليه وسلم، رأى فى رحلته فى السماء، رجالا يزرعون يوما ويحصدون يوما، وكلما حصدوا عاد الزرع كما كان، قال: «من هؤلاء يا جبريل؟، قال هؤلاء المجاهدون في سبيل الله يخلف الله عليهم ما أنفقوا ،» ورأى صلى الله عليه وسلم، رجل جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: من هذا يا جبريل؟ قال جبريل: هذا الرجل من أمتك، تكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها، وهو يريد أن يحمل عليها، كما رأى قصر ماشطة ابنة فرعون، ووجد ريحاً طيبة فقال: يا جبريل، ما هذه الرائحة؟ قال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها. كما رأى النبى صلى الله عليه وسلم، رجالا وأقواما ترضخ رؤوسهم بالحجارة قال: «من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة »، والعقول والرؤوس التى كانت تحترم كل موعد بشرى، يزيد من رصيدها ويزيد من مالها، تخرج مبكرة وتعود فى آخر ساعات الليل، لكنها تنسى موعدها مع الله، فى موقف بن يدى الله فى 5 صلوات، مثل هذه الرؤوس، لا وزن لها ولا كرامة لها عند الله، كما رأى النبى فى رحلته، الهمّازَون اللمًّازون من أمتنا، وأقوام يُقطع من جنوبهم اللحم فيلقمون، فيقال لأحدهم: «كُل كمَا كنت تأكل لحم أخيك »، كما رأى الذين يغتابون قوم لهم أظافر من نحاس، يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال صلى الله عليه وسلم: من هؤلاء ياجبريل؟ قال: «هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون فى أعراضهم ». كما رأى النبى صلى الله عليه وسلم، نساءً معلقات من أثدائهن قال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: «هؤلاء اللواتى يدخلن على أزواجهن من ليس من أولادهم »، وأجمل ما فى الرجل غيرته، وأجمل ما فى المرأة حياؤها، وأفيق من هذه السكرة الجميلة على صوت مؤذن الكعبة المشرفة يؤذن لصاة العشاء ويستعد المصلون ويتوقف الطواف حول الكعبة وترتفع الأصوات خاشعة لله الواحد القهار «الله اكبر ».