في ذكرى الكاتب محمود أبو زيد.. تميز بالأعمال الاجتماعية ذات البعد الفلسفي
تمر اليوم الذكرى الرابعة على رحيل الكاتب محمود أبو زيد، الذي يعد واحدا من أهم كتاب السينما المصرية في ثمانينيات القرن العشرين، حيث علم نفسه بنفسه و عاش فترات فى المقابر و المدابغ و عدة أماكن أخرى أستطاع أن ينقلها الى شاشة السينما كما هى فعلا فى الواقع.
حصل على بكالوريس المعهد العالي للسينما عام 1966، وليسانس علم النفس والفلسفة من كلية اﻵداب وكان لدراسته الفلسفة أثر كبير انعكس على أعماله حيث كشف من قبل عن أن سر وجود الفلسفة في أعماله هو بسبب دراسته لها ولعلم النفس مما جعله ينظر لواقع الحياة واشكالاتها كالعلم والدين من منظور فلسفي، وتميز أبو زيد بالأعمال الاجتماعية المركبة الفلسفية ولكن في اطار سهل وشيق يتسم بالبساطة واللمسة الكوميدية.
بدأمسيرته الفنية من خلال كتابة السيناريو للسينما، وقدم في حقبة السبعينات مجموعة من الأفلام كانت بوابة تعارف الجمهور به مثل (الأحضان الدافئة) عام 1974 و(الدموع الساخنة) عام 1976 و(خدعتني امرأة) في 1979.
شكل ثنائيا ناجحا مع الممثل الراحل محمود عبد العزيز وقدما معا أفلاما تعد من علامات السينما المصرية منها (العار) عام 1980 ووفي عام 1985 قدم فيلم "الكيف" الذي تنبأ فيه بانيهار الأغنية الشعبية وبلغة الحوار الهابط، كما أنه قد كتب أيضا أشهر “الأغاني الكوميدية لتلك الأفلام، على غرار “الكيمي كيمى كا” و”تعالى تاني في الدور التحتاني” و”آه يا قفا”، وترزي البنك” وغيرها، ولحن معظمها الموسيقار الراحل حسن أبو السعود.
وله عدد من الأفلام الناجحة فى مسيرة السينما منها “الذل” من بطولة يحيى الفخراني وإخراج محمد النجار، وديك البرابر لنبيلة عبيد من إخراج حسين كمال، و الملاحظ ان الكوميديا عند أبو زيد كما كانت في فيلم “الذل” ليست في الأحداث فقط، ولكنها أيضا في الحوار والذي تفنن أبو زيد في اختيار ألفاظه بعناية لتصدم أسماع المشاهد بكل ما هو جديد.. "أنا اللي فتيت الفتة ورزعتها قتة وماحدش طال منها حتة"، و"حرامي من غير بينة طاهر شريف العينة" .. و"على عتبة الستات هانكون كنطرناه وجبتلك خبره"، و"الهمة في التفانيش وسرعة الكنطرة تقرب البقشيش" ، و "من صاع عام على كل الأوضاع يابن الرعاع"، . تلك الجمل التي تستمد رونقها من انها ليست من كلام المصريين الدارج، ولكنها من تفانين أبو زيد نفسه، الى جانب انها لم توضع في الحوار اعتباطا ولكن في مكانها الصحيح، فلا تشعر ابدا انها غريبة مقحمة، بل وتعاود ترديدها في مخيلتك مرة أخرى فور سماعها ومن ثم تأتي الضحكة المطلوبة من الكوميديا، وهذه ليست غريبة على أبو زيد بل أستخدمها من قبل في عديد من أفلامه اهمهم فيلم “الكيف” عام 1985 ولكن في هذا الفيلم كانت واضحة وقوية.
كما قدم ابو زيد مع الراحل أحمد زكي فيلم (البيضة والحجر) عام 1990 من إخراج علي عبد الخالق، و كانت أخر أفلام محمود أبو زيد فيلم "بون سواريه" الذي لم يكن راضي عن الشكل الذي نُفذ به وكان من رأيه ان الفيلم نُفذ بطريقة سطحية وأضيفت إليه رقصات وأغان لم تكن موجودة في السيناريو وألفاظ لا يمكن أن يكتبها، ما جعل الفيلم مختلفاً تماماً عن الفكرة الأصلية التي كتبها منذ سنوات طويلة، إضافة إلى العري المبالغ فيه، كذلك الإسفاف في الحوار والإيحاءات الواضحة في الفيلم، وكلّها كانت مرفوضة تماما من جانبه.
وذكر محمود أبو زيد فى أحد حواراته الصحفية أن الفيلم كان مرشّحاً لبطولته كلّ من يسرا أو إلهام شاهين أو آثار الحكيم وعلي بدرخان هو الذي سيقوم بإخراجه ، إلا أن الظروف الإنتاجية حالت دون ذلك.
وكان أبو زيد مهاجماً للساحة السينمائية اليوم، مشيراً إلى أنها تعكس شكل المجتمع والواقع المرير الذي يعاني فيه هذا المجتمع من انعدام القيم والأخلاق، وكان يرى أيضاً أن هناك عدد من المتغيرات حدثت في السينما أبرزها الإستسهال في كل شيء، فبعدما كان يتم البحث عن مواضيع تهم الناس وتجذبهم وتبحث في قضاياهم، أصبحت السمة الغالبة في السينما اليوم هي المواضيع التجارية، كذلك لم يكن هناك ثمة ما يعرف بالأحتكار الموجود الآن في السينما والذي سيؤدي حتماً إلى تدميرها، بالإضافة الى عوامل أخرى أهمّها أجور النجوم الخيالية وسيطرتهم على الأفلام.
ولكنه في نفس الوقت كان يرى أن الأمل موجود دائماً ولا ينتهي، وأنه يكمن في جيل الشباب الذي بدأ بتقديم سينما مختلفة عن السائد بإمكانات أقل وأفكار أعمق ، كما أبدى إعجابه بمسلسل العار و أبدى موافقته قبل رحيله على يعاد تقديم أفلامه في شكل مسلسلات من خلال كتاب شباب، لأنهم سيضفون عليها روح العصر.