رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


"كواليس".. قصة لـ أسماء حسين من مجموعة "فسحة بويكا"

2-1-2021 | 10:54


تنشر "الهلال اليوم"، قصة "كواليس"، للكاتبة أسماء حسين، من مجموعتها القصصية "فسحة بويكا" الصادرة عن دار "فصلة" للنشر والتوزيع في طبعتها الأولى يناير 2018.


كواليس


  

لا أعرف.

أهذه عازفة أم إله.

تلك المرأة بقميصها الأبيض الناعم، أعني المرأة البسيطة جدًا بقميصها الأبيض، وهي تجلس بين جدارين تخلع عنهما الإضاءة قميصهما، حين تفتح فمها وهي تضغط على رقبة الآلة تشعر كأنها تطعم الذاهبين إلى القيامة.

لا يمكن أن يتخيّل شخص كامل القوى أن هناك امرأة أبسط منها ولا أكثر ابتسامة منها ولا أحب إلى القماش منها ولا.. أشياء كثيرة حلوة أيضًا.

انتهت الآن و حزِنت كعادتي، قبل أن يتابعها الـ "كاميرا مان" وقد بدّلت القطعتين ـ القميص الأبيض والبنطلون القطني الفضفاض ـ  بفستان قصير ومشجّر.

التفتت إليه وقالت كلمتين فرنسيتين تعنيان "الوداع" وهي ترافق عازفة أخرى في ممرّ حجريّ.

هذه المرأة التي عزفت ليلتها كانت تُصلِح للجالسين على الحافة في انتظار العدَم أزرار قمصانهم بالضبط بعد أن أنهت تفسيرها للوجود، بينما هي كانت تحمل معها جثتها من جناية أحدهم داخلها.

الآن هي جالسة على عتبة دارها، تضع قبضة يدها تحت ذقنها مثل المتسولين أو العجائز اللاتي ينتظرن الموت بطريقة أو أخرى، وبرحابة من لا يملك من الأمر شيء، يمرّ جارها عليها، يلقي تحية الصباح بمكر، وقبل أن يبتعد عنها قليلًا يعود مترددًا إليها، يحدق في وجهها وجسدها بعينين يملؤهما الذهول وفمه نصف فاغر، تتقلص خطوط وجهها التي ارتسمت مبكرًا عن الموعد، تبدو تمامًا كامرأة مسّها الجنون يلاحقها الصغار بالضحكات ويرشقونها بالحجارة، لا ليس ارتباكها الآن من جارها الذي عرف بمصيبتها، بل من زوجته التي تراقبهما من شباك غرفتها، ربما تقول الآن في نفسها: "وأخيرًا انكشفت ألاعيبك يا خائن".

يرفع جارها عينيه إلى حيث يتجه نظرها، يلمح زوجته ويتمتم بملل: "حمقاء، كلكنّ واحدة في الحماقة".

يستعيد حالته البدائية التي كان عليها قبل رؤيتها، تضيق عيناه وتصبحا بحجم حبة الزيتون، ثم يسير إلى نهاية الطريق ويبتلعه ضباب الصباح الباكر. يتركها مع مصيبتها التي أهداها إياها أحدهم، خلف الكواليس، بينما كانت تعزف لآخرين، تضع قميص حفلاتها الموسيقية على المسرح، وتسلب العقل جهرًا، سلبها هو كل شيء سرًا. النطفة انبثقت في رحمها وانتهى الأمر، لقد اكتشفها الطبيب وعرف سرّها، وحدهم الأطباء طيبون كالأصداف والآبار، صامتون كمصيبة ملعونة!

لا لن يكون الجيران أبدًا بهذه الطيبة والمغفرة، والصمت.