«الموسيقى بين الفن والفكر».. جدلية العلاقة بين التنوع الثقافى والإبداع الموسيقى
صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور هيثم الحاج علي كتاب جديد بعنوان "الموسيقى بين الفن والفكر" للدكتور إيهاب صبري، المدرس بأكاديمية الفنون، جاء تقديم الكتاب من خلال الدكتور ناجى فوزى الذى يرى أنه من المهم أن ينشط البحث التاريخى فى العلاقة بين الفن والموسيقى والحضارة الإنسانية بصفة عامة، كما يجب أن يتجه جانب من بحوث النقد الفنية إلى البحث فى الموسيقى باعتبارها فنا ذا بعد ذهنى قائم على خاصية الإيقاع فى الزمن.
إن الموسيقى تمثل جانبا رئيسا في بناء الحضارة الإنسانية، وهى لذلك ترتبط بها فى رحلتها الطويلة عبر الأجيال ومن خلال التطور الحضارى الكبير وهى تتشكل بالتبعية وفقا لملامح كل عصر وفكره وأحاسيسه، ووفقا لملامح كل بيئة، فالموسيقى وثيقة الصلة بينها وبين سائر الفنون وكذلك الأدب، فنراها تتأثر بالشعر وفن العمارة والنحت والتصوير والرقص وكافة أشكال الفنون الأدائية، فالموسيقى هى لغة التواصل مابين الشعةب حيث تصل إلى كل متذوق للفن مهما اختلفت جنسيته أو ثقافاته أو لغته، فهى إحدى ركائز التراث الثقافى الذى يحدد هوية ثقافة المجتمع.
يأتى الكتاب فى ستة فصول يتجه فيها الكاتب إلى التنقيب فى عدة موضوعات ذات طابع بحثى متصلة بالفن فنرى فى الفصل الأول يثير النقاش حول جدلية العلاقة بين التنوع الثقافى والإبداع الموسيقى فى زمن العولمة وذلك من خلال عدة موضوعات منها "الموسيقى والحضارة"، وتحولات العولمة وأثرها فى الموسيقى حيث أن العولمة تمثل فائدة خاصة لنشر الموسيقى فشبكات الإنترنت تنقل المعلومات بشكل أسرع بواسطة نقلها رقميًا كما أنها تساعد فى نشر الموسيقى بين الجماعات الصغيرة بحيث تصبح هذه الموسيقى جزءًا من منظومة النسيج الموسيقى العالمى.
يحسم الكاتب جدلية العلاقة بين الموسيقى وعلاقتها بالمدنية والموسيقى بالمجتمع ككل ودورها أيضا كوسيلة للتقارب بين الشعوب، فالفنون بشكل عام هى خير سفير بين الثقافات، حتى أثناء الحروب كانت الفنون محط تقدير وتقديس لأنها أرفع القيم وهى الكفيلة بتحقيق الحوار الثقافى بين الحضارات.
وفى الفصل الثانى الذى جاء بعنوان "التناص بين المؤلفات الموسيقية والتراث الشعبى الأدبى والفنى"، يحدد الكاتب أنماط تفاعل الإلهام والإستلهام فى العملية الإبداعية، فاستلهمها التراث القومى فى عمليات الإبداع الفنى المصرى ضرورة حيوية ولا بد أن ترتبط أساسا بعملية جمع وتسجيل وفرز العناصر المكونة لهذا التراث، فالإستلهام فى الفن هو دربا من دروب النشاط الخيالى وهى عملية تأخذ مسارها نحو الإبداع والإبتكار وهى فوق ذلك تتجه نحو نتاج الفن لتحدد له الشكل والمضمون، كما يحدد الكاتب مفهوم التناص بين الأدب والموسيقى فمن نماذج المؤلفات الموسيقية المستلهمة من الأعمال أدبية أوبرا كارمن وهى مقتبسة من قصة بعنوان"كارمن" للروائى الفرنسى"بروسبير ميريميه".
فى الفصل الثالث، يتطرق الكاتب إلى أثر السينما فى ترويج نوع معين من الموسيقى فى المجتمع العربى ويطبق مبرراته البحثية من خلال الأغنية البدوية بإعتبارها إحدى أشكال التأثر الواضح، فالغناء البدوى يحتل مكانة بارزة بين الغناء الشعبى، فهو يعتبر من أصول الغناء العربى ،حيث يحدد الكاتب أثر البيئة على الغناء البدوى، فنرى أن الغناء البدوى يتميز بقلية الحليات والزخارف اللحنية والإيقاعية ، وبسبب العزلة لم يتعرض البدو إلا فى وقت متأخر إلى المستحدث من الموسيقى حفاظًا على أصالة الغناء العربى القديم من خلال قيم وأعراف القبائل.
وفى الفصل الرابع من الكتاب، يستطيع الكاتب أن يخوض حديثه عن هوية الفكر الموسيقى بين الشرق والغرب وذلك من خلال المنظور التاريخة للتأثير والتأثر بين الموسيقى العربية والموسيقات الأخرى بداية من دراسة الحياة الموسيقية فى زمن الجاهلية حتى ظهور الإسلام حيث انحصرت الموسيقى فى الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام فى الغناء الذى كان يردد فى أماكن اللهو والشراب وكانت تربطه صلة وثيقة بالشعر الجاهلى الذى اعتمد على الإيقاع الموسيقى لعلم العروض، فالموسيقى شهدت ذروة مجدها وإنتعاشها أثناء الحكم العباسى، حيث انتقل مركز النشاط الموسيقى من دمشق إلى بغداد، ودخلت الموسيقى مع سائر الفنون والآداب فى عصرها الذهبى وخاصة فى عهد هارون الرشيد.
بينما خصص إيهاب صبرى الفصل الخامس إلى الوقوف على أهم أعلام الفكر الموسيقى الأكاديمى العام فكان فى المقدمة المؤرخ الأكاديمى الدكتور"زين نصار"الذى أشرف على أكثر من 158 رسالة علمية للحصول على درجة الماجستير والداكتواره فى مجالات الموسيقى المختلفة كالغناء والأداء الآلى والنقد الموسيقى، كما كتب المادة العلمية للبرامج الموسيقية بالإذاعة المصرية على مدى 35 عامًا ومنها برنامج عالم الموسيقى بإذاعة صوت العرب الذى استمر إذاعته لمده26 عامًا، ومن هؤلاء المبدعين أيضًا "سميحة الخولى"، "رتيبة الحفنى"، "فرح العنترى".
أما فى الفصل الأخير جاء بعنوان "الفكر الموسيقى الفلسفى الخاص" وفيه يستند الكاتب إلى أصحاب البحوث الفلسفية المتعمقة فكان من بينهم"يوسف السيسى"، "فؤاد زكريا"، "أميرة مطر".