مع تطور وسائل الإعلام والاتصال الحديثة في العالم العربي في العقدين الأخيرين، خصوصاً مع بداية ظهور القنوات الفضائية العربية، وبالتعاون مع دار روتليدج Routledge للنشر والتوزيع، صدر حديثاً فى نوفمبر الماضي، كتاب روتليدج عن الإعلام العربي باللغة الإنجليزية من تجميع وتحرير البروفسور نورالدين الميلادي والبروفسورة نها ميلور.
ويعد هذا المجلد "528 صفحة"، أول كتاب مرجعي شامل باللغة الإنجليزية حول تطور وسائل الإعلام الاجتماعية في جميع البلدان العربية.
وترصد هذه المجموعة التطورات التاريخية والحالية في المشهد الإعلامي، وتعرض دور الإعلام في الحركات الاجتماعية والسياسية.
ويضم المجلد مجموعة من المساهمين المتخصصين في هذا المجال من جميع دول العالم العربي.
ويقدم كل فصل لمحة عامة عن التاريخ والأطر التنظيمية والقوانين التي تحكم الصحافة والوظائف الاجتماعية والسياسية لوسائل الإعلام. بينما انعكست التعقيدات الجيوسياسية للمنطقة في تحليلات الخبراء بشكل جماعي، فإن التركيز دائماً هو السياق المحلي لكل دولة عضو.
وتتناول جميع الفصول الـ 38 المسارات التاريخية والسياسية والإعلامية المحددة في كل دولة، لتوفير خلفية سياقية وأساس لمزيد من الدراسة حول الدول الفردية أو التحليل المقارن في دولتين عربيتين أو أكثر.
ويعد هذا المجلد مصدراً رئيسياً للطلاب والباحثين المهتمين بالصحافة والإعلام ودراسات الشرق الأوسط، وذلك من خلال التقاط التطورات التكنولوجية الهامة والاستخدام الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الفصل الخامس عشر، عرض الدكتور مختار العريشي – جامعة العين بالإمارات – عن تطور وسائل الإعلام والتغيير الاجتماعي في ليبيا، حيث يرى أن ليبيا شهدت تغيرات كبيرة في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بعد ثورة 1969 وعواقب أحداث 2011. حيث كان للأخيرة تأثير ملحوظ على الإعلام الليبي ككل.
ويتناول الفصل الإعلام والتغيير الاجتماعي في ليبيا وتطورها على مدى الستين عاماً الماضية (1960-2020)، حيث يتتبع الخلفية التاريخية لتطور الصحافة والإذاعة والتلفزيون الليبي، إلى جانب نماذج مهام الإعلام ودوره في الحراك الاجتماعي في المجتمع وعواما نمو المنافسة الإعلامية والإعلانية بين هذه الوسائل.
ويناقش الدكتور العريشي أيضاً بعض القوانين واللوائح التي تؤثر على المشهد الإعلامي والاجتماعي وتحديات التنظيم السياسي الجديد بعد التغييرات العربية 2011.
كما يناقش الوظائف الاجتماعية والسياسية؛ مثلاً حرية التعبير وممارسة المهنة الإعلامية والصحفية، والبث ونشر المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الأعمال الرقابية والتداعيات المحتملة للتغيير الاجتماعي في التحولات التي تؤثر على المجتمع الليبي.
والملاحظ أن بعد أحداث 2011، أصبحت وسائل الإعلام الوطنية منشرة كثيرة على كل الأصعدة، وظهرت أكثر من أي وقت مضى. ولكن هذه المؤسسات أصبحت تعاني من مشاكل كثيرة أثرت على صناعتها الإعلامية والصحفية بسبب عدم وجود أي قانون أو سياسة ناشئة واضحة لإدارة هذا المجال وإلى تقلبات الخلافات السياسية والاجتماعية والعقائدية، بالإضافة إلى الانقسامات الجهوية والحزبية التي قادة البلاد إلى فوضى كبيرة؛ حيث تم استهداف الهيئات الإعلامية والصحفيين (بما فيهم الأفراد)، بسبب انتقاداتهم للحكومة والأحزاب السياسية من قبل مختلف الجماعات السياسية والأيديولوجية المتنافسة.
وأدى انتشار الأسلحة غير المصرح بها ونمو التشدد عبر المناطق إلى إضافة تعقيدات كبيرة على المشهد السياسي والإعلامي في ليبيا. وعلى الصعيد الفكري والسياسي، دفعت حدة النزاع البلاد إلى حرب وصراعات أهلية والاقتتال بين الفصائل المختلفة.
وفي النهاية يختم الدكتور الفصل بقوله لقد انخرطت وسائل الإعلام الليبي في الحرب المحلية وهي تغذي الصراع من خلال دعم مجموعة على أخرى. هذا هو الحال بالنسبة لوسائل الإعلام المحلية.
وتنعكس المعركة بين المصالح المؤيدة لليبرالية والمصالح الإسلامية في المشهد الإعلامي الليبي.
وأدى ذلك إلى مزيد من التشرذم في هذه الوسائط التي لم يثق بها الليبيون الآن لفترة طويلة لأنها غير قادرة على معالجة القضايا الوطنية المثيرة للجدل، مما يشير إلى أن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة الليبية لإظهار وعي أكبر بطبيعة وأهمية الإعلام، لا سيما في ضوء الافتقار إلى الاحتراف وقلة التمويل وغياب الشفافية.