رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


جلال الدين الرومي أمير قافلة العشق.. الوجه المضيء لشمس الدين التبريزي

17-12-2020 | 13:42


«إنك قد رأيت الصورة ولكنك غفلت عن المعنى».. تلك كانت أشهر أقوال أمير قافلة العشق، وقُطْب الصوفية جلال الدين الرومي، الذي أثر بأدبه الصوفي في العالم الغربي والعربي، كما نقل عنه لنا الكثير الدكتور نجيب محفوظ، فمن هو جلال الدين؟


هو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي البكري، الشهير بلقاء «مرج البحرين»، و«جلال الدين الرومي»، عرف عنه بأنه توأم الروح لشمس الدين التبريزي.


ولم يعرف عن جلال الدين صاحب المنهج الصوفي، سوى ما عرف عنه برقصة المولوية الدائرية، التي يرقصها أتباعه ومريدوه إلى اليوم، وهو ليس درويشا بالمعنى الشائع عنهم، وإنما كان عالما فقيها، يقصد نشر سماحة الإسلام وهو ما جاء في كتابه المثنوي، وتعد رقصته المميزة رمزا للصعود بالروح والعرج بها إلى السماء، لاكتشاف القلب العاشق الذى لا تحده حدود والسمو بالروح، لكنه يبقى متبعا للمنهج الإسلامي وتعاليمه، ولم يكن متصوفا زاهدا في الدنيا، وإنما دمج العلم والحياة العملية بحياته الفكرية وعقائده، ليصبح رمزا فريدا للصوفية في العالم بحكمته وفلسفته.

مولده

وولد «الرومي»،  في سبتمبر عام 1207م في أفغانستان، وانتقل مع والده إلى بغداد بالعراق، ودرس هناك بالمدرسة المستنصرية، واصطحبه والده في رحلة طويلة تجولا فيها ببعض البلدان ليستقر في قونية، بعهد السلاجقة الأتراك، وعمل بالتدريس فى الفقه والعلوم الإسلامية، كما انشغل بالرياضة والموسيقى والإنشاد والأشعار، وترك الدنيا واتجه بروحه وقلبه للتصوف، ليبقى هو قطب التصوف حتى يومنا هذا.

 أعماله

ترك الرومي بصمة بمؤلفاته الصوفية في الثقافة الفارسية، الثقافة التركية والأردية والبنغالية، وقد أطلق الفُرس عليه اسم «قرآن بهلوي»، لتبقى أشعاره الصوفية الأكثر أثرا فى العالم كله، بعد رحيله بنحو أكثر من 8 قرون، وتبقى الطريقة المولوية الصوفية مشهورة فى العالم برقصة الدراويش الروحية الدائرية، لتكون شاهدة على أثره وأتباعه إلى اليوم، وكانت أبرز أعماله: "الغزليات" و"المثنوي"، وكتاب "العشق".


ويعد أبرز ما ألف جلال الدين كتاب عنوانه «المنثوي»، الذي يبحث في أصولِ الدين لكشف أسرار الوصول واليقين، وهو فقه الله الأكبر وشريعته، وبذلك لم يكن كتاب خاص بالصوفية أو شعارا فقط، ولكنها منهجا يتبع تعاليم الإسلام القويمة، ووصفا للإسلام متحدثا عن الله الظاهر، وحكماً بل منهج كامل لفهم الدين، وتُرجم إلى نحو 26 لغة حول العالم.


وأثر جلال الدين الرومي كعلم بارز للتصوف، فى دول كثيرة كما أثر في الثقافة الغربية، فقال عنه الغرب أنه أفضل الأشعار على الإطلاق، بالإضافة لأثره الكبير في الثقافة العربية والفارسية.


وأبرز مناهج الرومي في كتابه المثنوي:

«كُن في الحُب كالشمس، كن في الصداقة والأخوَّة كالنهرِ، كُن في ستر العيوبِ كالليل، كن في التواضعِ كالتراب، كن في الغضب كالميت، وأياً كنت من الخلائق، إما أن تبدو كما أنت، وإما أن تكون كما تبدو».


لقاء «مرج البحرين»


ومات والد جلال الدين الرومي، فانشغل بالموسيقى وانخرط فى الرياضة هذا بجانب كونه عالما فقيها، وربما كان يبحث عن رفيق للروح، فى الوقت الذي كان شمس التبريزي بقطب آخر من الأرض، يبحث عن نفس الضالة، حتى التقيا فى اللقاء الشهير «مرج البحرين»، حيث كان «التبريزي»، متجولا في بلاد كثيرة، وكان تواقا إلى اللقاء برفيق الروح، إلى أن التقى بجلال الدين في قونية، وأصبحا صديقان وصاحبان لا يفترقا، وكانت نقطة التحول للرومي.


اتجاه «الرومي» للصوفية


وكان لشمس التبريزي بالغ الأثر في تحول جلال الدين لصوفي جليل، فترك كتبه التي كان يطالعها وتلاميذه، واهتمامته واتخذ من التبريزي قبلته الروحية، والذي فتح له بابا سريا لاكتشاف القلب الذي يعد بمثابة الكنز، ويفتح بالعشق وحدوده السماء، ويكاد لا يذكر أحد اسم «الرومى» إلا مقرونا بـ«التبريزي».


وقال جلال الدين الرومى عن معلمه التبريزي: "أنت سمائي، وأنا أرضك، إني مذهول: ماذا قررت لى أن ألد؟ ماذا تعرف الغرض عن البذرة التي زرعتها أنت؟ أنت من خصبها أنت الوحيد الذي يعرف ما تحمل بداخلها".


وكما كان اللقاء بـ«التبريزي»، مددا لجلال الدين الرومي، وإبداعا وانتاجا ادبيا خصبا، كان للفراق أثر اللوعة التي جعلته ينتج أكثر ويبدع أكثر وأكثر، بعد غياب التبريزي الذي يعتقد البعض أنه قتل على يد تلامذة جلال الدين الرومي غيرة منه لقربه اللصيق بروح مولاهم فتخلصوا منه، وبقي الرومي متأثرا بجرح فراق علامة الصوفية العظيم أستاذه الروحي.


لم يكن جلال الدين الرومي المتصوف الزاهد الذي ترك الحياة وزهدها، لكنه مزج حياته الفكرية بحياته العملية بصورة جعلت تصوفه مزيجاً من الفلسفة والحكمة العملية، وعقيدته الصوفية هي التي غرست بذرة المحبة والتسامح، التى أصبحت شجرة يستظل بها كل مبتغٍ للسلام وباحث عن الحقيقة والسماحة، وسعى لتقديم صورة عن الإسلام السمح ونبذ التطرف.




وفاته

توفي أمير العاشقين جلال الدين الرومي، في عام 1273، ودفن في مدينة قونية، وأصبح مدفنه مزاراً إلى يومنا، وبعد مماته قام أتباعه وابنه سلطان بتأسيس الطريقة المولوية الصوفية، التى اشتهرت بدراويشها ورقصتهم الروحية الدائرية التي عرفت بالسماح والرقصة المميزة السماوية، والمعراج الحركي الذي يجسد خفة الروح وانطلاقها، والتي تعد رجماناً للحب والعشق.