"وداعًا الأخيرة".. قصة تكتبها أسماء محمد صلاح
وقفت إلى جواره، أمام رسمة للشهير "فان جوخ"، تلك الأحذية البالية التى رسمها "فان"، لا تثير فى النفس أي اشمئزاز، بل تجدك نفسك منجذبا إليها بعنف، لم تكن الأحذيةجميلة، لكن "فان" أضاف لها لمسته البارعة، استطاع أن يرى الجمال المختبئ خلف القبح.
-انظر كم تبدو جميلة، آه نسيت أنك لا ترى.
تستعد لاقتراب مراسم الزفاف، كم كانت تحلم بتلك اللحظة التى ترتدى فيها الأبيض، ترقص فى سعادة وسط تصفيق الحاضرين، الآن سترتديه، لتؤدي دورًا يليق بخيباتها، لا أحد في الحاضرين يجيد التصفيق لها، تقف الآن بكامل ضعفها أمامه تحرك شفتيها، تتمتم بكلمات غير واضحة، أبرز الضوء ملامحهاالحزينة، أشاحت بوجهها بعيدًا، بعد تمتمة قررت أن تنطق.
-اسمع لا أريد منك شيئًا، لا أريدك أن تقبلني،ولا أن تقترب مني، أنا لا أعرف ماذا أريد بالتحديد، لكن داخلي صخب يدفعني إلى الثرثرة، وإن بدت غير مفهومة، لماذا أنت ربما لأنك لا ترى، ليس لدى إجابة كافية، ربما اخترتك حتى تشاركني آخر فصل فى حكايتي، يسعدني كثيرُا أنك لا ترى، لحظة واحدة، أشعر أنك تريد أن تسألني ما الجيد في أنك لا ترى.
تدور صراعات في ذهنه، كلما أراد أن ينطق تجمدت شفاهه، وتبعثرت حروفه، شحذت هى بذاكرتها التى ألقتها في براح من العذاب، في ليلة اجتمعت عائلتي هنا فى زفاف أختي، بينما كان الجميع يستمتعون بالزفاف، وانشغلوا بنثر الورود، انسحب أبي وأخي، خرجت خلفهم، لأتأكد أن الساعات الطويلة التي قضيتها أمام المرآة، والمبالغة في التجمل أبدت نفعا، استمعت لحديثهما الجانبي، حول تلك البقع البيضاء، التى لطخت وجهي وجسدي، عرفت حينها لماذا تهرب والدي من اصطحابي في مشوار؛ بسبب بشرتى المشوهة كما وصفها، شعرت بنظراتهما كسهامٍ اخترقت قلبي، لم يكن لدي الوقت لأتألم، أليس مشهد قتلى مضحكًا، عروس وغناء، رقص وصخب، وقلبى ينزف حتى الموت، قتلني دون أن يلطخ يديه بدمائي، بحثت عن شخص أبثه صوتي، ركضت نحو أمي، ظللت أبكي، أريد تفريغ رأسي من ذكرياتي، أحزاني وصراخي، أسرعت أمي بإضافة المزيد من مستحضرات التجميل، ظننتها تختلف عنهم.
انظر تقف هناك الآن، آه نسيت أنك لا ترى، أمي والدي، قلبي الذي فقدته، بدا رأسي فارغا من كل شيء عدا ذلك المشهد، بعد عودتي، لا أنسى دموع أبي حينها، وهو يضمنى إلى صدره، وهو الذي كان يتحاشاني دائما، أجزم أن بكاءه كان مريرا، بالقدر الذى جعلني أعتقد أنه يكن لى حبا لم يطلعني عليه، تلك الليلة افترقنا أنا وأنا،و واحدة منا صفحت، والأخرى أخبرتني أنها ستنتقم، تلك الأخرى تخبرنى الآن أني كنت كأبي تماما، فعلت بك ما فعله أبي بي.
أستجمع حروفه المبعثرة، ليسلبها لذة الانتصار، أحببت اختلافك، رسمت لك صورة جميلة، كما فعل "فان" بالأحذية، أخبرتني صديقتك أنك تريدينه أعمى، فمثلت دورى ببراعة، قال وداعًا الأخيرة.