يرى باحثون أن الحزب الشيوعي الصيني يقوم بتطبيق استراتيجية متعددة الأبعاد في منطقة البحر الكاريبي، ويحقق مكاسب اقتصادية وسياسية ومن المحتمل عسكرية على بعد بضعة أميال قليلة من شواطئ الولايات المتحدة.
والهدف النهائي للاستراتيجية التي تنتهجها الصين في منطقة الكاريبي ربما يكون مواجهة الولايات المتحدة، ليس فقط من خلال تواجدها بالقرب من البر الرئيسي للولايات المتحدة، ولكن أيضاً من خلال ترسيخ وضع مماثل للوجود العسكري الأمريكي في منطقة بحر الصين الجنوبي التي أنشأت الصين فيها جزراً جديدة في البحر، وتعهدت بعدم عسكرتها، ثم مضت بعد ذلك في عسكرتها.
وقال الدكتور لورانس فرانكلين، مستشار وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد في تقرير نشره معهد "جيتستون" الأمريكي، إنه من المهم أن نتذكر أن الصين وعدت أيضاً بحكم ذاتي لهونج كونج يمتد حتى عام 2047، ثم في عام 2020، اتخذت إجراءات قفزت بها 27 عاماً كما تقوم قيادة الحزب الشيوعي الصيني بجهد دبلوماسي في منطقة البحر الكاريبي بهدف تجريد دولة تايوان من الشرعية، بينما تشجع دول المنطقة على إقامة علاقات مع جمهورية الصين الشعبية.
وأضاف فرانكلين، أن الشحنات الصينية من المعدات العسكرية والشرطية إلى العديد من دول منطقة البحر الكاريبي يمكن أن تتطور إلى نقاط انطلاق لـ"مجموعات استشارية" تابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني في نصف الكرة الغربي. وتابع أن مشاريع البناء التي تنفذها الصين تشمل بالفعل تحديث المطارات والموانئ، مما قد يؤدي لزيادة نفوذ بكين في المجالين الجيوسياسي والعسكري في المنطقة.
ويعد قيام الصين بإنشاء قطاع الحزام والطريق الكاريبي فرصة لعملاء استخبارات الحزب الشيوعي الصيني لتقويض سيادة دول منطقة البحر الكاريبي من خلال إغواء هذه المجتمعات للوقوع في "فخ الديون" ومن ثم الاعتماد اقتصادياً على الصين.
فعلى سبيل المثال في سريلانكا، أدى عجز الدولة عن سداد الديون لدائنيها الصينيين نظير قيام بكين بتحديث ميناء هامبانتوتا إلى خسارة الدولة الواقعة في جنوب آسيا فعليا للميناء.
ويتضمن تغلغل الصين في منطقة البحر الكاريبي حتى الآن مبادرة "الدبلوماسية الطبية" التي تزود أمريكا اللاتينية، ولكن بصفة خاصة الدول الجزرية في المنطقة، بالكمامات وملابس وقفازات الحماية الشخصية وبأجهزة تنفس وسيارات إسعاف وأدوية.
وأنشأت الصين مستشفيات في الدومينيكان وسانت كيتس وبربادوس وترينداد. بالإضافة إلى إنشاء مستشفى للأطفال في جامايكا. وخلال تفشي فيروس كورونا ، تبرعت الصين بإمدادات طبية لنحو 15 دولة في منطقة الكاريبي.
ويضخ المستثمرون الصينيون ملايين الدولارات في مشاريع البناء الموجهة لقطاع السياحة، حيث تقوم شركات البناء الصينية المدعومة من الدولة ببناء منتجعات فندقية في جزر الباهاما وجويانا وبربادوس.
وأضاف فرانكلين أن الأمر الذي يثير مزيداً من القلق بالنسبة للمؤسسات الأمنية الأمريكية هو المشروع الجاري لتوسيع الميناء ذي الأهمية التجارية بالفعل في كينجستون في جامايكا، وكذلك الميناء في فريبورت بجزر الباهاما الذي يعد قاعدة عمليات جديدة محتملة للصين على بعد 90 ميلاً من الساحل الأمريكي.
ويتم تنفيذ مشاريع موانئ أخرى بتمويل صيني في كوبا وجويانا. وهناك مشروع بناء صيني آخر يستوجب التدقيق بسبب تأثيره على الأمن القومي للولايات المتحدة وهو تحديث مطار تشيدي جاجان الدولي في جويانا.
كان هذا المطار في الماضي موقعاً لعمليات عسكرية للقوات الجوية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية، ونظراً لأن مدرجه يبلغ أكثر من 10 آلاف قدم، فإن بإمكانه استضافة الطائرات الحربية الصينية.
ويستخدم النظام الصيني "القوة الناعمة" على نحو فعال عن طريق انتهاج دبلوماسية معادية للولايات المتحدة من خلال سفراء الصين في الدول التي يخدمون فيها وكذلك معاهد كونفوشيوس.
وفي عام 2018، قطعت جمهورية الدومينيكان علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، للاستفادة على الأرجح من الفرص الاقتصادية التي قد توفرها العلاقات مع الصين.
والأجندة العسكرية للصين في منطقة الكاريبي تشمل القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي، التي تبرعت بطائرة نقل صينية الصنع من طراز "واي - 12" لجويانا. وتواصل المساعدات العسكرية المقدمة من جيش التحرير الشعبي في الوصول إلى جامايكا.
وعلاوة على ذلك، يواصل ضباط عسكريون منتقون من كل دولة كاريبية تقريباً تلقي تدريب في الأكاديميات العسكرية الصينية.
وقال فرانكلين، إنه لو أنشأت الصين منصات انطلاق في البحر الكاريبي، فربما تواجه الولايات المتحدة تكراراً غامضاً لأزمة الصواريخ الكوبية التي اندلعت عام 1962. ومن ثم يمكن للصين أن تصر على أن تقلص الولايات المتحدة، أو تسحب بالكامل، هيكل قوتها العسكرية الكبير الموجود في غرب المحيط الهادئ ، نظير سحب معدات جيش التحرير الشعبي من منطقة الكاريبي -أو أي اتفاق مقايضة أخر كانت تحلم به.
ووفقاً لفرانكلين، يحتاج صانعو السياسة في الولايات المتحدة بشكل جدي إلى معالجة السياسات التوسعية العدوانية التي تنتهجها الصين الشيوعية في منطقة البحر الكاريبي، و يجب ألا تسمح الولايات المتحدة للقوات الجوية والبحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني بإنشاء قواعد يمكن أن تعرقل حرية الملاحة الأمريكية، سواء للتجارة أو للقوافل العسكرية التي تعيد إمداد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) في حالة اندلاع أزمة عسكرية.
وقال فرانكلين إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح بأي محاولة من جانب الصين لوضع أي بلد في نصف الكرة الغربي تحت التهديد، ناهيك عن الولايات المتحدة.