رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الست.. أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

25-12-2020 | 20:06


الأولى..  وألقيت عليك محبة مني،  ولتصنع على عيني.

الثانية .. الولي من إذا رأيته ذكرت الله.

الثالثة.. ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

الأولى : برضاك يا خالقي لا رغبتي ورضاي

خلقت صوتي ويدك صورت أعضاي

أبلغ بصوتي يا رب مقصدي ومناي

ولما أناجيك ولما تسمع شكواي    

الثانية: قد فاضت دموع العشق مني.. حديثا كان علوي النداء 

 فحلق في ربى الأفلاك حتى.. أهاج العالم الأعلى بكائي 

 تحاورت النجوم وقلن صوت.. بقرب العرش موصول الدعاء  

وجاوبت المجرة علّ طيفاً.. سرى بين الكواكب في خفاء 

وقال البدر هذا قلب شاك.. يواصل شدوه عند المساء

الثالثة: يا لائمي في هــواه  والهـــوى قدر... لو شفك الوجــــد لم تعـــذل ولم تلـــم

لقـد أنلتــك أذنــاً غيــــر واعيــــــــةٍ... ورُب مستمع والقلبُ في صمــــم

يا ناعس الطرف، لا ذقت الهوى أبداً... أسهرت مضناك في حفظ الهوى، فنم

الأولى.. في الأزمان البعيدة، عندما كانت الأوقات طيبة، وكان النهر ينبع من السماء، والملائكة تتبارك بأهل الأرض، ويرقبون أفعالهم كي يتعلموا منهم ويرتقوا بدرجاتهم في معراج القرب من الله. قبض الرب قبضة من طمى النهر النابع من جنان السماء، وشكلها بيديه الطيبتين، كائنا ربانيا مسيرا بمشيئة كن فيكون، ومنحه بسخائه وبكرمه من جليل صفاته، وتولاه باللطف والعناية وجعله نسيجا وحده، ادخره  للأيام التي تضطرب فيها الأفئدة ويهتز لأحداثها اليقين، ويضيق على الروح،  البراح، وقدر لكائنه أن يتجلى ليكون للناس مرساة ونجاة، نورا وهداية، وزرع نوره في أرحام أمهات وأصلاب آباء سماهم في لوحه المحفوظ.. ومن هذا النور المكنون  جاء.. أنبياء وحكماء، فلاسفة  وعلماء.. وسيدة  قدر لها أن تكون أم كلثوم.

كانت ككل الصبايا تحب الدندنة، وكأنها التسابيح والترانيم التي سكنت أذن أبيهم آدم وهو بين يدي خالقه وملائكة العرش تمجد الرب وتتساءل عن سر هذا المخلوق فيجيب تعالي "إني أعلم مالا تعلمون"..  وكان لصوتها الجميل ألا يتجاوز حجرتها، أو حتى جدران دارها، لولا "ولتصنع على عيني"، فاختار لها الرب أبا يعرف قيمة  حسن الصوت، وله من الإنشاد رزق وحياة، لم يكن فلاحا، أو تاجرا أو موظفا برجوازيا  كبيرا أو صغيرا  أو حتى إقطاعيا، فلم يخدش سمعها "عيب يا بت" أو "حرام" ولم يتولد في داخلها صراع  بين الفطرة والقوالب الجامدة، كان الغناء لها روحا وحياة، لم يكن زينة أو عيرة تلجأ له وقت الحاجة أو تستغني عنه وقت الرخاء، كان وجودها حين كانت كل الموجودات تتجانس وتتجاور ويكمل بعضها بعضا، حيث الفطرة سوية لم تلوثها تعصبات ولا تحزبات ولا تصنيفات وكان الناس يتآلفون تزجرهم كلمة عيب، ولا ترجمهم كلمة حرام .. فلم تبتذل الكلمات من تكرارها وكان الحرام  حقا يهتز له عرش السماء.

•الثانية..  

كان الرب كنزا مخفيا وأراد أن يُعرف فخلق خلقا يعظمون عظمته ويكبرون كبريائه  ويجلون جلاله، وأراد الرب أن تتجلى صفاته، فخلق خلقا يتجلى فيهم بعض من صفاته.. واصطفاهم لنفسه، وأشهدهم أنه ربهم، وشرح صدورهم، وأعطاهم حتى رضوا  برضاه  فما يراهم الناس أو يسمعونهم، حتى يحنون لميثاقهم الأول فيهتفون من أعماقهم الله الله الله وعندما خلق الله الست أعطاها فأجزل العطاء فتجلى في خلقها بديع صنعه وقدرة حكمته فمنحها صوتا جميلا قويا فصيحا عريض المساحة، ووهبها من قدرته قدرة على التحكم فيه بإعجاز يفوق البشر، ومن عزة ذاته وهبها سطوة وهيبة لدى مستمعيها، وكأنها ما تشدو إلا لنفسها "واثق الخطوة يمشي ملكا" ومنحها من القوة البدنية ما يجعلها  تغني لأربع ساعات  وتمتد حفلتها لست ساعات كاملة، وزاد في عطائه فبارك في عمرها وكانت كل أيامه طيبة مثمرة فلا تصاب وهي الستينية أو السبعينية بالجمود ولا تعرف شيخوخة العقل، فتبتعد عن التجديد أو مجاراة روح العصر، ولا تصبح موضة قديمة، ولأنها من عباد الله المخلصين فهي تقبض على جمرها، فتبتعد عن كل ما يذهب النعمة فلا تشرب الخمر، ولا تدخن، حتى أنها لم تكن تأكل الآيس كريم، حرصًا على حنجرتها، وما سكون الجالسين في حفلتها أثناء غنائها وكأن على رؤوسهم الطير إلا صمت العارفين في حضرة  التجلي الرباني وما صراخهم عند صمتها الله .. الله ، إلا عودة للنفس المتقطع اللاهث في مدارات الوحدانية، وإقرارا لتجلى القدرة وللحق المطلق في "ألستم بربكم"، فيشهدون:  بلى  بلى.

•الثالثة .. 

يتحلق الطيبون حول مائدة من نور، يرددون عليها أطيب الكلام، وكلما هل واحد جلس في مكانه، يأتي الشيخ رفعت، مصطفى إسماعيل، عبد الباسط، أبو العينين شعيشع، على محمود، المنشاوي، .. يدور همس خفيف وتساءل يملأ العيون وقد بقي مكان شاغر فتدخل سيدة خمسينية في كبرياء ولكن على استحياء، فيستبشرون لمقدمها، ويرحبون: تفضلي يا ست .

 ترفرف الملائكة ويصل نور ما بين السماء والأرض ويستمعون لها: "ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء، الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء، رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب" 

•الأولى والثانية والثالثة.. 

في زمن الأولياء كان ذو النون المصري مسافرا، وكانت الصحراء ممتلئة بالثلوج، ورأى زردشيا ملقيا بطرفه على رأسه، وكان يمضي في الصحراء الممتلئة بالثلوج وينثر الحب، فقال ذو النون: أيها القروي، لم تنثر الحب؟، قال: لا تجد الطيور قوتها، أنثر الحب حتى تثمر هذه البذور، ويرحمني الله بها .

قال ذو النون: إنه لا يقبل من زردشتي الحبة الغريبة .

 قال الزردشتي: إذا لم يقبلها، فهو ينظر إلى ما أفعله، ويكفيني هذا.

ومر الوقت وعندما ذهب ذو النون للحج، رأى ذلك الزردشتي في الطواف كالعاشق، وقال له: أريت يا أبا الفضل إنه رأى وقبل، وأثمرت تلك البذور، ووهبني المعرفة ومنحني الدليل.

فلما تعجب الولي ذكره هاتف "إنه فعال لما يريد".