"الرمز
يكشف للإنسان الحقائق الكونية ويظل الرمز مسدلًا على هذه الحقائق غطاء شفافًا
ليكشف أشياء ويخفي أشياء وهذه هي الطبيعة السحرية للرمز " د.
نبيلة إبراهيم كتاب "المقومات الجمالية للتعبير الشعبي".
السمات
الخاصة للرمز :
1- هو
المحصلة النهائية لتحول ظاهرة إلى فكرة والفكرة إلى تشكيل تصويري مادي محسوس و الرمز يُنتزع من الطبيعة ولكنه من الممكن أن
يكون مصنوعًا من بنات الفكرِ الإنسانى والخيال الفردي.
2-عندما
يكون الرمز ممثل للظواهر الكونية لن يشعر
الإنسان بالارتياح إلا بعد أن يهتدى بتصوره إلى أن يحيل هذه الظاهرة إلى حدث تؤدي
فيه الرموز دورها و الرموز تصبح دلالات
والرمز مهما تعرض للتفسير والتأويل يظل مغلف بالغموض والطابع الكهنوتى.
3- الإنسان
خُلق صانعًا للرمز وذلك منذ البدايات الأولى للتاريخ البشري وقد توارثت الأجناس
البشرية رموزها وبقيت هذه الرموز متوارثة حتى وأن فقدت ما كان يربطها بطقسها الأول.
4- لا يوجد
رمز فعال منفرد بل تشترك معه رموزٌ أخرى في أداء حدث ما سواء كانت هذه الرموز قولًا او فعلًا.
5- لا يكون
للرموز فاعلية إلا إذا دخلت في السياق اللغوي ؛ فالإنسان يغزل اللغة من نسيج وجوده
ولذلك ترسم حول اللغة هالة من السحر ومع
تطور اللغة وتعقيدها يزداد الرمز تعقيدًا وغموضًا.
وللرمز عدة
شروط:
1- أن يكون
الدافع وراء الرمز تأمليًا لا نفعيًا.
2- أن تقوم
العلاقة بين الرمز ومعناه على أساس المشابهه التامة لا على السببية بل على أساس التفسير والتأويل ولا يكون المعنى
بديلًا للرمز بل إضافه إليه وامتداد لوظيفته.
3- لابد وأن
يتمتع الرمز بحالة من الاستقرار في فكر الجماعة قبل أن يُصطلح عليه ويؤدى وظيفتة
الرمزية .
وتُعد
الأسطورة هي المخزون الأساسي الأول للرموز، فنجد أن أسطورة الخلق المصرية القديمة تخدم هدفين:
الأول : أن
تصور الخطوات التي تنظم الكون وفقًا لها والتي انتهت بالانتصار النهائي لحورس
وقيام المملكة المصرية الفرعونية.
الثاني :
توفير سلسلة من الرموز التي تصف أصل الوعي وتطوره.
فالهدف
الأول انبثق من نظرية الملكية المقدسة والثاني من عقيدة الروح.
-
كانت المياه الأزلية العنصر الرئيسي في أساطير خلق
العالم المصرية المتمثل في "نون محيط المياه الازلي" السابق لظهور المخلوقات.
-
ونقرأ في أسطورة الخلق المصرية :
‘‘وانبثق
منها الضوء والحياة والأرض والوعي فى البدء كان آتوم وحيدًا فى الكون وهو أصل وجود
كل المخلوقات شرع آتوم في الخلق عن طريق الاستنماء والقذف الرمزيين فكان مولد
(شو) أى الفضاء والنور المضيء في قلب
الظلام الأزلي وكان الهواء أيضًا في هذه
المرحلة الاولى .
-
وهناك رمزين العين والحيه لهما خصوصية في تراث الشعوب.
-
يقول آتوم إن الإنسان جاء إلى الوجود من دموع عينه
واستبدل هذه العين بأخرى براقة وهى الشمس .
-
فالعين بذلك لها قوة تأثير على كل ما حوله والعين الأسطورية استقلت بكينونتها وأصبح لها
قوة وسلطان فهي رمز للقوة والنار والعواطف والغضب .
-
أمَّا الثعبان فهو رمز كبير
مغلف بالغموض لأنه يحمل معنى الضدين الخير والشر، فتارة هو الإله القديم المنبثق من المياه الأزلية والإله الحارس للأرض الذي
تحيط لفاته العالم، وفي صورة آخرى يُصور
على أنه الكائن المراوغ الذي اختلف مع رع حول هيليوبلس، فقد نظر المصري
للثعابين باعتبارها قوى شيطانية تسكن العالم السفلي، فالثعبان يحمل
الدلالتين الضدين الخير والشر.
ومن هنا يُمكننا
أن نلاحظ أن التعبير الشعبي لا يعرف الأفكار المجردة أو التعبير التجريدي عن
الأفكار على العكس فهو يلجأ دائمًا إلى تجسيد الأفكار على نحو يجعل النص الشعبي
محورًا لمزيد من التأويلات والتساؤلات .
فيقول الموال
الشعبي :
من عشقي في الزرع
جبت عود مرير ونشيته
وجبت ميه بكفة إيدي ورويته
وصبرت أنا للحول
لما طرح جيته
وجيت أدوقه لقيته
مر لم ينداق
تعبت عليه ليه ؟
وأثل المر من بيته .
وعلى الرغم من
بساطة التعبير إلا أن بداهية الحقائق؛ فالمر لا ينتج إلا مرًا وتلك الحقائق يعرفها
الإنسان تمام المعرفة إلا أن المبدع الشعبي تمكن من توظيف تلك الحقائق داخل النص
الشعبي ؛ ومن هنا يتبين أن الاستعارة والتشبيه ليسا مجرد تشكيلين جماليين يلجأ إليهما
المبدع الشعبي لصياعة النص والمعنى بل هما بالنسبة إليه يمثلان معنى وثيق الصلة
بسلوكه الفكري والعملي.
ويقول موال آخر :
السبع له طبع ،
لم ملك الخلا يسرح ( إذا أمتلك البراح )
والضبع له طبع لو
جالو الضلام يفرح
والديب له طبع لو
جالو ملك الغنم يجرح
والكلب له طبع ما
يبات إلا في أنجس مطرح
والكريم له طبع
لو جالو الضيف يفرح
والبخيل له طبع
لو جالو الضيف يترح
ويقول جيتونا ليه
سودتم علينا المطرح .
ومن خلال هذا
النص نجد عبقرية المبدع الشعبي في إحالة طبائع عالم الحيوان وإسقاطها على عالم
البشر وعقد المقارنة بين طبائع الكريم والبخيل، مما يؤكد ميل
الإنسان الشعبي إلى التجسيد وتوظيف اللغة المجازية وبالتالي تتحول العبارة
المجازية إلى شكل من أشكال السلوك ويتحول المجاز إلى حقائق رمزية يتفق عليه العقل
الجمعي .
ومن الأمثلة على
هذا النمط من التعبير المجازي نجده في تلك العبارات :
(ربنا يسود
عيشته) .. (اللُّقم تمنع النِّقم ) .. ( على قد لحافك مد رجليك) ..( إحنا دفنينه
سوا).
فجميع تلك
العبارات المجازية يتولد منها حكايات رمزية تؤكد على فعاليتها في حياة الجماعة
الشعبية ؛ فحينما يُجسد المثل الشعبي التوظيف المجازي داخل التعبير الشعبي نجده
كذلك له قوة تأثير في نفس المستمع واستحسان البلاغة في تلك العبارة المختزلة وكل
هذا يؤكد أن العقل الجمعي في حالة إبداع ونشاط دائم وأن تساؤلاته الكونية سرعان ما
تتحول إلى صيغ جمالية لها فعاليتها في التأثير .