أبكى الجمهور معه يوم رحيل صديق عمره حسين رياض .. دكتور أشرف حسن البارودى : سعد زغلول قال لوالدى صوتك مثل اسمك
حوار : سمير أحمد
الفنان حسن البارودى. تنبأ له زعيم الأمة سعد زغلول بأن يكون محامياً ناجحاً، لكنه فضل الفن وعاش له، قدم للسينما المصرية كثيراً من الأفلام الناجحة التى تجلّت بصماته عليها، برع فى تجسيد أدوار شخصية الواعظ كبير القرية، وكان أول فيلم شارك فيه مع عزيزة أمير «بنت النيل». عمره الفنى تجاوز 50 عاماً قدم خلالها 250 مسرحية. كان لا يشغله عبر كل تلك السنين جمع المال أو مجد الشهرة، بل كان حريصاً على أن يقدم الفن الجيد الذى تتوارثه الأجيال، دعونا ندخل عالمه الخاص من خلال هذا الحوار مع نجله د. أشرف حسن البارودي، أستاذ علوم الإدارة والسياحة ورئيس لجنة «أبناء زمن الفن الجميل» بمنظمة الأمم المتحدة، فإلى نص الحوار..
حدثنا عن نشأة الوالد وكيف كانت بدايته الفنية؟
اسمه الحقيقى حسن محمود حسانين البارودى من مواليد حى الحلمية بالقاهرة فى شهر نوفمبر عام 1898، بدأ حياته مترجماً ومرشداً فى إحدى شركات السياحة، ثم دخل المجال الفنى من باب الهواية، حيث التحق بفرقة حافظ نجيب، ثم انتقل إلى فرقة عزيز عيد إلى أن عمل مع يوسف وهبى الذى عينه فى فرقته، كملقن عام 1924 و فى أحد الأيام غاب الفنان إستفان روستي، فقام بدوره إنقاذاً للموقف، ونجح فى مهمته، فهنئه يوسف وهبى وكانت تلك هى نقطة الانطلاق الاولى بالنسبة له، وتم رفع أجره من 12إلى 25 جنيهاً، ثم انضم للمسرح القومى وظل به حتى رحيله .
وماذا عن حياته الشخصية؟
كانت له قصة مع فتاة أحبها وأحبته، لكنها اشترطت عليه حتي تتزوجه أن يترك التمثيل، فرفض وضحى بها من أجل المهنة التى أحبها، أما عن الزواج فقد تزوج مرتين، الأولى من الفنانة رفيعة الشال، وأنجب منها ابنة واحدة هى أميرة، والدتى هى الزوجة الثانية، والتى كانت تدرك طبيعة عمله كفنان، فنذرت نفسها وجهدها لتربية الأولاد والإشراف الكامل على كل كبيرة وصغيرة داخل الأسرة، وهى من خارج الوسط الفني، ولى اختان «انتصار» و«أمنية».
ما حكاية الزعيم سعد زغلول مع الفنان حسن البارودي؟
تم اختيار الطالب حسن البارودى عندما كان فى المرحلة الثانوية بمدرسة عابدين ليلقى كلمة المدرسة فى وجود سعد باشا زغلول، حيث كان يتمتع بصوت قوى ومميز، وبعد الانتهاء من كلمته نال تصفيقاً حاداً من الحضور وقد هز سعد باشا رأسه إعجاباً وتقديراً له وطلب منه الحضور إليه، وسأله عن اسمه فقال له «حسن»، فرد عليه صوتك مثل اسمك وأبدى سعادته به وقال له: «لو عملت بمهنة المحاماة فسيكون لك شأن عظيم وستحقق نجاحا أكيدا لقوة صوتك وتميزك تفضَّل.. والله معك»، رجع البيت سعيداً مما سمعه من زعيم الأمة وازدادت ثقته ليكون ممثلا، قائلاً: «المحامى يقول كلمته فى قاعة المحكمة والممثل يقول كلمته على خشبة المسرح وكلاهما له تأثير فى ما يسند إليه، فالحق والعدل بالنسبة لى سأحققه على خشبة المسرح»، وقد تحقق له ما تمناه.
وهل كنتم سعداء لاختيار الفنان حسن البارودى مهنة التمثيل؟
كان والدى عاشقاً لمهنة التمثيل ويعتبرها رسالة عظيمة لإسعاد الناس، ويرى أنه من الممكن مناقشة مشاكل المجتمع من خلال رسالة الفن العظيمة، وإيجاد الحلول وكانت نظرته فى محلها، فكثير من الأفلام تصدت لبعض القضايا الشائكة وقد ساعده اتقانه الكبير للغة العربية في الوقوف على خشبة المسرح.
وهل كان البارودى راضياً عما قدمه خلال مشواره الفني؟
كان الوالد حريصاً كل الحرص قبل اختيار الدور الذى يقدمه على أن يكون له تأثير لدى الجمهور والأجيال القادمة لكى تتعلم من خلاله الفن الراقي، لذلك فقد كان راضياً تماما عما قدمه.
ومَنْ مِن الفنانين كان مقرباً إلي قلبه؟!
كان والدى محباً لزملائه وأصدقائه الفنانين، وكان دائم التواصل معهم فى غير أوقات العمل .ومن الأصدقاء المقربين إليه جداً الفنان حسين رياض، الذى بكاه بكاءً شديداً بعد وفاته وأذكر أنه كان متواجداً للعمل على أحد المسارح، وعندما علم بالخبر، وتزامن ذلك مع تأديته مشهداً يتطلب البكاء ظل يبكى حتى أبكى الجماهير معه، وحينما سألته عن هذا الأمر، قال لى أبكى على صديق عمرى ورفيق رحلتى وحبيبى عم حسين، وكان من المقربين أيضاً له فاخر فاخر وزكى رستم وأحمد علام ومحمود المليجى وتوفيق الدقن وعبد المنعم إبراهيم وأمينة رزق وغيرهم.
ما أهم العبارات التى لا يزال الجمهور يتذكره بها حتى الآن؟
أعتقد أن الجمهور لن ينسى جملته الشهيرة فى فيلم «الزوجة الثانية»، والتى تعتبر رمزاً للتعبير عن النفاق في أحط صوره: «الدفاتر دفاترنا»، وجملة: «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم يا أبو العلا» وأيضاً فى فيلم «باب الحديد» عندما قال لقناوى «تعالى هجوزك هنومة»، والكثير من أدواره التى تركت بصمات فى السينما المصرية.
حدثنا عن دور السيدة أم كلثوم فى حياته؟
لقد قالت عنه رحمها الله: «إن صوت حسن البارودى يغنى على المسرح ولا يتكلم»، فقد كان من رواد صالونها الثقافي، وللسيدة أم كلثوم دور عظيم وفضل كبير عليه، فعندما ضعف بصره وتطلب الأمر سفره إلى الخارج للعلاج رفضت وزارة الثقافة ذلك لعدم وجود ميزانية، لكنها تدخلت بعد اتصاله بها وأنهت له الاجراءات فى 24 ساعة.
وما أهم المحطات فى حياته؟
استطاع البارودي الوصول للعالمية، حيث شارك فى الفيلم الألمانى «روميل يغزو الصحراء» والفيلم الأمريكى «إيجبت باى زري»، والفيلم الإنجليزى «الخرطوم».
وكان المسرح كل حياته وفى أيامه الأخيرة بعد أن ضعف بصره وأصبح يجد صعوبة فى حفظ الدور كان يصر على الوقوف على خشبة المسرح لأنه كان يحب المسرح ويفضله على نفسه وصحته، وعندما تسلم خطاب إحالته إلى التقاعد من المسرح، كان هذا الخطاب بمثابة خنجر أصابه، لأنه كان يرى أنه قادر على العطاء وعنده الكثير، وعندما حاول العودة قوبل طلبه بالرفض، فظل بمنزله حتى رحيله عام 1974، وقال بعض الكلمات، التى لاتزال عالقة فى ذهنى حتى الآن: «منذ متى كان للفنان عمر للحياة والعمل، وعمر للرحيل والجلوس فى المنزل؟!».
حصل على العديد من الجوائز «وسام الفنون» عام 1959 و«الدولة التشجعية» فى العلوم والفنون من الطبقة الاولى 1962 .
وقد تم سؤاله فى حوار لمجلة «الكواكب» أكتوبر عام 1966 لوعاد بك الزمان ما المهنة التى كنت ستختارها فأجاب مهنة التمثيل لحبى الشديد لها.
و ما أهم المواقف التى تعرض لها على خشبة المسرح؟
أصعب موقف أتذكره أن عامل الإضاءة كاد أن يقتله فى مسرحية بعنوان «الجحيم»، لشدة اتقانه الدور الذى كان يؤديه وتقمصه الشخصية الشريرة بشدة، حيث حاول (فى المسرحية) تدمير سمعة بنت مظلومة، وتأثر الجمهور بأدائه جداً، فأخرج عامل الإضاءة سكيناً، وصرخ فى وجه حسن البارودى قائلاً: «خربت بيت البنت».
ماذا تعلمت من الوالد؟
لا أتذكر لأبى أية سلبيات، فرغم أدوار الشر التى أداها، إلا أنه كان طيب القلب وحنوناً جداً، وكان على المستوى الشخصى أنيقاً ويهتم بمظهره وشكله وهذا ما تعلمته منه، أما على مستوى الحياة فقد تعلمت منه الاتقان فى العمل وأن أراعى ضميرى فى كل خطواتي.