د. رشا أبو شقرة
تمثل النساء والفتيات نصف سكان العالم،
وبالتالى نصف طاقاته ونصف إمكاناته، بل ونصف معاناته أيضاً، لذلك فإن الوصول
بالحياة الإنسانية للمساواة بين الجنسين يعد مطلباً أساسياً وحقاً من حقوق الإنسان،
بل إن تمكين وتقوية النساء في مجتمعاتهن يعد تمكيناً للإنسانية كلها ودافعاً لزيادة
الانتاجية والنمو، خاصة بعدما ارتبط مصطلح الفقر بالمرأة بعد أن صكت "ديانا
بيرس" مصطلح "تأنيث الفقر" عام 1978، وقد أكدت على معاناة النساء
الكبيرة فى الولايات المتحدة الأمريكية من مشكلات كلها متعلقة بالفقر، مثلها مثل
حال الكثيرات من نساء العالم، وما أكثرها في إفريقيا، حيث تلعب المرأة دوراً كبيراً
فى مجتمعها، كل وفق عاداته وتقاليده وظروفه المجتمعية الطبيعية منها والثقافية،
ولكن أوضاع النساء فى إفريقيا تشبه أوضاع القارة الأم، كثير من الثروات والكنوز
ومزيد من الصعوبات والتحديات التى عرقلت مسيرتها نحو التحرر، وعلى الرغم من
المكانة القوية التى احتلتها المرأة الإفريقية تاريخيا، فقد حكمن أمماً وأعراقاً
أمثال حتشبسوت ونفرتيتي، وكن رؤساء وزعماء لعشائرهن خاصة فى القبائل التى تتبع
النسب الأمومي، إلا أن الاستعمار أضر كثيراً بأوضاع المرأة فى إفريقيا واستبعدها
من سياسات التعليم والتدريب، وركّز على الرجال كقياديين وعسكريين لمساعدته فى
إحكام سيطرته على البلاد بما يخدم مصالحه الاستعمارية، مما أدى الى تراجع دور
المرأة الاجتماعي والسياسي وعطّل طاقاتها وهمّش قدراتها.
وعلى الرغم من الجهود التى بذلتها
النساء للحصول على حقوقهن إلا أن المرأة، وخاصة الإفريقية، مازالت تعانى من أوضاع صعبة للغاية، حيث تشكل النساء نسبة غير
متكافئة من فقراء العالم نتيجة لقلة الدخل والحرمان من الإمكانات والخدمات وطريقة
توزيع السلطة بين الجنسين، إلى جانب القيود المجتمعية والعقائدية التى تفرض على
المرأة، ما يجعلها الأكثر عرضة للمخاطر، وتظهر هذه القيود بوضوح فى الحياة الإفريقية
التى تحكمها الروابط العشائرية والقبلية فى قارة بها أكثر من 7400 قبيلة تحكمها
العادات والتقاليد، والتى ترى فى كثير منها أن المرأة مكانها المنزل والاهتمام
بتربية الأبناء ورعاية المسنين والمساعدة فى جلب الماء والحطب ورعاية الماشية
وغيرها من الأعمال الكثيرة المستهلكة للوقت وغير المدفوعة الأجر، ما يحرم المرأة
من الحصول على مهارات تكسبها دخلاً خارجياً، وتشجع العادات فى كثير من بقاع إفريقيا
على كثرة الإنجاب وتعدد الزوجات، خاصة لدى زعماء القبائل، فكلما زاد عدد زوجاته
وأبنائه زادت مكانته واحترام الناس له فى المجتمع، وتتجلى قداسة طقس الزواج
والإنجاب فى صورة عادة الزواج للمتوفى التى تنتشر لدى بعض قبائل جنوب السودان،
وتحرم المعتقدات فى بعض الثقافات الإفريقية الاختلاط بين الزوجين بعد الولادة وحتى
يبلغ الطفل العامين؛ اعتقاداً منهم أن الجماع بينهم فى تلك الفترة يضر بالرضيع؛
لذلك يتزوج الزوج بزوجة أخرى فى تلك الفترة الكبيرة، كما تساعد المعتقدات على
الزواج المبكر والإضرار بصحة المرأة، ويعتبر تعثر المرأة فى الولادة دليلاً على ارتكابها جرم كبير مثل السرقة أو
الزنا. وكثيرا ما تحرم المرأة من الحصول على حقوقها خاصة وراثة الماشية فى
المجتمعات الرعوية، كما هو الحال لدى قبائل "الهتنتوت" فى جنوب القارة
الإفريقية.
يمثل ضعف البنية التحتية من كهرباء
وماء وطاقة إلى جانب المشكلات البيئية جفاف وتصحر وأوبئة وأمراض، يمثل عبئا على
المرأة، حيث يشير تقرير للبنك الدولي إلى أنّ المرأة في الريف الإفريقي تعاني
المشي على الأقدام، واستهلاك وقت وجهد كبيرين في التنقل بما يساوي 65% من الوقت
المتاح للأسرة، وتقضي المرأة ما يعادل 700
ساعة في العام في جلب المياه في غانا، و500 ساعة في تنزانيا، و200 ساعة في زامبيا،
كما تعمل غالبية النساء الإفريقيات فى القطاع غير الرسمي غير المرئى، فمثلا على
الرغم من عملهن فى القطاع الزراعى بنسبة 50% من القوى العاملة لهذا القطاع، إلا أن
المعوقات القانونية والممارسات التمييزية تحد من قدرتهن على امتلاك الأراضي، فقد
أشار تقرير المركز الدولى لأبحاث للمرأة فى واشنطن الى أن النساء فى جنوب دول
الصحراء مسئولات عن إنتاج 80% من إجمالى المنتجات الغذائية، ورغم هذا لا تتجاوز
نسبة امتلاكهن للأراضى القابلة للزراعة الواحد بالمائة، إلى جانب شكوى المرأة
صاحبة المشاريع الصغيرة من ضعف الطلب على منتجاتها وعدم قدرتها على الوصول للأسواق
بسبب الطرق والمواصلات وضعف المعلومات عن السوق وطرق التخزين؛ مما يشكل عائقاً أمام
زيادة الإنتاج، وبالإضافة إلى المعاناة الاقتصادية تظهر معاناتها وتدنى أوضاعها
الصحية والتعليمية، فهى تمثل نسبة ثلثى الأميين فى إفريقيا، إلى جانب العنف، ففى
جنوب إفريقيا وحدها هناك 40 ألف حالة اغتصاب سنويا، ما أدى إلى تفشي مرض الإيدز
بين النساء، وزاد من إجبارهن على الزواج المبكر.
وما يزيد الأمر سوءاً الوضع القانونى
المتراجع، فمثلاً مازال القانون يتيح للأسرة حق تزويج الفتيات فى سن العاشرة فى
السودان مما ينتهك حقوق الأطفال، ومازالت هناك دول لا يوجد لديها قانون لحماية
المرأة ضد العنف الأسرى مثل بوركينا فاسو وكوت دييفوار والنيجر ومالى. هذا إلى
جانب المعاناة الأكبر من العنف والمخاطر التى تتعرض لها المرأة فى مناطق النزاع،
حيث تصبح الأجساد هى ساحة الحرب والاعتداء على المرأة جنسيا يعد أحد طرق إذلال
القبيلة بأكملها وجلب العار لها ولمجتمعها، وتصبح المرأة المغتصبة منبوذة منه مما
يعرضها للتشرد هى وطفلها ويعرضها للقتل أيضاً للحفاظ على الشرف، بالإضافة إلى
العنف الذى تتعرض له حيث تستغل بعض الجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام النساء
لإخضاع ذويهن.
ومازالت تشكل العقبات الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية أمام المرأة حجر عثرة يجعل من الاستقلال الاجتماعى والاقتصادى
صعب المنال بالنسبة لهن، لذلك تحتاج لمزيد من الجهود لتخطيها بداية من المرأة
نفسها مروراً بالمؤسسات ووصولاً إلى جهود الدول.