«زعفران بورما إنذار مبكر».. من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»
زعفران تنشر بوابة «الهلال اليوم» جزءًا من الفصل الخامس من كتاب «أحجار على رقعة الأوراسيا»، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار «سما» للنشر والتوزيع، وجاء فيه:
بورما إنذار مبكر
بدأت ثورة (الزعفرانة) في
بورما إحدى دول جنوب شرق آسيا، عام 2007، بسبب ارتفاع أسعار الوقود، والعنف ضد
الرهبان البوذيين، وليس ضد النظام الديكتاتوري أو طلبًا للديمقراطية. وكعادة
العديد من الثورات، تأتي من بعيد الحركات المدعومة من واشنطن، لتشعل الأحداث
وتنحرف بالتظاهرات السلمية إلى طريق اللاعودة.
الجميع كان يعلم مهمته وينفذ الدور المكلف به
على خير وجه، هذه المرة الهدف في بورما لا الخضوع إلى ديمقراطية السوق، وفتح أسواق
بورما على مصاريعها لشركات وول ستريت فحسب، فالمطلوب إبعاد الصين في المقام الأول
عن بورما، ثم روسيا كأولويةٍ ثانية.
أي السيطرة على خطوط الطاقة في الاقتصاد الصيني،
كهدفٍ استراتيجي تسعى له واشنطن، وفي حالة بورما، فهناك مشروع قومي تم الاتفاق
عليه عام 2007، بين بورما والصين، لمد أنابيب الطاقة
البورمية عبر خليج البنغال إلى مقاطعة يونان الصينية.
إذًا المطلوب زعزعة استقرار بورما، وهنا يأتي
دور منظمات المجتمع المدني، بداية من الصندوق الوطني الديمقراطي (نيد) إلى منظمة
ألبرت آينشتاين تحت قيادة جين شارب، نهاية بمنظمة المجتمع المفتوح - سوروس؛
وجميعها كما علمنا هي منظمات تنفذ خطط واستراتيجيات وكالة الاستخبارات المركزية،
من أجل زعزعة استقرار الدول المستهدفة، ومن ثم الإطاحة بالأنظمة التي ترفض الهيمنة
الأمريكية، عبر خطط وتدريبات، ودعم تمويل مجموعات من المرتزقة المحلية، تتبنى قيم
الديمقراطية الأمريكية، وتعمل من أجل حفنة دولارات.
ربما لا تنجح مثل هذه المجموعات في حالة بورما،
التي هي تحت الحكم العسكري الصارم، لكن يمكن أن تلعب دورًا في زعزعة استقرار
بورما، واختصام الشعب مع حكومة يانغون، ومن ثم الضغط على الصين.
هذا ما فعلته حركة (جيل 88) التي تأسست عام 2005، كحركة تدعو إلى الديمقراطية، ظهر تأثيرها
داخل المجتمعات البورمية بفلسفة حروب اللاعنف، والكفاح السلمي غير العنيف، بأدبيات
جين شارب، وإرشادات معهد ألبرت آينشتاين، حينما طافوا البلاد مرتدين اللون الأبيض
كرمزٍ للحركة، ونجحوا في جمع مئات الآلاف من توقيعات المواطنين على عريضة تطالب
بالإفراج عن السجناء السياسيين، تم تسليم نسخة منها إلى الحكومة العسكرية في
بورما، ونسخة أخرى تم إيداعها الأمم المتحدة.
ولأن أنشطة حركة هؤلاء الطلاب
من وقفاتٍ واحتجاجات، ومطبوعات، ولافتات، وأغذية ومشروبات، ونفقات شخصية، تحتاج
إلى تمويلات ضخمة بالمقارنة بما يمتلكه هؤلاء المتسكعين، فقد تلقت الحركة تمويلات
من هيئة (نيد) خلال عامين ونصف العام على تأسيسها، بقيمة 2.5) مليون دولار)
هذا بخلاف الأموال المتدفقة من منظمة المجتمع المفتوح - سوروس، ومن الحكومة
النرويجية.
ولأن حروب اللاعنف تحمل بين
طياتها كل العنف، فقد تورطت الحركة في عملياتٍ إرهابية داخل بورما، بدعمٍ من وكالة
الاستخبارات المركزية، على طريقة دعم الهجمات الإرهابية في كوسوفو، لتقليب الأطراف
المتصارعة على بعضها البعض والتي قادت إلى الحرب، ولكن هذه العمليات الإرهابية في
بورما لم تدرج في التقارير الدولية، لأن (حركة 88) تصنف كحركة
ديمقراطية، وليست حركة إرهابية بالمنظور الغربي!
حينما اندلعت ثورة الزعفران
بالعاصمة يانغون في أغسطس 2007، نتيجة ارتفاع أسعار الوقود والأغذية بنسبة (500%) وانتشار العنف ضد الرهبان البوذيين، بدأ معهد ألبرت آينشتاين في التحرك.
آنذاك كان مدير المعهد هو
العقيد (روبرت هيلفي) الملحق العسكري السابق للسفارة الأمريكية في يانغون، وقد
صدرت الأوامر لأعضاء (حركة 88) التي لعبت دورًا بارزًا في تنظيم
الاحتجاجات، وقيادة التظاهرات، واستقطاب أكبر عددٍ من الغاضبين وخاصة من الرهبان
البوذيين أصحاب الرداء ذي اللون الزعفران الذين تجمعوا بالآلاف.
قامت الحكومة العسكرية بالقبض
على أعضاء الحركة، وتم إخماد الثورة عسكريًّا، وصدر ضد العديد منهم أحكام قضائية
بالسجن، بموجب اتهامات خاصة باستخدام وسائل الإعلام الإلكتروني بطرقٍ غير شرعية،
وتشكيل منظمة على نحوٍ مخالفٍ للقانون.
كما اتهمت الحكومة طلاب هذه
الحركة بتلقي تمويلاتٍ من مجموعةٍ أمريكية عبر سفارة غربية بمبلغ 30)ألف دولار) في العام السابق للثورة، آنذاك ساعدت السفارة الأمريكية أحد
زعماء الحركة (هاتاي كيوي) على الهروب خارج البلاد، تجنبًا للاعتقال.
بالطبع أدانت منظمة (العفو
الدولية) ومنظمة (هيومان رايتس ووتش) هذه الأحكام، ووصفت أعضاء الحركة المسجونين
بسجناء الرأي، وسارعت العديد من منظمات حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطيات،
بتقليد هؤلاء المارينز الأمريكي جوائز دولية.
وفي نوفمبر من عام 2010، قدمت أمريكا وبريطانيا، مشروع قرار للأمم المتحدة مدعومًا من
العديد من دول أوروبا، يدعو إلى الإفراج الفوري عن أعضاء (حركة 88) المسجونين، وقد تم الإفراج عن بعض هؤلاء، ضمن قائمة العفو عن
السجناء، في 13 يناير 2012، وتحديدًا
كان الإفراج عن الأسماء المدرجة في مشروع القرار المقدم للأمم المتحدة منذ عامين.