"النمور الآسيوية في قبضة وول ستريت".. من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»
تنشر بوابة «الهلال اليوم» جزءًا من الفصل الخامس من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار «سما» للنشر والتوزيع، وجاء فيه:
النمور الآسيوية في قبضة وول ستريت
كما ذكرنا في الجزء الأول من هذا المؤلف، ظل العديد من دول جنوب شرق آسيا بنهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، عصية على الأيديولوجية الأمريكية بوجهيها الصوفي والرأسمالي، وأبت شركات وول ستريت غزو العديد من هذه الدول خشية حركات التحرر الوطنية، فيتم مصادرة وتأميم أصولها.
العام 1997، كانت المضاربة على العملات عبر التلاعب المتعمد في أسواق الأسهم والعملات، من قبل المؤسسات المالية التابعة لـ وول ستريت، موجهة ضد تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية، وغيرها من دول جنوب شرق آسيا، قادت إلى انهيار العملات الوطنية، وتحويل مليارات الدولارات من احتياطي البنوك المركزية لهذه الدول إلى المصارف الكبرى، والمؤسسات المالية في وول ستريت.
لعب الملياردير الداهية (جورج سوروس) دور البطولة في هذه الحرب، بالمضاربة عبر ثلاثة صناديق بعد أن أقنعت وزارة الخزانة الأمريكية هذه الدول الآسيوية، بضرورة تطبيق سياسة تحرير الأسواق المالية منذ منتصف التسعينات، مما وضعها في مواجهة المضاربة(6).
آنذاك تدخلت الكوربوقراطية عبر التفاوض بشكلٍ رسمي على اتفاقيات الإنقاذ الآسيوية، مع صندوق النقد الدولي، والبنوك التجارية الكبرى في وول ستريت، بما فيها الخمسة الكبار (جولدمان ساكس - ليمان براذرز - مورجان ستانلي - سالومون برازرز - جي بي مورجان) والتي تحكمت في البنود التي سيتم تضمينها في هذه الاتفاقيات.
في حالة كوريا الجنوبية على سبيل المثال، كان نائب وزير الخزانة الأمريكية (لورانس سامرز) هو الشخص المسؤول عن هندسة خطة إنقاذ كوريا، وفق مصالح وول ستريت.
لورانس سامرز، يُعد مثالًا جيدًا على سياسة الباب الدوار التي تديرها الكوربوقراطية من وول ستريت، ومؤسسات بريتون وودز، وإدارة البيت الأبيض، والاحتياطي الفيدرالي، كما أشرنا في الجزء الأول من هذا المؤلف.
سامرز كان الشريك الإداري في الصندوق الوقائي (شو –وشركاه) والمتحدث المستقل في مؤسساتٍ مالية كوربوقراطية عديدة مثل: (جولدمان ساكس - جي بي مورجان تشيس - سيتي جروب - ليمان برازرز) وعمل كنائب رئيس اقتصاد التنمية، وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي، بين عامي (1993:1991) وهو من أصدر مذكرة البنك الدولي في ديسمبر 1991، الخاصة بإلقاء النفايات السامة في بلدان العالم الثالث، فمن وجهة نظر سامرز، الناس في البلدان الفقيرة لديهم حياة أقصر، وتكلفة العمالة منخفضة للغاية، وبالتالي هم الأنسب لاستقبال هذه النفايات(7).
فيما بعد شغل الرجل منصب نائب وزير الخزانة الأمريكية، في إدارة بيل كلينتون، عام 1995، ثم وزيرًا للخزانة بين عامي (2001:1999)، في إدارة بوش الابن، ثم رئيسًا لـ (جامعة هارفارد) بين عامي (2006:2001) حتى عاد مجددًا ليعمل في إدارة باراك أوباما، كرئيس للمجلس الاقتصادي الوطني بين عامي (2010:2009) ويعمل الآن مستشارًا لمؤسسة جولدمان ساكس.
كما كان سامرز أحد مهندسي خصخصة اقتصاد دول الاتحاد السوفيتي السابق، فقد تزامن عمله في البنك الدولي مع تحلل الاتحاد السوفيتي، وكان أحد اللاعبين البارزين الذين تبنوا إلغاء قانون (غلاس ستيغال) الخاص بتحرير النظام المالي في الولايات المتحدة، وعبر تحديث قانون الخدمات المالية سيئ السمعة الصادر عام 1999، وفر الشرعية للتلاعب المالي الكامل، وقاد إلى الأزمة المالية العالمية عام 2008، كما أوردنا في الجزء الأول من هذا المؤلف.
كانت خطة إنقاذ كوريا مبنية على تقديم مساعداتٍ مالية لبلدٍ في حالةٍ يرثى لها، مما دفع وزير المالية الكوري إلى رفض هذه الخطة، فتم الإطاحة به من قبل واشنطن، وعُين وزير مالية جديد، كان مسؤولًا سابقًا في صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والذي هرع على الفور إلى واشنطن لإجراء مشاورات مع زميله السابق (ستانلى فيشر) نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، والذي تم تعيينه لاحقًا محافظًا للبنك المركزي الإسرائيلي.
وعلى هذا اجتمعت الهيئة التشريعية الكورية في جلساتٍ طارئة في 23 ديسمبر، وتم اتخاذ القرار النهائي بقبول مساعدات بقيمة 57) مليار دولار).
في اليوم التالي، تم استدعاء كبار الممولين في وول ستريت، كان ممثلو البنوك الخمسة الكبرى في وول ستريت حاضرين، وقد منحوا الضوء الأخضر إلى صندوق النقد الدولي، من أجل تحويل (عشرة مليارات دولار) إلى سيول لمواجهة الديون قصيرة الأجل المستحقة على كوريا(8).
يقول الخبير الاقتصادي ميشيل تشوسودوفسكي، مؤلف كتاب (عولمة الفقر والنظام العالمي الجديد) تحت عنوان (إعادة استعمار كوريا):
"البلد نهبت حرفيًّا.. تم نهب خزائن البنك المركزي الكوري، كان الدائنون والمضاربون ينتظرون بصبرٍ نافد جمع المسروقات، وكانت المؤسسات المالية التي ضاربت في العملة الكورية (وون) قد استفادت من أموال صندوق الإنقاذ التابع لصندوق النقد الدولي... لقد كانت عملية احتيال."
لم تسقط الصين في أزمة النمور الآسيوية، حيث رفضت مسبقًا المطلب الأمريكي بتنفيذ خطط تحرير الأسواق المالية، بالرغم من ذلك كان التأثير بالغ الخطورة على بكين.
في هذا التوقيت كانت ممتلكات الشركات الصينية الخمسمائة الكبرى، في جنوب شرق آسيا قد بلغت قيمته (540 مليار دولار) كما أن الدخل السنوي للصينيين وعددهم (خمسين مليون فرد) موجودين فيما وراء البحار، يعادل تقريبًا إجمالي الدخل القومي السنوي للوطن الأم في هذا التوقيت، ويسيطرون على (90%) من اقتصاد إندونيسيا، (75%) من اقتصاد تايلاند، وبنحو (50.6%) من اقتصاد ماليزيا، وعلى كل اقتصاد تايوان، وهونج كونج، وسنغافورة(9).