رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


اقرأ الجزء الأخير من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»

8-12-2020 | 11:23


تنشر بوابة «الهلال اليوم» الجزء الأخير من الفصل الرابع من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار "سما" للنشر والتوزيع، وجاء فيه:


الاتحاد الأوروبي في مواجهة نورد ستريم2


عام 2017، اقترحت المفوضية الأوربية تعديلات على توجيهات سوق الغاز، تهدف للسيطرة على خط (نورد ستريم 2) إذا تمت الموافقة على هذه التعديلات من قبل مجلس الاتحاد الأوربي، ستجلب مشاكل كثيرة على قطاع الغاز بصفةٍ خاصة والطاقة بأكمله، وستواجه هذه التعديلات معضلات رئيسية تتمثل في الآتي:


أولًا: مع نقص الإنتاج المحلي للطاقة بشكلٍ متزايد في أوروبا، هل يمكن الاستغناء عن ثلثي احتياجات أوروبا من الغاز القادم من روسيا؟ 

 ثانيًا: كيف يمكن إقناع دول العبور الساحلية (فنلندا - السويد - الدنمارك) والذي يمر خط نورد ستريم1، عبر مناطقها الاقتصادية الخالصة على بحر البلطيق، إلى ألمانيا، برفض الموافقة على خط نورد ستريم2، خاصةً أن الخط لا يشكل أي اختراقٍ لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982، المعنية بقانون البحار، والذي يمنح الدول حق العبور في المنطقة الاقتصادية الخالصة، والواقعة خارج المياه الإقليمية للدول الساحلية الأخرى، وعلى هذا، لن تملك دول العبور أي مشروعيةٍ لرفض (نورد ستريم2) وخاصةً أن دول الاتحاد الأوربي بالكامل موقعة على هذه الاتفاقية.

 

من جهةٍ أخرى تدعم مفوضية الاتحاد الأوروبي وواشنطن، الاعتماد على غاز حوض شرق المتوسط، وممر الغاز الجنوبي الأذربيجاني (نابوكو) بديلًا عن الغاز الروسي. 


ورغم ضعف الاحتياطيات بالمقارنة بالغاز الروسي، فإن خطوات الاعتماد الأوروبي على غاز المتوسط، بدأت تتشكل من القاهرة التي تتجه الآن بخطواتٍ ثابتة نحو التحول إلى أكبر مركز للطاقة في منطقة الشرق الأوسط، لتوريد الغاز المسال إلى أوروبا، حيث تصبح مصر هي بؤرة جذب وتجميع خطوط الغاز من حوض شرق المتوسط القادم من قبرص وإسرائيل، وربما من سورية على المدى المتوسط، جنبًا إلى جنب مع تدفقات الغاز المصري المحلي، وعبر محطتي الغاز المسال في (إدكو – دمياط) يعبر غاز المتوسط المسال إلى أوروبا. 


مع ذلك يظل هذا السيناريو رهينة الاضطرابات السياسية التي تشهدها هذه المنطقة، وإلى أي مدى يمكن أن تجد تركيا بديلًا عن ضياع حلم التحكم في مقبض غاز المتوسط العابر إلى أوروبا من أنقرة؟


أما مشروع (خط نابوكو) القادم من أذربيجان، فيستلزم حوالي (3500 كم) من خط الأنابيب، بتكلفةٍ باهظة تبلغ (42 مليار دولار) بينما يكلف (نورد ستريم2) حوالي (9.5 مليار دولار) فقط، ولا يعتمد على بلدان غير مستقرة سياسيًّا مثل خط نابوكو، ويمكن لروسيا أن تشن حرب أسعار على غاز أذربيجان لمنعه من الوصول إلى السوق الأوروبي (4). 


المواجهة الأمريكية لنورد ستريم2


استمرارًا لغطرسة العقوبات الأمريكية على موسكو، وفي 25 يوليو 2017، صوت الكونجرس الأمريكي على مشروع قرار يفرض عقوبات جديدة على روسيا، بحجة استمرار الاحتلال الروسي شبه جزيرة القرم، وبذريعة الاتهامات الموجهة لموسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح دونالد ترامب. 


لم تحتج موسكو على هذا القانون منفردة، بل احتجت قادة أوروبا بشدة، وخاصة ألمانيا وفرنسا؛ فمشروع القانون يفرض عقوبات على الشركات الأوروبية التي تعمل في مجال الطاقة داخل روسيا، حال عدم التزامها بتنفيذ هذه العقوبات.


هذه الشركات بمقتضى هذا القانون، لن تفقد حقها في المنافسة على المناقصات المعلنة في الولايات المتحدة فحسب، بل ستفقد كل أصولها في الولايات المتحدة، وستمنع من الوصول إلى البنوك الدولية، إضافة إلى تعذر تمكنها من مواصلة أنشطتها خارج الاتحاد الأوروبي.


القانون اعتبرته ألمانيا ضد مصالحها الصناعية، ويحد من تطورها الاقتصادي المرتبط بروسيا، ويعرقل وصول الغاز الروسي إلى أوروبا، خاصة أن هذه الشركات قد استثمرت بالفعل في خط أنابيب (نورد ستريم2).


العقوبات الأمريكية ضد روسيا موجهة في الأساس ضد ألمانيا الصناعية، فالولايات المتحدة التي تسعى لبناء أمريكا الصناعية مجددًا، تريد إعادة إرساء دعائم (نظرية ولفوفيتز) وهو ما بدأت ألمانيا في إدراكه مؤخرًا، خاصة مع اندلاع الحرب الكلامية بين ترامب وميركل، حول سياسة الحمائية التي يفرضها ترامب على الأسواق العالمية.


 ولهذا وضع وزير الخارجية الألماني، الولايات المتحدة الأمريكية بالمرتبة الثانية، في تحديات السياسة الخارجية لألمانيا، بعد قضية اللاجئين، وتسبق تركيا وروسيا، وأوصى بضرورة بناء شراكات أوروبية بعيدًا عن أمريكا.



ترامب يغرق ألمانيا في البحار الثلاثة 


يسعى ترامب وفق خطةٍ طويلة الأمد، إلى إخراج الغاز الروسي من السوق الأوروبي، وإقناع أوروبا بالتخلي عن هذا الخط، مقابل الحصول على الغاز الطبيعي المسال من فائض الغاز الصخري الأمريكي؛ على أن تصبح بولندا وكرواتيا، مركزًا للغاز الطبيعي الأمريكي، لدول وسط وشرق أوروبا التي ستفقد حق (الإتاوة) عن مرور الغاز الروسي العابر من أوكرانيا إلى أراضيها، بعد غلق هذا الخط عام 2019، واستبداله بخط (نورد ستريم2).


هذه الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة تأثير روسيا في الشرق، وألمانيا من الغرب؛ تأتي كجزءٍ مما يسمى (مبادرة البحار الثلاثة) التي تأسست عام 2016، من قبل بولندا وكرواتيا، لربط استراتيجيات الطاقة بين البلدان الاثني عشر المطلة على (بحر الأدرياتيكي- بحر البلطيق - البحر الأسود).


تشمل المبادرة التي يقودها الرئيس التنفيذي السابق لشركة (إكسون موبيل) إحدى شركات الكوربوقراطية، وتعارض ألمانيا بشدة (المجر - جمهورية التشيك - سلوفاكيا - رومانيا - بلغاريا - ليتوانيا - استونيا - لاتفيا - سلوفينيا - النمسا) وجميعهم تقريبًا يعتمدون حاليًّا على الغاز الطبيعي الروسي.


أما بولندا التي تم تقسيم أراضيها (الكومنولث البولندي اللتواني) بنهاية القرن الثامن عشر، لصالح كلٍّ من الإمبراطورية الروسية، وبروسيا والنمسا، وقد تم غزو أراضيها مجددًا من قبل الاتحاد السوفيتي، وألمانيا النازية، في الحرب العالمية الثانية، فهي لا توافق على مبادرة البحار الثلاثة كرد فعلٍ على فقدانها وأوكرانيا (إتاوة) مرور أنابيب الغاز الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا، فحسب، فهي تسعى لاستعادة حلم الكومنولث القديم، الذي امتد يومًا ما، من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، ليتجاوزه عبر هذه المبادرة إلى بحر أدرياتيكي، ولهذا تحلم بولندا أن تصبح مركزًا جديدًا للغاز الموجه إلى وسط أوروبا بديلًا عن روسيا.


المبادرة تُعد بعيدة المنال، فعملية تحويل الغاز من الحالة الغازية إلى السائلة، من بلد المنشأ (أمريكا) ثم تحويلها من الحالة السائلة إلى الغازية، في بلد المصب (بولندا) ثم تضخ عبر أنابيب برية للاستهلاك النهائي؛ تحتاج إلى تجهيزات ومحطات، وطرق نقل عالية الكلفة، بالمقارنة بكلفة الغاز الروسي الذي يضخ مباشرة عبر أنابيب الغاز إلى أوروبا. 


وتشير تقديرات شركة (غاز بروم) الروسية، إلى أن بولاندا عليها أن تدفع ما قيمته (265:295) دولار لكل ألف متر مكعب غاز، بينما يتم تسليم الغاز الروسي لوسط أوروبا بمتوسط سعر (190) دولارًا لكل ألف متر مكعب.


كما أن أمريكا حتى الآن، لا تمتلك سوى محطة واحدة للغاز المسال في تكساس، ويشير الخبراء إلى قصر مدة العمر الافتراضي للغاز الصخري الأمريكي، مما يجعلها غير قادرة على الاستمرارية في الإنتاج، ومنافسة التأثير الألماني على أسواق الطاقة في أوروبا، أو حتى على روسيا كموردٍ أساسي لهذه الطاقة (5). 


ومن ثم لن تصبح المبادرة بديلًا حقيقيًّا عن خط (نورد ستريم2).. بالرغم من ذلك يمكن للرئيس الأمريكي تغيير قواعد اللعبة الجيوسياسية والاقتصادية، ولو مؤقتًا لصالح واشنطن، خاصة بعد انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ، والتي تعرقل استخراج الغاز، والنفط الصخري المضر بالبيئة.