رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الإرهاب والتطرف بين الداء والدواء

8-12-2020 | 09:35


نزار السيسي

الأخطر من المرض هو الخطأ في تشخيصه، ويقود الخطأ في التشخيص إلى مفاقمة المرض حتى إذا بدا للوهلة الأولى أن هناك تحسنا بفعل إعطاء المريض مسكنات لا يلبث أثرها أن يزول، فالخطوة الأولى في مواجهة أي مرض هي السعي إلى معرفة أسبابه .

ولو طبقنا هذا على العنف والإرهاب الذي يرتدي زي إسلامي باعتباره مرضا سياسيا أو اجتماعيا لا نستطيع معالجته إذا لم نحسن تشخيصه، وليس معنى أن الإرهاب تجاوز عمره الأربع عقود أننا لا نخطئ في تشخيصه أو إقصائه على الإسلاميين فحسب، بل إن العنف السياسي والاجتماعي مرضا مشتركا في كثير من المجتمعات، فهو ليس وقفا علي مجتمعات إسلامية لأنه موجود في أخرى مسيحية ويهودية وبوذية وعلمانية، ولا دينيه لأنه ينتج عن اختلالات في المجتمع بغض النظر عن ثقافته، فالإرهاب ظاهرة اجتماعية لا ثقافية ولكنه يبحث عادة عن غطاء ثقافي قد يكون دينيا أو ماركسيا أو قوميا أو أخلاقيا .

فالأمن الفكري صمام الأمان في المجتمع، ومتى ما حٌصن الفكر بالطريق الصحيح والاعتدال والوسطية في المنهج، وحٌوربت الأفكار الهدامة والتطرف بشتى أنواعه الذي يسعى لزعزعة الفرد والمجتمع، كلما أصبح المجتمع نقيا وصحياً لا يلوثه أي خرافة أو نعيق .

لاشك أن المواجهة تحتاج إلى بناء فكري سليم، يكون حصن منيع لدى الفرد والمجتمع ضد المؤثرات الفكرية السلبية أيا كان مصدرها.. من خلال جهد علمي وفكري وثقافي ونفسي ممنهج يقي الأطر المعرفية لدى الأجيال من الاختراق ويمكنهم من تدقيق ما يٌعرض عليهم ويكشف غاياته ويجعله لا ينساق خلفه.

‏فلا يمكن مواجهة التطرف والتشدد والغلو بفتح الباب واسعا أمام السطحي والعابر والتافه والمبتذل والمرذول، فالثاني يعزز حجة الأول، ويقوي شوكته، ويجعله جاذبا قادرا على تجنيد أتباع جدد.

إن العلاج الناجع الناجح يكمن في استراتيجية تقوم على العقلانية والتفكير العلمي، وليس من المتعذر علمياً قياس تلك المتلازمة السياسية التي تشكل بنية الشخصية الاجتماعية، وذلك عبر توظيف الأدوات البحثية الحديثة في مناهج العلوم الاجتماعية كاستطلاعات الرأي أو الاستبيانات أو المقابلات الشخصية، حتى يتسنى خلق الإمكانية العلمية، ففي مقتبل خمسينات القرن المنصرم، حاول مجموعة من كبار علماء النفس الاجتماعي، من رواد الجيل الأول من مدرسة فرانكفورت، وضع مقياس للتعرف على بنية الشخصيات التسلطية التي كانت «من المحتمل» أن تستبطن ميولاً فاشية معادية للديمقراطية، مع انتشار الحركات الفاشية، وشيوع الأفكار المعادية للسامية، وبروز اليمين المتطرف المعادي للديمقراطية ومؤسسات الدولة في ذلك الوقت.

 وكان تركيز الدراسة على علاقات الارتباط التي تبرر «إمكانية أو رجحان» تبني الاتجاهات الفاشية في بنية الشخصية التسلطية التي تدفعها لمعاداة الديمقراطية رغم إنكارها لتوجهاتها العدائية، بدلاً من التركيز على «المعادي الأصيل للديمقراطية».

وقد أُنتجت هذه الدراسة التي تجاوزت الألف صفحة تحت عنوان «الشخصية التسلطية»، على ألف نموذج من الاستطلاعات المنظمة للرأي، وعدد كبير من المقابلات الشخصية، فضلاً عن التشخيصات والاختبارات الإكلينيكية، بالإضافة إلى اختبار تسع فرضيات أساسية تشكل متلازمة للاتجاهات الفاشية التي من المرجح أن تبرز داخل بنية الشخصية التسلطية.

 ولعل من أبرز تلك الفرضيات الكامنة المراد اختبارها والتي شكلت في تشابكها وتداخلها متلازمة متماسكة تتمظهر بكل تجلياتها الفاشية في بنية الشخصية التسلطية محل الدراسة، هي: كراهية التغيير الاجتماعي، وغياب الرؤية النقدية للقيم والموجهات الإدراكية للجماعة التي ينتمي إليها الفرد، والانشغال الأخلاقي بالنشاط الجنسي للآخر، وتقسيم العالم لتصنيفات صلبة ونمطية وغير مرنة، ورؤية العالم كمصدر تهديد دائم، وعدم القدرة على تحمل الغموض في تفسير الأحداث وإحالتها إلى مصادر بدائية ومبسطة في منهجية التفكير كنظريات المؤامرة أو الارتكاز على الخرافة، وغيرها من الفرضيات الأخرى.

فلا يجوز تغيير الفكر إلا بالفكر والعلم والدراسة.