هالة السعيد.. أيقونة المرأة المصرية
في السادس من فبراير عام 2017، تولت الدكتورة هالة السعيد حقيبة وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري في وزارة المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء السابق، لتستمر في منصبها الوزاري الذى تغير مسماه في الثانى والعشرين من ديسمبر 2019، مع التعديل الوزاري الذى جرى في ذلك التاريخ وانتقل معه اختصاصات الإصلاح الإدارى إلى رئيس مجلس الوزراء، حيث تولت حقيبة وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية في حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، مستمرة في هذا المنصب حتى اليوم. وغنى عن القول إن الدكتورة هالة السعيد مثلت منذ توزيرها نموذجا متميزا في أدائها السياسى، ونشاطها العلمى، ورؤيتها للتنمية المستدامة التي عكستها رؤية مصر 2030.
وإذا كان الأكثر شيوعا بين الكتاب والباحثين ألا يكتب عن المسئولين الذين يتولون المناصب السياسية إلا بعد خروجه من المنصب أو – لا قدر الله- بعد وفاته، منعا للرياء والتزلف الذى قد يؤثر على رأي الكاتب أو الباحث. ولكن رغم منطقية هذه الرؤية بل ربما صحتها في كثير من الأحيان، إلا أنه ينقصها أمرين مهمين: الأول، أن يرى المسئول مردودات نجاحه في حياته، فكما أنه يتعرض للنقد بسبب نشاطه وأدائه، فإنه من الأوجب أن يحظى بالتقدير والإشادة حال تميزه ونجاحه. الثانى، أنه من الأهمية بمكان أن يطلع شبابنا على نماذج قيادية وسياسية وتنفيذية متميزة، فتكون قدوة يحتذى بها، فحينما ننظر إلى الدكتورة هالة السعيد كونها واحدة من القيادات النسائية البارزة، تعطى صورة إيجابية للشباب عن نماذج قادرة على العمل والعطاء والنجاح رغم التحديات، ومن ثم تأتى الكتابة عن الدكتورة هالة كنموذج لواحدة من عظيمات مصر ضمن هذا الملف، بهدف تسليط الضوء على نماذج عاشت بيننا وعانت من الظروف التي نعانى منها، وخاضت معارك عدة في مسيرة حياتها الأكاديمية والسياسية، واستطاعت أن تصل إلى تلك المكانة المرموقة سياسيا وكذلك أكاديميا.
ومن هذا المنطلق، يستعرض هذا المقال واحدة من عظيمات مصر في الوقت الراهن، من خلال ثلاثة محاور على النحو الآتي:
أولا- هالة السعيد.. الميلاد والنشأة:
الدكتورة هالة السعيد من مواليد 19 مايو 1957 بالقاهرة، وإن كانت جذورها العائلية تعود إلى محافظتين مختلفتين، فوالدتها من قرية الحميدية بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، ووالدها من قرية الحاكمية بمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية. وقد نشأت وترعرعت في عائلة سياسية، حيث كان والدها المهندس حلمي السعيد وزيراً للكهرباء والسد العالي بوزارة محمود فوزى رئيس وزراء مصر الأسبق عام 1970.
حصلت هالة السعيد على بكالوريوس الاقتصاد بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عام 1978، حيث تم تعيينها معيدة بذات الكلية، لتستكمل مشوارها الأكاديمي بحصولها على الماجستير في الاقتصاد بتقدير ممتاز من ذات الكلية والجامعة وذلك عام 1983، ثم حصلت على دكتوراه الفلسفة في الاقتصاد أيضا من ذات الكلية والجامعة عام 1989.
ثانيا-هالة السعيد والحياة الأكاديمية والمهنية:
عقب حصول السعيد على الدكتوراه، حرصت على أن يكون لها نشاط طلابي متميز، حيث أشرفت على العديد من الأنشطة الطلابية غير النمطية الهادفة إلى رفع المهارات العملية لطلاب الكلية من خلال إطلاقها نموذج محاكاة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، إذ عملت جاهدة من أجل الحصول على التمويل اللازم لهذه الأنشطة من المؤسسات الدولية والمحلية (1996-2005). ويذكر أن مكانتها الأكاديمية لم تقتصر داخل مصر فحسب، بل تولت السعيد منصب رئيس قسم الاقتصاد فى جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية بين عامى 1990 – 1992.
كما تعد الدكتورة هالة السعيد أول عميد منتخب لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في أكتوبر 2011، واستمرت في هذا المنصب حتى عام 2016. وخلال توليها العمادة، شغلت السعيد منصب مساعد رئيس جامعة القاهرة لشئون البحث العلمى والعلاقات الخارجية في سبتمبر 2013، وحتى عام 2016.
وقد حققت السعيد إنجازات مختلفة حتى من قبل توليها عمادة كلية الاقتصاد، إذ تولت فى إدارة مشروع "أول مسح قومى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر"(2009-2011)، بالتعاون مع البنك المركزى المصرى، والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وشاركت في وضع الملامح العامة لأول استراتيجية قومية للتمويل متناهي الصغر بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وهيئة المعونة الأمريكية (USAID)، وبنك التعمير الألماني (KFW)، 2005.
كما شاركت في إطلاق برنامج "التدريب من أجل التوظيف" بالتعاون مع قطاع خدمة المجتمع بجامعة القاهرة منذ عام2009، والذي شهد تخريج 300 خريج في العام الجامعي 2009/2010، ثم 400 خريج عام 2010/2011، إضافة إلى مشاركتها في جمع تبرعات قُدرت بـ 350,000 جنيه مصري من بنك القاهرة لصالح صندوق المنح الدراسية والبعثات بالكلية.
كما تعد الدكتورة هالة إحدى الشخصيات المصرفية النسائية المعروفة، حيث قادت المعهد المصرفي المصري وهو الذراع التدريبي للبنك المركزي المصري لمدة ثمان سنوات حصل خلالها المعهد على الاعتماد الدولي، وذلك خلال الفترة (يناير 2003- أغسطس 2011).
ولم تقتصر حياتها المهنية على تولى هذا المعهد فحسب، بل عضوية مجلس إدارة البنك المركزي المصري، ومجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط، وعضو مجلس إدارة المركز الديموجرافى، مجلس أمناء مبادرة إصلاح مناخ الأعمال في مصر (سبتمبر 2014 - 2015)، مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال (أكتوبر 2012 - 2014)، اللجنة الاستشارية لبرنامج "مصر@ عمل" بجمعية نهضة المحروسة (سبتمبر2012 - 2013)، مجلس إدارة المعهد المصرفي المصري التابع للبنك المركزي المصري، مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد، وتولت رئاسة مجلس إدارة مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة بجامعة القاهرة، ورئاسة مجلس إدارة مركز دراسات وبحوث الدول النامية.
كما شغلت السعيد عضوية مجلس إدارة البنك العربي الإفريقي الدولي – مصر، وتولت رئاسة لجنة الحوكمة بالبنك (2003 - 2015)، وكانت عضوا بمجلس الشرق الأوسط لقطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال (MCSBE)، وفي مجلس شئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة - جامعة القاهرة (2009 – 2011)، اللجنة التيسيرية لبرنامج الإصلاح المصرفي المصري بالاشتراك مع العديد من البنوك المركزية الأوروبية (المرحلة الأولى 2003-2008)، (المرحلة الثانية 2008-2011). كما تولت عضو اللجنة التيسيرية لمبادرة إتاحة التمويل بالبنك المركزى المصرى (2008-2011)، وعضو مجلس إدارة الشبكة الأوروبية للتدريب المصرفي EBTN لتمثيل مصر وجميع الدول العربية (2006 – 2011).
وشغلت هالة السعيد عضوية اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة غسل الأموال- وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب –البنك المركزي المصري (2005 –2011)، والمجلس الاستشاري لمساعدة الفقراء - البنك الدولي (2004 – 2007)، المجموعة الاستشارية لتدريب المراقبين الماليين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (2003- 2011 )، اللجنة التيسيرية للاستراتيجية القومية للتمويل متناهى الصغر في مصر، بالاشتراك مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP)، بنك التعمير الألماني (KFW)، المعونة الأمريكية (2003-2005)، والمجلس الاقتصادي التابع لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا (2001 – 2009).
ومن نافل القول إن السعيد لم تشغلها مهامها العديدة عن مشاركتها في إعداد العديد من الدراسات والأبحاث الخاصة بالاقتصاد المصرى وأوضاعه، فكانت موضع تكريم وحفاوة من العديد من الجامعات من بينهم جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية، وكذلك المؤتمر الدولى الثانى للبحوث العلمية وتطبيقاتها.
ثالثا- هالة السعيد والعمل السياسى:
يقصد بالعمل السياسى في هذا المقام ليست الاشتغال بالسياسة وألاعيبها، وإنما يقصد به العمل التنفيذي الذى تولت بمقتضاه الدكتورة هالة وزارتين كما سبق الإشارة، الأولى أولت الاهتمام بالتخطيط والإصلاح الإداري حيث حققت نجاحات متميزة في الإصلاح الإداري بمختلف مجالات، إذ تكشف التقارير الدورية الصادرة عن أداء هذه الوزارة حينما كانت تحت رئاسة السعيد عن حجم من الإنجازات التي استهدفت تعظيم الدور التكنولوجي في الجهاز الإداري بوجه عام وميكنة الكثير من الأجهزة والمصالح الحكومية على وجه الخصوص. وقد انتقل هذا الإنجاز إلى مجال التنمية الاقتصادية الشاملة حينما أسند إليها مسئولية وضع مصر على خريطة التنمية المستدامة التي طرحتها الأمم المتحدة 2030، إذ تمكنت السعيد من وضع رؤية مصرية وطنية خالصة حملت عنوان رؤية مصر 2030، سعت من خلال ما تضمنته هذه الرؤية من محاور وما حددته من أهداف أن تضع مصر في كثير من المجالات على الطريق الصحيح وفقا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى، ليضاف نجاحها السياسى إلى نجاحها الأكاديمي والمهنى، لتمثل أيقونة مصرية تلهم الفتيات والشباب بأن الجد والاجتهاد والعلم هم سلاح خوض غمار المستقبل وتحدياته.
نهاية القول إن تقديم مثل هذه النماذج القيادية الناجحة من نساء مصر ورجالها، يعد نقطة رئيسية في مسيرة بناء دولة المستقبل، عبر جعلهم القدوة والمثل الذي يجب أن يحتذى على إثرهم شبابنا في إدارة حاضرهم وبناء مستقبلهم.