دخلت "القاهرة" لأول مرة في التاريخ، على خط المنافسة العالمية بإقامة احتفالات ضخمة بمناسبة رأس السنة، وهو التقليد الذي تتبعه منذ عقود مضت عواصم العالم الكبرى، لتجذب من خلال عناصر الإبهار والصخب، حركة السياحة، وأنظار العالم، وكاميرات وكالات الأنباء، فتسود البهجة قلوب أهالي تلك المدن، وضيوفها، وهم يستقبلون قدوم العام الجديد.
مع دقات الساعة الثانية عشر يوم 31 ديسمبر، واصلت مدن سيدني، وسول، ودبي، وباريس، إبهار العالم كعادتها بإحتفال ضخم ومبهج في استقبال عام 2021، إلا أن المصريين، كان لهم رأي آخر هذا العام، فقد اتجهت أنظارنا لنشهد بمنتهى الفخر أول إحتفال مصري ضخم بقدوم السنة الجديدة، واختارت مصر للحدث المبهر موقعاً يجسد الإعجاز، وهو كوبري تحيا مصر، الذي دخل التاريخ كأعرض كوبري ملجم في العالم، وكان الإحتفالُ بكل المقاييس حدثاً يدعو إلى الفخر والإعزاز.
الألعاب النارية أضاءت سماء القاهرة، ونقلتها القنوات الفضائية ليراها العالم كله، وعروض الأضواء الضخمة جذبت الأنظار، لتنافس مصر بقوة عواصم العالم في تقديم احتفال يليق بمكانتها، ويعكس قدرها، واختيار كوبري تحيا مصر أضاف للحدث رونقاً خاصاً، حيث كان لانعكاس أضواء عروض الإضاءة ووميض الألعاب النارية على صفحة مياه نيل القاهرة سحرا خاصا، وكل من ساهم في خروج الحدث بهذه الصورة يستحق التقدير والاحترام.
بقدر ما شعرنا بالفخر، فإن مسئولية نجاح هذا الحدث باتت تفرض علينا ضرورة استثماره على النحو الأمثل، وتوليد الأفكار التي تحقق هذا الغرض، ولعلي انتهز هذا المقال لأطرح عدداً من المقترحات أضعها بين يدي صانع القرار، لاستكمال عدد من الجوانب بما يحقق الأثر المنشود من إقامة هذا الإحتفال، وأجملها في عدة كبسولات تتضمنها السطور التالية:
1. الموقع: اختيار كوبري تحيا مصر كان موفقاً هذا العام لأسباب تتعلق بقيمة المشروع كإعجاز مصري حقق رقماً قياسياً، إلى جانب توافر عنصر الإبهار بانعكاس الأضواء على المياه، ولكن مع اقتراب المتحف المصري الكبير من الإفتتاح المقرر له عام 2021، أعتقد أن الموقع الأنسب لإقامة هذا الحدث، سيكون بجوار المتحف، ليتحقق عنصر جذب هام للسياح والاستفادة من قيمة هذه المنطقة في قلوب زوار مصر، كما أن الظلام بجوار الأهرامات سيجعل من عروض الألعاب النارية أروع، ليمتزج إبهار الحفل مع عظمة آثارنا العريقة.
2. الاستدامة : احتفال مصر كان مبهراً مع وعود الشركة المنظمة باستمرار تقديم هذا الحدث سنوياً، والحفاظ على المستوى المبهر وتطويره، وتحقيق عنصر الاستدامة يجعل الحدث أكثر قيمة، ويحوله إلى ما يشبه كرنفال سنوي له توقيت محدد لا يتغير لارتباطه بليلة رأس السنة، وثبات التوقيت يساهم في زيادة الحجوزات السياحية إلى مصر في هذا التوقيت حيث يحتاج السياح إلى الحجز مبكراً، بما يتيح قدوم أعداد كبيرة من مختلف الوجهات السياحية للاستمتاع باحتفال رأس السنة، في موقعه المميز بجوار المتحف المصري الكبير.
3. الدعاية: احتفال مصر برأس السنة الجديدة هذا العام كان حدث تاريخي تم الدعاية له على نحو جيد محلياً، ولكن استدامة الحدث وتكراره كل عام ستتطلب أدوات جديدة للترويج، منها التركيز على التسويق العالمي، لاستثمار الحدث في الجذب السياحي من الأسواق التي اعتادت زيارة مصر في هذا التوقيت من العام، ولكن تتجه قبلتها نحو المدن الساحلية في جنوب سيناء والغردقة، ودعوة قنوات دولية لنقل الحدث من شأنه أيضاً التسويق بصورة أكبر من خلال تعريف السياح وهم في بلادهم بهذا الحدث والتطلع لحضوره.
من الجميل أن ننظم حدثاً يبهر العالم، ولكن الأجمل أن نحقق استدامته، ويظلُ الأروع أن نجعل من احتفال مصر برأس السنة، حدثاً سنوياً ثابتاً على خريطة السياحة العالمية، يجذب عشرات آلاف السياح في نهاية العام لاستقبال السنة الجديدة من أرض الحضارة، فتنتعش خزينة الإقتصاد بمليارات الدولارات، ويتحقق الخير لهذا الوطن وأبنائه.