"عالم موازٍ يخرج من الشرق الآسيوي".. جزء جديد من "أحجار على رقعة الأوراسيا"
تنشر "الهلال اليوم" الجزء الثاني من الفصل السادس لكتاب "أحجار على رقعة الأوراسيا"، للكاتب عمرو عمار، والصادر عن دار «سما» للنشر والتوزيع:
عالم موازٍ يخرج من الشرق الآسيوي
عام 2001، شرعت الصين في تأسيس منظمة (شنغهاي للتعاون ) مع روسيا ودول وسط آسيا، ورويدًا رويدًا، نجحت هذه المنظمة في تأسيس حلقاتٍ من شبكاتٍ تعاونية متعددة الأطراف، من العلاقات الخارجية، ارتكازًا على مواجهة الإرهاب، والمجموعات الانفصالية، مرورًا بعقد اتفاقيات دولية مع تكتلاتٍ اقتصاديةٍ متعددة، من داخل وخارج القارة الآسيوية، إلى أن بدأت هذه المنظمة بمرور الوقت ترسم معالم عالمٍ جديدٍ متعدد الأقطاب، في مواجهة الغرب، يسير جنبًا إلى جنب مع مجموعة بريكس، ومؤسسات مالية ومصرفية وليدة.
سبتمبر 2014، ووفقًا لتوصيات قمم (شنغهاي- بريكس) أنشأت الصين رسميًّا وكالة (E.U.A.e) من قبل شركة (داجون) الصين، شركة (روس راتينج) روسيا، وشركة (إيجان جونز) الأمريكية، باستثماراتٍ مبدئية بقيمة (9 ملايين دولار) تسدد مناصفة بين الأعضاء الثلاثة.
هذه الوكالة تتخذ خطوات جدية الآن، وعلى استعدادٍ لتحدي الوكالات الثلاث الكبار التي تسيطر على الصناعة (موديز- ستاندرد آند بورز - مجموعة فيتش) وهي وكالات مسيسة خاضعة للولايات المتحدة الأمريكية، وتصدر تصنيفاتها، وتقيم اقتصادات الدول، وفق أجندةٍ أمريكية جيوسياسية.
فمثلًا؛ هذه الوكالات منحت الأوراق المالية، والسندات الأمريكية، تصنيف مستوى آمن عند (A)! لتأتي أزمة الرهن العقاري عام 2008، وتكشف زيف هذا التصنيف.
وهي نفسها التي خفضت التصنيف الائتماني لروسيا، إلى (BBB) وهي درجة واحدة، أعلى من المستوى الاقتصادي غير المرغوب فيه، مثلما فعلت مع الهند وتركيا(1).
عام 2015، وعبر بنك الصين الشعبي، أطلقت الصين (نظام المدفوعات الدولية) الخاص بها، كبديلٍ لنظام (مدفوعات سويفت) الخاضع لمراقبة وكالة الاستخبارات المركزية، وشرعت في التحرك من أجل استخدام خط الاتصالات المخصص لها، للتحرر نهائيًّا من استخدام شبكة سويفت، وعلى الفور ربطت روسيا أنظمة المقاصة الخاصة بها، مع النظام الصيني، على أمل أن تحذو دول بريكس حذوهما في القريب؛ على أمل أن تفقد أمريكا السيطرة على حركة التبادلات التجارية بين الدول على المدى المتوسط، حال نجاح بكين في استكمال بناء هذا النظام، الذي بدأ في التعثر مؤخرًا، رغم استكمال جزءٍ كبير من البنية التحتية الخاصة به.
نفس العام 2015، وفي تحدٍّ لبنك التنمية الآسيوي، أعلنت الصين عن تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار (AIIB) بمشاركة (58 دولة) منها (14 دولة) عضو في حلف شمال الأطلسي، وخمس من مجموعة الدول الصناعية السبع (بريطانيا - فرنسا - ألمانيا – إيطاليا) بجوار الصين، بالإضافة إلى مصر والسعودية، كأعضاءٍ مؤسسين، بما فيها بعض دول آسيا المحورية، والتي تعتمد عليها واشنطن في تطويق الصين عسكريًّا، عند بحري الصين الجنوبي والشرقي.
البنك ترفضه واشنطن بشدة، خشية أن ينافس صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وتحت ضغطٍ من الرئيس الأمريكي السابق (باراك أوباما) لم يصوت للبنك بلدان أخرى مثل: اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ومن المتوقع أن تنضم هذه الدول على المدى المتوسط.
تأسس البنك في بكين برأس مال (50 مليار دولار).. تعد الصين والهند، الممولين الرئيسيين له، كأداة تمويل مشاريع البنية التحتية في مجال الطاقة والاتصالات والنقل لأنحاء دول آسيا، وأيضًا لتمويل مشاريع البنية التحتية البحرية للحزام والطريق(2).
وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن الصين هي بالفعل أكبر شريكٍ تجاري للهند وباكستان وبنجلاديش، ومؤخرًا مع سريلانكا ونيبال، وأنها رقم واحد أيضًا عندما يتعلق الأمر برابطة دول جنوب شرق آسيا (دول الآسيان) فالحديث هنا عن حلم التقارب بين (600 مليون) شخص يمثلون رابطة دول الآسيان الاقتصادية العشر (إندونيسيا - ماليزيا - سنغافورة - الفلبين - تايلاند - بروناي – فيتنام - ميانمار - لاوس - كمبوديا)، مع (1.4 مليار) شخص في الصين، بالإضافة إلى (1.5مليار) شخص على شبه القارة الهندية ( الهند - بنجلاديش - بوتان - نيبال - باكستان - سيريلانكا - جزر المالديف)(3).
هذا العالم الموازي العابر من الشرق الآسيوي، ليس هو التحدي الوحيد، أمام العقل الاستراتيجي المفكر في الولايات المتحدة الأمريكية، فالسؤال الأكثر أهمية الآن، هو ماذا ستفعل واشنطن إزاء وثيقة (صنع في الصين: 2025)؟