رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


فى ذكرى ميلاده.. صلاح جاهين يغوص فى آلام الشعب وأحلام الوطن

25-12-2020 | 13:31


تحتفل الأوساط الثقافية اليوم الجمعة، 25 ديسمبر بذكرى ميلاد شاعر لم يأت مثله، بتركيبته وابتسامته ومرحه وحتى بصمته وإكتئابه بعد النكسة وموت عبد الناصر، إنه الشاعر ورسام الكاريكاتير صلاح جاهين، الذي أطلق عليه لقب "فيلسوف الفقراء"، و"شاعر الثورة"، الذي أحب الوطن وغاص في وجدان ومعانات وآلام وأحلام شعبه. 


محمد صلاح الدين بهجت المعروف بصلاح چاهين، فنان متنوع وشامل، شاعر ورسام كاريكاتير، وممثل وسياسي يساري الفكر، وشاعر طوع العامية بشكل جديد ليجسد بها معاني فلسفية وحياتية، لم تكن تصاغ قبلاً إلا باللغة العربية الفصحى، فاستطاع أن يتحدث عن أفكار كثيرة في رباعياته مثل: معاناة الفلاحين، والتوحد مع الشعب في الطموح والأحلام، والتحفيز الثوري، والانتصارات التي طالما كتب من أجلها، وتغنى بها عبد الحليم حافظ، مثل "أحنا الشعب، بالأحضان، صورة".


وعلق الدكتور جابر عصفور في كتابه في محبة الشعر، عن شعر صلاح جاهين، قائلا إنه يمثل المحاولة الدائمة من خلال الصورة والرمز والكناية للوصول إلى المستحيل الذي يتباعد كلما اقتربنا منه، وكدنا نمسکه بأصابع أمنیاتنا لكن وجود هذا المستحيل يظل شرطا لحياتنا التي لن يكون لها معنی دون المحاولة المستمرة الدؤوبة التي تفرض على العبث واللاجدوی في حياتنا المعنى والمغزى، وتميزنا نحن البشر الفانين، الذين مع علمنا بأننا محدودي القدرة لا نکف عن التشبه بالآلهة.


وتابع: الأمر الذي يلفت الانتباه في شعر صلاح جاهين - إلى جانب ذلك - هو صفة الدرامية، ولعل من يقرأ شعره متأملا يجد أنه ينطوي على صوتين على الأقل: صوت الشاعر الذي يتحدث، وصوت الشاعر الذي يتحدث إلیه، كأن صلاح جاهين ينقسم دائما في قصائده إلى ذات وموضوع، الذات تتأمل الموضوع خارجها، لكنها في الوقت نفسه تتأمل الموضوع الذي هو إياها. ولهذا نلاحظ أنه بقدر ما يقيم موازاة بين نفسه وهرم صغير مثلا يقيم موازاة بين نفسه وأشياء أخرى، لكي يتأمل الحضور المحاصر لهذه الذات التي كان اليأس ينتابها أحيانا ، لكنها لم تكن تكف عن محاولة التحدي، ولهذا كانت الدرامية موجودة في قصائد صلاح جاهين العامية. 


 بدأ "جاهين"  كتابة رباعياته لأول مرة عام 1959م، وكانت تُنشر بشكل أسبوعي في مجلة "صباح الخير" حتى  عام 1962، ثم توقف عن كتابتها عندما انتقل إلى العمل بجريدة الأهرام.


ووصل عدد أشعار صلاح جاهين فى الرباعيات 160 رباعية، وبالعامية المصرية وصلت أشعاره إلى 52 قصيدة عامية، والأزجال 59 قصيدة زجلية والأغانى 55 أغنية لجاهين وكانت منوعاته الغنائية متعددة ووصلت إلى 37 منوع غنائى و 7 مسرحيات.


وعلى الرغم من هذا الإنتاج الوفير فقد ظلت الرباعيات حتى الآن هي أهم أعماله يرددها كل الشعب حتى وقتنا هذا إلا أن، وحقق ديوان "الرباعيات " مبيعات ضخمة، حيث تجاوزت مبيعات إحدى الطبعات التي طبعتها“الهيئة المصرية العامة للكتاب” أكثر من 125  ألف نسخة في غضون الأيام الأولى القليلة.


ظل جاهين معظم حياته يبتسم ويضحك كثيراً ويرقص أحياناً أخرى، وقد رافقه في رحلته الإبداعية في نفس جيله الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور.



كتب چاهين  أهم وأشهر أوبريت للعرائس في مصر وهو "الليلة الكبيرة" والذي لحنه وغناه وقتها سيد مكاوي، وكان يصف المولد الشعبي بشكل رائع وممتع، من خلال شخصيات "الأراجوز، بائع الحمص، بائع البخت، القهوجي، المعلم، العمدة، الراقصة، مدرب الأسود، الأطفال، المصوراتي، معلن السيرك، المنشد، الفلاح".


تحولت الكثير من أعمال صلاح چاهين إلى أغاني أهمها كما ذكرنا أغاني الثورة، مثل" أحكم يا شعب، أيامنا الحلوة، بحب السلام، بستان الاشتراكية، أحنا الشعب وبالأحضان "، ثم أغاني لسيد مكاوي من أشهرها "ليلة أمبارح" وأغاني لعلي الحجار ومنير مثل أغنية "المريلة الكحلي".


توحد الشعب كله أنذاك بأغاني چاهين عن الوطن والانتصارات وحتى عن السياسة والأقتصاد كأغنيته" بستان الأشتراكية ورغم أن صلاح جاهين كان يغنى للاشتراكية في إخلاص المثقف المنتمي للفكر اليسارى المنحاز للفقراء والبسطاء بشكل أساسى إلا أنه كان مثقفاً وليس أيديولوجيا منغلقاً.


بعد نكسة 1967 دخل "جاهين" في موجة اكتئاب شديدة ظلت ملازمة له حتى وفاته، وامتنع وقتها عن كتابة الأغاني الوطنية وهو مايفسر ظهور أغنية "عدى النهار" التي كتبها الأبنودي وغناها عبد الحليم حافظ آنذاك.


وكتب "جاهين" في حالته رباعية، حين احتاج لعملية قلب بسب انسداد شريانه، فقال:  

يا مشرط الجراح أمانة عليك

وأنت في حشايا تبص من حواليك

فيه نقطة سودة في قلبى بدأت تبان

شيلها كمان.. والفضل يرجع اليك


من أهم أعمال جاهين، ديوان قصاقيص ورق، أشعار العامية المصرية، ديوان أوراق سبتمبرية، عن القمر والطين، كتاب أزجال صحفية، ديوان رباعيات صلاح جاهين، الشاطر حسن، موال عشان القنال، أوبريت الليلة الكبيرة، وغيرها من السيناريوهات والمسرحيات والأغاني. 


ورحل صلاح جاهين عن عالمنا، فى 21 أبريل عام 1986 بعد أن ترك  إرثًا فنيًا وثقافيً وإبداعيًا لا تتجاوزه الأيام، فأصبح علامة مميزة، في تاريخ الفن والأدب والثقافة المصرية.