«عطايا بكين لا تنتهي».. جزء جديد من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»
تنشر بوابة «الهلال اليوم» جزءً من الفصل الرابع من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار "سما" للنشر والتوزيع، وجاء فيه:
على مرمى البصر
منذ الإعلان عن مبدأ ولفوفيتز وحتى اللحظة، يبدو أن أمريكا فشلت في منع ظهور قوةٍ معادية يمكن لها أن تسيطر على رقعة الأوراسيا.. ورحل برجينسكي عن العالم وهو ينظر بحسرةٍ إلى اتحاد لاعبي الشرق الأوراسي (روسيا – الصين) وقد حذر في كتابه (لوحة الشطرنج الكبرى) من هذا التحالف الذي يمكن أن يدفع بالهيمنة الأمريكية خارج رقعة الأوراسيا، ومن ثم على عالمٍ أحادي القطبية.
ولهذا اتهمت وثيقة استراتيجية الأمن القومي الصادرة عن إدارة دونالد ترامب، بشكلٍ صريح، كل من الصين وروسيا، بتقويض النظام الدولي الحالي، وكسر قواعده بما يهدد المصالح الأمريكية، وقدراتها على الهيمنة العالمية.
أيضًا هناك تحالف آخر حذر منه (جورج فريدمان ).. التلميذ النجيب لـ (هالفرد ماكيندر) ومؤسس مركز الدراسات الاستراتيجي والأمني الأميركي (ستراتفور) والذي يطلق عليها الإعلام الأمريكي (وكالة الاستخبارات المركزية في الظل).. وصفه فريدمان بعد الثورة الأوكرانية عام 2014، بالتحالف المحتمل الأخطر من منظور الولايات المتحدة، وهو تحالف بين روسيا وألمانيا، سيكون هذا بمثابة تحالف بين التكنولوجيا ورأس المال الألماني، مع الموارد الطبيعية والبشرية الروسية.
ورغم أن برجينسكي استبعد حدوث تحالف بين قطبي الشرق الأوراسي، نتيجة للخلافات الأيديولوجية بين موسكو - بكين، فإن فريدمان لم يستبعد التحالف بين موسكو وبرلين، رغم الحواجز التاريخية بين البلدين.
وبالتأكيد في ظل استمرار سياسة الحمائية، والحرب التجارية، والعقوبات الاقتصادية التي يديرها الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) ضد روسيا، والاتحاد الأوروبي وعلى رأسه ألمانيا، ستدفع خطوة نحو هذا التحالف الأخطر على واشنطن، خاصةً مع وجود مصالح جيواقتصادية هائلة بين موسكو وبرلين، عبر خط أنابيب الغاز الروسي إلى ألمانيا (نورد ستريم2) والتي تحاول واشنطن عرقلة بنائه بكل السبل.
بينما لا يزال اعتماد الأسواق الأوربية كأكبر سوق مستورد للغاز الطبيعي في العالم، على روسيا بصفتها المورد الأول للغاز، رغم انخفاض نسبة واردات أوروبا من الغاز الروسي نتيجة الأزمة الأوكرانية إلى (29%) عام 2018، بعد أن كانت (34.6%) عام 2010.
وتأتي النرويج كثاني أكبر مورد للغاز إلى الأسواق الأوروبية، بنسبة (26%) ثم يأتي بعدهما غاز كلٍّ من أذربيجان وقطر، ومؤخرًا الغاز الصخري للولايات المتحدة الأمريكية.
أما هولندا التي تمتلك أكبر حقل غازٍ أوروبي، يعتمد عليه السوق الأوروبي بشكلٍ كبير، منذ العام 1960، فقد اضطرت أمستردام فعليًّا إلى تخفيض الطاقة الإنتاجية لحقل (جرونينجن) العملاق، بسبب عوامل البيئة، على أن يتم غلق الحقل نهائيًّا في غضون عامين.
واردات الغاز الروسي إلى أوروبا
يُضخ الغاز الروسي إلى ليالي أوروبا الباردة عبر خطين:
الخط الأول: خط أنابيب (نورد ستريم1) كأطول خط أنابيب تحت البحر في العالم، يمر من روسيا إلى ألمانيا، عبر بحر البلطيق، وتبلغ طاقته السنوية (55 مليار م3) وبسبب قيود بروكسل على شركة (غازبروم) الروسية، يتم استخدام (22.5 مليار م3) فقط من السعة الفعلية للخط.
الخط الثاني: يضخ الغاز الروسي عبر أنابيب برية تخترق الأراضي الأوكرانية إلى أوروبا، ومؤخرًا أعلنت شركة غاز بروم الروسية، رفضها تجديد العقد مع أوكرانيا المضطربة سياسيًّا واقتصاديًّا، والمنتهي بحلول عام 2019.
وعلى هذا تسعى موسكو إلى إيجاد بديلٍ عن خط أنابيب أوكرانيا، من خلال خطين رئيسيين:
الخط الأول: يعبر البحر الأسود إلى تركيا دون المرور على أوكرانيا، ومنها إلى أسواق أوروبا، وقد تم الاتفاق عليه بين موسكو وأنقرة بنهاية العام 2017، ووضع حجر الأساس له بنهاية العام 2018، كبديلٍ عن فكرة خط أنابيب (ساوث ستريم) عبر البحر الأسود إلى بلغاريا واليونان، التي تخلت عنه روسيا نتيجة تعنت بلغاريا في الاتفاق.
هذا الخط يظل محفوفًا بالمخاطر، إذا ما وضع في الاعتبار، السياسة البرجماتية للرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) وتأرجح العلاقات التركية - الروسية، صعودًا وهبوطًا، نتيجة التوترات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط.
الخط الثاني: (نورد ستريم2).. وقد دخل حيز الإنشاء بديلًا عن خط أوكرانيا، ويهدف إلى مضاعفة طاقة الغاز الحالية التي تتدفق من (نورد ستريم1) إلى شمال ألمانيا، وستقدم شركة (نورد ستريم 2) ما قيمته (55 مليار م3) من الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، عبر ألمانيا، بعيدًا عن بولندا.